نوار الدمشقي نوار الدمشقي

مدخل دمشق الشمالي وحمى الاستثمار القادمة

تتسارع خطا محافظة دمشق بما يتعلق بالمخطط التنظيمي للمشروع 104 الخاص بمدخل دمشق الشمالي، فقد تم الإعلان عن «انتهاء دراسة الجدوى الاقتصادية التي أجرتها الشركة العامة للدراسات الهندسية للمشروع»، وذلك بحسب ما كشفه مدير التنظيم العمراني في محافظة دمشق عبر صحيفة الوطن بتاريخ 12/1/2020.

التسارع في الخطا ليس مستغرباً، فالمشروع استثماري ربحي كبير ستلهث خلفه وبعمقه شرائح المستثمرين والمستغلين والفاسدين، ولمحافظة دمشق حصة كبيرة منه بضمانة القانون، بغض النظر عما ستؤول إليه حقوق المواطنين من أصحاب الملكيات أو الشاغلين في معرض تنفيذ المخططات التنظيمية في ظل حمى الاستثمار والمضاربات العقارية، وبغض النظر عن التنفيذ الفعلي، مع عدم تغييب الجبهة المفتوحة، حقوقياً وقانونياً، على المشروع من قبل صناعيي منطقة القابون بوجه المحافظة.

البحر طحينة

المخطط التنظيمي للمشروع 104 الخاص بمدخل دمشق الشمالي يشمل مناطق تنظيم القابون الصناعي، والزراعة الداخلية، وجزءاً من منطقة تنظيم الزبلطاني c مرحلة أ ومرحلة ب، بمساحة إجمالية تتجاوز 200 هكتار، وتتعامل محافظة دمشق مع المشروع المزمع بنفس الطريقة والآلية التي تعاملت معها بما يخص مشروع خلف الرازي وتوسعه (ماروتا وباسيليا) سابقاً، عبر الترويج للإيجابيات «الافتراضية» التي ستصب في مصلحة المالكين وأصحاب الحقوق من خلال عمليات توزيع الأسهم، والحصص السهمية لكل منهم.
لقد قال مدير التنظيم العمراني في محافظة دمشق بهذا الصدد: «وفق هذه الدراسة الأمور تتجه إلى تطبيق القانون 10 المعدل للمرسوم 66 وهو الذي يعطي المواطنين الحرية في اختيار حصصهم السهمية بين البناء السكني والتجاري، وهناك عزم على إعطاء أصحاب الحقوق من 1,5 إلى 2 مما كانوا يملكون قبل التطبيق بمعنى أن يكون ضعف الملكية السابقة سهمياً».
ولم يتم إغفال بعض الجرعات التسويقية والترويجية للمشروع: «هناك تنوع خدمي كبير في المشروع حيث يوجد مقسم إداري، ومحطة تبادلية بين القطارات، وباصات النقل الداخلي والمترو، و8 مقاسم لإنشاء مدارس التعليم الأساسي و4 مقاسم للتعليم الثانوي و6 مقاسم للتعليم الفني، ومقسمان للمراكز الدينية و5 مقاسم لرياض الأطفال، ومقسم طبي عام، وآخر طبي خاص و4 مقاسم لإنشاء محطات للوقود، إضافة إلى وجود حديقة بيئية».
أما عن تسارع الخطا من قبل المحافظة بهذا الشأن فقد تم التوضيح: «إن المحافظة سوف تبدأ بعمليات التوزيع فور وصول نتائج دراسة الجدوى الاقتصادية إلى المحافظة».

مغالطات ملفتة

الملفت بحديث مدير التنظيم العمراني في المحافظة اعتباره: «أن ما يميز هذا المشروع عن مشروع ماروتا سيتي أن القابون الصناعي لا يحتاج إلى إخلاء لأن المنطقة خالية، وبالتالي التنفيذ سيكون مباشرة، ومعها يتم توزيع الأسهم على المستحقين حسب رغبتهم».
وحديثه بأنه: «تم إقرار تعديل الصفة العمرانية للمنطقتين العقاريتين القابون وحرستا من منطقة c زراعة داخلية، ومناطق منظمة G4 مناطق صناعية إلى (أ) مناطق قيد التنظيم وفق الحدود المبينة في المصورات والمخططات المعلنة للجمهور، وكذلك المخطط التفصيلي ونظام الوجائب ونظام البناء الملحقين بالمخطط، وذلك بعد أن صدر المرسوم الجمهوري الخاص بالمشروع».
لعل عبارة «المنطقة خالية» تخفف من مسؤوليات المحافظة والتزاماتها، وخاصة بما يتعلق بالسكن البديل، مع العلم أن «القابون الصناعي» غير مُخلى كلياً، فبعض المعامل، بآلاتها ومكناتها، ما زالت موجودة وعاملة في منشآتها حتى تاريخه، بحسب بعض الصناعيين في المنطقة، كما ما زال صناعيو منطقة القابون يتابعون في جبهتهم المفتوحة مع المحافظة مطالبين بحقوقهم المصانة قانوناً، باعتبار منطقتهم منظمة منذ نصف قرن، ولا تحتاج لإعادة التنظيم، وبأن إحداث منطقة تنظيمية وفقاً للقانون 10 بموجب مادته الأولى يصدر بمرسوم، وهؤلاء لم يسمعوا أن مرسوماً جمهورياً خاصاً بالمشروع قد صدر!، وهي مغالطات وردت على لسان مدير التنظيم العمراني في المحافظة، بحسب ما ورد أعلاه.

حمى الاستثمار والمضاربة القادمة

«هناك تكامل في هذا المشروع الذي سيشكل أحد النماذج العمرانية في دمشق»، هي عبارة توضيحية على لسان مدير التنظيم العمراني في المحافظة.
هل تُذكركم هذه العبارة بشبيهاتها سابقاً عند الحديث عن (ماروتا- باسيليا)، وكل ما يتعلق بحمى الاستثمار واللهاث على الأرباح من خلال المضاربات، التي جرت والمستمرة بها، وهي ما زالت على الورق، على حساب أصحاب الحقوق؟!.
المتوقع لاحقاً بالمشروع المزمع، كحال ما سبقه من مشاريع مع أساليب الترويج الخاصة بها، ظهر الآن من خلال ما رشح من توضيح عنه: «أكثر من 72 مقسماً استثمارياً و102 مقسم سكني».. «أكثر من 55 بالمئة من مقاسم المشروع هي سكنية و36 بالمئة هي مقاسم للمشاريع الاستثمارية، وهناك أكثر من 12 بالمئة من المقاسم للخدمات التربوية والتعليمية».
فبغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال حول التنوع الخدمي في المشروع، علماً أنه يعتبر طبيعياً ومُلزماً قانوناً، لا شك أن المقاسم الاستثمارية والسكنية فيه، والتي نسبتها تقارب 90% منه، بما في ذلك حصة المحافظة نفسها، تعتبر فرصة أمام المستثمرين والمضاربين والمستغلين والفاسدين من أجل جني الأرباح، والمزيد منها، ولا شك أن هذه الأرباح لن تكون إلا على حساب أصحاب الحقوق أولاً وآخراً وبالنتيجة، خاصة مع عامل الزمن المفتوح على التنفيذ، وهو بذلك لن يكون مغايراً عن المشاريع الشبيهة (ماروتا- باسيليا) التي تشهد على ذلك حتى الآن.

تبييض أموال واستغلال

مع التأكيد على أهمية التنظيم والمشاريع العمرانية كضرورة ملحة تفرضها الظروف الحالية ومرحلة إعادة الاعمار القادمة، وبما يضمن الحقوق وينصف المواطنين، إلا أن بعض المشاريع ربما لن تكون إلا واجهات لتبييض أموال بعض كبار الناهبين من أمراء الحرب والفاسدين وتجار الأزمة الجدد، كما أنها فرصة لهؤلاء لجني المزيد من الأرباح الاستغلالية على حساب المواطنين والبلد.
ولعل المضاربات الجارية بمشاريع (ماروتا- باسيليا) تعتبر مؤشراً على ذلك، خاصة وأن هذه المشاريع ما زالت ورقية بغالبيتها، ونسب التنفيذ ما زالت دون المستوى المطلوب بشكل لافت، وبالرغم من ذلك تصاعدت أسعارها خارجاً عن سياق المبررات المنطقية، بل وأصبحت أعلى من كل المعايير مع شبيهاتها من المشاريع في دول أخرى.
فهل سيكون مشروع 104 الخاص بمدخل دمشق الشمالي، بغض النظر عما يمكن أن تتفتق العقول عن تسميات براقة له، مختلفاً عن سابقيه؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2020 13:04