دمشق.. أزمات المواصلات والمرور مزمنة ومتشابكة
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

دمشق.. أزمات المواصلات والمرور مزمنة ومتشابكة

منذ زمن ليس بالقصير تحولت مشكلة المواطنين مع وسائط النقل على خطوط المواصلات في شوارع دمشق وبين أحيائها، والتخديم مع ريفها القريب والبعيد، من صعوبة إلى عبء إلى معاناة إلى أزمة حقيقية، حيث لم تعد أية مفردة تعبر تماماً عن جوهر ما يعانيه المواطنون بمختلف شرائحهم يومياً من هذه المشكلة المعضلة.

تحول المشكلة من صعوبة إلى أزمة يعني تجاوز موضوعة ساعات الذروة واختلاف المواسم والفصول أو التمييز بين خط نقل وآخر، فالازدحام على وسائط النقل في دمشق أصبح معمماً على مدار الساعة خلال اليوم، وطيلة أيام الشهر، وبكل المواسم والمناسبات، وعلى كافة خطوط النقل داخل العاصمة ومع محيطها، وفي مراكز الانطلاق وعلى المواقف على طول الخطوط، وتفاقمها خلال ساعات الذروة صباحاً ومساءً وخلال فترة الأعياد أو مع افتتاح المدارس يعني أنها أصبحت أكثر توسعاً، كما يعني أن كلّ ما طُرح ونُفّذ من حلول طيلة السنوات السابقة لم يتجاوز عتبة الأزمة التي أصبحت أكثر عمقاً، إن لم تكن من أسبابها.

تداعيات متشابكة مع أزمة المرور

هذه الأزمة التي يعيشها المواطنون داخل العاصمة على خطوط النقل والمواصلات كان لها الكثير من التداعيات السلبية على حسابهم، اعتباراً من التعب والإرهاق مروراً بالساعات المهدورة على الطرقات، وصولاً إلى عوامل الاستغلال على مستوى نوعية الخدمة وتكلفتها، ناهيك عن متغيرات الطقس والأحوال الجوية وما يخصها من معاناة إضافية، أما على مستوى التمييز بين شرائح المواطنين بالنسبة لهذه الأزمة فربما يمكن إضافة عامل «حرق الأعصاب» على البعض منها، مثل شريحتي الطلاب والموظفين، فموضوعة عامل الزمن بالنسبة لهذه الشرائح لا تقتصر على الساعات المهدورة فقط، بل على التقيد بالمواعيد المحددة الملزمين بها، وما ينجم عنها من ضغوط إضافية، ومن استغلال إضافي على مستوى النفقة والتكلفة في كثير من الأحيان.
ما يزيد الطين بلّة أن مشاكل المرور والازدحام على الطرقات كان لها انعكاس سلبي كبير على أزمة المواصلات، فالشوارع المكتظة بالسيارات وبوسائط النقل المختلفة زادت وعمَّقت أزمة المواصلات أكثر وأكثر، فقد تشابكت أزمتا المواصلات والمرور في شوارع العاصمة، بحيث أصبح من الصعوبة التمييز بينها، أو التفريق بين أسباب ونتائج كل منها.

لا حل إلا بوسائط النقل الجماعي الكبيرة

بعيداً عن الخوض بالكثير من حيثيات وذرائع تراجع شركة النقل الداخلي خلال العقود الماضية بجوهرها المتوافق مع السياسات الليبرالية المحابية لمصالح شريحة أصحاب الأرباح على حساب بقية الشرائح الاجتماعية وعلى حساب قطاع الدولة، لتحل محلها السرافيس وشركات النقل الخاصة، فإن الوقائع تشير إلى أنّ جزءاً هاماً من مشكلة النقل والمواصلات داخل العاصمة ومع محيطها لا يمكن حلها إلا من خلال استعادة وسائط النقل الجماعي الكبيرة لدورها، وخاصة وسائط النقل التابعة لشركة النقل الداخلي، أو غيرها من الحلول الممكنة على هذا المستوى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استعادة هذا الدور يؤدي إلى تخفيض أعداد وسائط النقل الصغيرة والاعتماد عليها، ما يعني حل جزء من أزمة المرور بالنتيجة.
فأزمة النقل والمواصلات لا يمكن حلها عبر زج المزيد من وسائط النقل الصغيرة على خطوط المواصلات، وإن كان ذلك يبدو حلاً لخط دون سواه مثلاً، لكنه بالمقابل يزيد من أزمة المرور والازدحام، خاصة وأن شوارع العاصمة مكتظة ومستنفذة سلفاً.

بين الترقيعي والإستراتيجي

الحلول الترقيعية ذات الجوهر الاستثماري التي جرى العمل بها خلال العقود الماضية على حساب النقل العام وشركة النقل الداخلي وعلى حساب وسائط النقل الجماعي الكبيرة، كما على حساب المواطنين أثبتت عدم جدواها، اللهم باستثناء ما حققته من أرباح كبيرة في جيوب البعض، وما نجم عنها من مشاكل وتداعيات أوصلتنا لما نحن فيه من أزمتي مواصلات ومرور أصبحتا خانقتين بكل المقاييس، مع عدم تغييب المشاكل الاضافية التي نجمت على هامش الاعتماد على وسائط النقل الصغيرة، مثل زيادة معدلات استهلاك المحروقات بشكل كبير، وما تنفثه من سموم أثرت بشكل أكبر على البيئة أيضاً.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة للكثير من المشاريع الإستراتيجية بعيدة المدى، الورقية والنظرية، التي جرى الحديث عن بعضها والترويج لبعضها الآخر مع الكثير من البهرجة الدعائية خلال السنين الماضية القريبة والبعيدة، والتي تنتظر الوضع بالتنفيذ بعد استكمال دراساتها من الناحية الفنية العملية القابلة للتحقيق، سواء على مستوى أزمة المواصلات أو على مستوى أزمة المرور والازدحام (مترو- ترام- قطار- أنفاق- مرائب- طرقات ربط سريعة...)، بعيداً عن كل من ما يمكن أن يرشح أو ينجم عنها من صراعات مصالح، أو أوجه فساد بحكم وفي ظل استمرار العقلية السائدة المتوافقة مع السياسات السائدة ذات الجوهر الاستثماري الريعي الباحث عن الربح السريع، والمحابي لمصالح البعض على حساب المصلحة العامة، فالأزمة واجبة الحل عاجلاً أو آجلاً، وكل تأخير فيها هو تعميق واستفحال لها.

حلول مؤقتة ضرورية وممكنة

على اعتبار أن الأزمة قائمة ومستمرة ومستفحلة، فإن ذلك يعني أنه لا يمكن انتظار المشاريع الإستراتيجية بعيدة المدى لحلها، في ظل السياسات التسويفية والترقيعية القائمة، حيث تفرض الضرورة أن تكون هناك حلول مؤقتة جزئية وسريعة، ولعل ذلك يبدأ بأن تستعيد شركة النقل الداخلي دورها، وذلك من خلال زج المزيد من باصاتها على بعض الخطوط بمقابل تخفيض أعداد السرافيس العاملة عليها، مع أهمية حسن استثمار ما هو موجود من إمكانات لدى الشركة، خاصة في ظل ما رشح عبر وسائل الإعلام من زيادة بأعداد باصات الشركة من خلال المنح الصينية، أو من خلال العقود المعلن عنها لتوريد أعداد إضافية من الباصات، مع التأكيد على ضرورة تذليل كافة الصعوبات والعراقيل، الموضوعية والمصطنعة، التي تحول دون استعادة هذا الدور على أكمل وجه، على المستوى الإداري والمالي والتنظيمي والتمويلي.
في المقابل، لا بدّ من ضبط عمل السرافيس ووسائط النقل الخاصة العاملة على خطوط المواصلات، عبر مراقبة ومتابعة الالتزام بورديات عمل كل منها، مع إلزام السائقين باستكمال خط المسير المحدد لها دون تهرب والتفاف، وخاصة خطوط النقل الطويلة نسبياً، بعيداً عن أوجه المحسوبية والتغطية والفساد القائمة، وبعيداً عن أوجه الاستغلال التي يدفع ضريبتها المواطنون بالنتيجة، ولعل ذلك ليس من الصعوبة تطبيقه، خاصة وأن لكل مخالفة من هذه المخالفات ضوابطها وروادعها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن ينجز على مستوى فتح خطوط نقل جديدة لتخديم بعض المناطق والأحياء غير المخدمة، أو تعديل خطوط سير بعضها تخفيفاً للازدحام المروري في بعض الشوارع مثلاً، مع عدم تغييب أهمية موضوعة التسعير بما يحقق مصلحة أطراف المعادلة (المواطن- صاحب السرفيس- السائق).
لا شك أن الأزمة الخانقة في المواصلات والمرور ليست محصورة في دمشق لوحدها، فقد أصبحت أزمة عامة تعاني منها كافة المدن والمحافظات بدرجات ونسب مختلفة، وما ينطبق على دمشق بهذا الصدد يمكن تعميمه

معلومات إضافية

العدد رقم:
930
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2019 15:42