عام قبل الظهر وخاص في المساء والسهرة!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

عام قبل الظهر وخاص في المساء والسهرة!

لم يمض يومان على اجتماع رئيس الحكومة مع المحافظين، حتى بدأت تهل مقترحات ترجمة بعض ما تم الاتفاق عليه والتوجيه به خلال هذا الاجتماع بما يخص الرؤى الاستثمارية، التي تتفتق فيها ومن خلالها العقلية الربحية التي أصبحت سائدة، حيث «أوصى مجلس محافظة دمشق بضرورة استثمار المدارس الحكومية بعد انتهاء الدوام فيها، وبما ينعكس بالفائدة على المدرسة والعاملين فيها».

فقد عقد اجتماع بتاريخ 12/11/2019، ضم المحافظين إلى رئيس مجلس الوزراء، وقد ورد عبر صفحة الحكومة تحت عنوان «اجتماع المحافظين»: «تقييم الوضع التنموي والاستثماري والخدمي الحالي في المحافظات... وسبل تمكين البنية الاستثمارية لدى الوحدات الإدارية هي العناوين الرئيسة لاجتماع المحافظين برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء».

الاستثمار هي الكلمة المفتاحية

ورد على صفحة الحكومة بشأن الاجتماع مع المحافظين في تاريخ 12/11/2019، أنه «تم تكليف المحافظين توسيع قاعدة الاستثمارات الخاصة للوحدات الإدارية، ومتابعة تنفيذ المشاريع التنموية الحكومية والمشاريع التي تنفذ من قبل القطاع الخاص وخطة كل محافظة لرسم خارطة استثمارية جديدة».
في تاريخ 14/11/2019، وخلال اجتماع مجلس محافظة دمشق، صدرت التوصية أعلاه بخصوص «استثمار المدارس الحكومية»، وقد رشح عبر بعض وسائل الإعلام أن رئيس مجلس المحافظة أشار خلال الاجتماع إلى «وجود دراسة يتم العمل عليها، تتضمن استثمار كامل جغرافية المدرسة منها استثمارها كمعهد أو مدرسة خاصة بعد الظهر، واستثمار الباحات كملاعب رياضية بعد تجهيزها بالشكل المناسب».
فيما أكد أحد أعضاء مجلس المحافظة على «ضرورة تفعيل الاستثمار بشكل كامل في دمشق بما فيها المدارس، داعياً إلى عقد ملتقى خاص للاستثمار في مدينة دمشق للاستفادة من غالبية أملاك المحافظة واستثمارها بالشكل الأمثل».
أما الملفت خلال هذا الاجتماع فقد كان رد مدير تربية دمشق بقوله: إنهم «جاهزون لدراسة أية فكرة في هذا المجال حال ورودها إليهم، مبيناً وجود 3 مدارس في منطقة مشروع دمر قيد الافتتاح تم عرضها للاستثمار نتيجة عدم حاجة المنطقة إلى المدارس حالياً».
يومان فقط كانا كافيين لترجمة التوجيه والاتفاق الحكومي مع المحافظين أعلاه على شكل توصية استثمارية من قبل محافظة دمشق، وقد نالت الثناء والقبول من قبل أعضاء المجلس، ومن قبل الجهة المعنية بالأمر متمثلة بمديرية تربية دمشق!.
أما بخصوص المدارس في مشروع دمر المعروضة للاستثمار كونها «دون حاجة» فهذا ربما له حيّز آخر في وقت لاحق ربما!.

حمّى الاستثمار

حمّى الاستثمار التي وصلت للمدارس الحكومية تبدو ليست وليدة الاجتماع مع رئاسة الحكومة فقط، بل لعل الاجتماع أعلاه أعطاها الزخم اللازم ليس إلا!.
فالحديث عن وجود دراسة مسبقة لدى المحافظة بشأن «استثمار كامل جغرافية المدرسة»، وعن «عقد ملتقى خاص للاستثمار في مدينة دمشق للاستفادة من أملاك المحافظة»، والخطوة الاستباقية من قبل تربية دمشق بعرض بعض المدارس للاستثمار، والجاهزية «لدراسة أية فكرة في هذا المجال»، تؤكد أن العقلية الاستثمارية والربحية هي المتسيدة على مجمل الأنشطة الحكومية وقراراتها، ولا شيء سواها، ولا أحد يعلم ما ستتفتَّق عليه مجالس المحافظات الأخرى من توصيات شبيهة تحت نفس العنوان ولنفس الغاية والأمكنة.

لن يسلم ولا شبر خارج الاستثمار

لا شكَّ أن عنوان الاستثمار- والغايات الربحية خلفه- جميل وخلاب، ليس للعقول بل للجيوب المستفيدة منه بالنتيجة، حيث لم تكتفِ محافظة دمشق بتغوُّلها «استثماراً» على الوجائب والحدائق والملاعب والأرصفة وأسطحة المباني، وكل شبر مما يصنف باسم «النفع العام»، تحت عنوان «توسيع قاعدة الاستثمارات الخاصة في الوحدات الإدارية»، فقد وصلت هذه القاعدة الاستثمارية أخيراً إلى أبنية المدارس الحكومية لزجِّ الاستثمارات الخاصة بها في المساء والسهرة، ولم لا؟ طالما كل أصحاب القرار والحل والربط متفقون ولا خلاف بهذا الشأن، وكل من يرغب بالتربح وزيادة هوامشه «البلهموطية» من مستثمرين جاهزين لملء أي شبر يُنتفع به استثماراً، أمّا الذرائع المساقة بهذا الشأن، والعناوين التي يتم من خلالها التسويق لهذه الاستثمارات فهي موضوع آخر تماماً، ولعل هناك الكثير من الشواهد على ذلك.
وربما لا غرابة لاحقاً في ظل هذه الحمّى من أن توضع جميع المباني الحكومية بالاستثمار لفترتي المساء والسهرة بعد الدوام النهاري فيها، وكل منها بحسب مكانها، وما يمكن الاستفادة منه لتحقيق أعلى ريعية ربحية منه.
كأن نجد لافتة على إحدى المؤسسات الحكومية تقول مثلاً: مؤسسة كذا قبل الظهر، ونادي عائلي في المساء، وملهى ليلي في السهرة!، فمع هذه السياسات والتوجهات يصح القول: عش رجباً ترَ عجباً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
940
آخر تعديل على الأربعاء, 20 تشرين2/نوفمبر 2019 11:52