«نحن بالليرة» والدواجن والأغنام بالدولار!

قفزت أسعار لحم الدواجن والأغنام بنسب كبيرة خلال أقل من أسبوعين، الفروج والبيض ارتفع أكثر من 30%، ولحم الغنم قرابة 35%... ولكل منهما أسبابه التي قد تختلف، ولكن يمكن إرجاعها إلى سبب واحد أساس فوضى السوق السورية، وتوحّش المتحكمين بمواردها، ودولرة التسعير حتى للإنتاج المحلي.

 

مربو الدواجن ملزمون بـ 80% بالدولار

منذ شهرين تقريباً تنبّأ العارفون بقطاع الدواجن بأن أسعارها ستطير... فالمنتجون مضطربون والإنتاج يتوقف، وحلقات الاحتكار التي فوق رؤوسهم لا والي عليها.
إن أردت أن تربي فوجاً من الدواجن لمدة 40 يوماً، عليك أن تدفع للمستوردين المحدودين الذي يستوردون الأعلاف 70% من تكلفتك. وعليك أن تدفع ما يقارب 80% من التكلفة لمواد مستوردة: أعلاف ومتممات وأدوية. إذاً التسعير «مدولر» بهذه النسبة، تحدده أرباح مستوردي الصويا والذرة ومن يعطيهم إجازات الاستيراد ومن يدخل بضاعتهم، ومن يستطيع أن يحبس أو يحرر مؤونة استيرادهم، وغيرها من سلاسل الفساد الكبير التي لها «قرص في كل عرس»، وتوزع جباتها وموظفيها في كل موضع حسّاس.
وطالما أن التسعير بالدولار فإن مربي الدجاج في المدجنة يضع تسعيرته على أساس ارتفاع تسعيرة الأعلاف، ويحاول أن يضع هامشاً إضافياً تحسباً لارتفاع السعر اللاحق، فإذا ما سعر على أساس كيلو العلف بـ 650، فإنه قد يكون في الفوج اللاحق بـ 750 ليرة ويجب أن يحاول ضمان هذه الزيادة المتوقعة طالما أن السعر «يتنطوط» صعوداً ولا قرار له.
أمام المربي الصغير خياران، إما أن يغامر بالخسارة أو أن يحاول أن يضمن ربحاً إضافياً ليستطيع فقط أن يستمر بالإنتاج... وهو يختار الخيار الثاني طبعاً لأنه بنظرة بسيطة إلى السوق فإنه يعلم بأن من لم يرفع أسعاره خسر، ولن يستطيع أن يشتري أعلافاً للفوج اللاحق.
الدولار يرتفع والأسعار ترتفع معه، وبعد قليل سترتفع الأسعار أعلى من ارتفاع الدولار لأن الإنتاج يتوقف وتقل الكميات...

مربو الأغنام: المهربون زبائنهم الأساسيون

أما لحوم الأغنام، فإن أحداً لم يعد يسأل عنها، فالكغ الذي وصل إلى 13 ألف ليرة أصبح للمهربين بالدرجة الأولى... الأغنام تعتمد المرعى والشعير والنخالة كأعلاف، وهذه بمجموعها متوفرة محلياً، مع سد النقص من الاستيراد. سعر كغ الشعير كعلف للأغنام بلغ 140 ليرة، والنخالة 150 ليرة. 

وقد ارتفع سعر كغ الخروف القائم منذ بداية العام بنسبة 16% في الأسواق الأساسية (الرحيبة مثلاً)، ولكن ارتفاع أسعار اللحوم المذبوحة كان أعلى بكثير. كميات الذبح هي العامل الحاسم، حيث تُساق جموعاً إلى الحدود وتهرّب، والكميات المتبقية تذبح محلياً للقادرين فقط على استهلاك كغ بـ 13 دولار أي 13 ألف ليرة!
تبلغ أسعار رأس غنم العواس في الإقليم أربعة أضعاف سعر الرأس الحي في سورية، إذ يصل إلى 500 دولار للخروف بوزن 40 كغ، بينما سعره في سورية 126 ألف ليرة حالياً، أي 168 دولاراً. وهو ما قد يعني تدفقات تقارب 135 مليون دولار لسوق التهريب إذا ما كان معدل 3 آلاف رأس يومياً يستمر إلى ثلاثة أشهر في السنة فقط.
ارتفاع أسعار الأغنام بهذه النسبة خلال الشهرين الماضيين يعني بالمحصلة تسعير الأغنام بالدولار، لأن السوق الأساسية للمواشي أصبحت بتهريبها للخارج وتسعّر على هذا الأساس فالزبائن الأساسيون للمربين هم المهربون. وطبعاً أرباح التهريب تتوزع على مليشيات التهريب وكل من يرعاها ويسهّل دربها.
إنّ حماية الليرة من المتعاملين بالدولار، لا تكون بملاحقة صفحات الفايسبوك والمتعاملين بالدولار الورقي رغم أهمية هذا... ولكن هذه الإجراءات تصبح بمثابة «دقّ المي وهيي مي» إذا لم تسبقها مكافحة دولرة الإنتاج ودولرة حتى الفراريج والأغنام المحلية، فيما سبق مثالان فقط على حجم الدولرة في القطاع الزراعي. ومواجهتها تنبغي أن تتم عبر استيراد أعلاف الدواجن عبر الدولة مباشرة ودون دولار أو بسعر دولار رسمي وثابت، وبيعه للمنتجين بسعر محدد مما يساعدهم على تثبيت سعرهم ومعرفة حركة إنتاجهم. ويجب أن تكون أيضاً بقبضة حديدية على تهريب الأغنام وعموم المهربين، وعلى حلقات الفساد والنفوذ التي تحميهم، لأن تهريب الأغنام يعني تسعيرها بسعر الخارج أي بالدولار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
949
آخر تعديل على الإثنين, 20 كانون2/يناير 2020 12:35