شهر المعاناة... والدولار طالع طالع
دارين السكري دارين السكري

شهر المعاناة... والدولار طالع طالع

منذ سنين طويلة والسوريون يعيشون كابوساً مرعباً اسمه «أيلول»، حيث يسبقه أو يأتي معه أحد الأعياد غالباً، كما يترافق مع موسم «الموونة»، وبداية العام الدراسي، بالإضافة للتجهيز لفصل الشتاء المقترن بالمحروقات والألبسة الشتوية، مما جعله من أسوأ أشهر السنة لدى عموم السوريين.

يستقبل غالبية السوريين، وخصوصاً المفقرين وذوي الدخل المحدود، هذا الشهر باحتفال محلي مبكٍ قائمٍ تحت شعار «احتفال الحاجة»، والذي يبدأ بسؤال: «كيف بدها تزبط؟؟» لينتهي بـ «بدها حلم الله لتزبط... الله يفرج أحسن الشي»!.

أولويات غير مدركة

من الطبيعي في يومنا هذا أن تضع الأُسرة السورية خياراتها أمامها بحسب الأولوية القصوى لاحتياجاتها بعيدة المنال، ابتداءً من فرحة الأطفال بثيابهم وحقائبهم الجميلة في اليوم الأول من المدرسة، وانتهاءً بالفرح بصحن «المكدوس» المتواجد على مائدة الإفطار قرب مدفأة المازوت، خصوصاً في ظل الارتفاع المرعب للدولار «الوهمي»، الذي وصل سعر صرفه في بداية هذا الشهر لـ (650 ليرة) مع عدم وضوح سقف ليقف عنده، مع الانعكاسات «الوهمية» على كل السلع والخدمات على شكل ارتفاعٍ «وهميٍّ» بأسعارها.
ومن هذا الارتفاع تنتج معادلة دائمة أصبحت مستمرة ومستغلة جداً للاحتياجات: «دولار مرتفع= أسعار ما بترحم»، بمعنى: «مارح نرحمكن ولا رح نخلي رحمة الله تنزل عليكن».
وفي موضوع ارتفاعات أسعار الدولار، المتتالية والمتلاحقة، فقد أصبح بحكم الأمر الواقع أن التجار والحكومة وأصحاب المعامل والرزق كلهم أصبحوا يقيسون أسعارهم وتكاليفهم بالدولار، حيث ترتفع الأسعار مع ارتفاع الدولار وتبقى الأسعار مرتفعة مع انخفاض الدولار «سبحان اللي بيغير وما بيتغير»، ولكن السؤال هنا: هل سُئل المواطن المعتّر عن وضع راتبه بالمقارنة مع الدولار؟ بالطبع لا، فارتفاع سعر الدولار لا يشمل زيادة في الرواتب، إن كان في القطاع العام أو الخاص.
الردّ المضحك المبكي النابع من الواقع المأساوي لأغلب المواطنين السوريين كان على لسان أحدهم، حيث علّق أحد الموظفين على ظاهرة ارتفاع الدولار: «كلما بتذكر إنو راتبي أقل من 100 دولار، بفرط لله من الضحك، لأ والأنكى إنو بيزعلو وبيخصمو من راتبي إذا تأخرت ع الدوام دقيقة... لك منيح مني لسا عم أجي».
ولا جديد بذلك، فإذا قسنا الرواتب الممنوحة وفقاً لحسابات الدولار كما يفعل التجار والحكومة فإن الرواتب فعلياً قد تراجعت جداً رغم أنه من المفروض أن تتضاعف وتزداد بالتوازي معه أو بالتوازي مع تكاليف ضرورات الحياة بالحد الأدنى، لكن «لا حياة لمن تنادي».

«الرقص والفقش» هو الحل

اللافت أنه في مقابل كل ذلك، أصبحت الحكومة تداوي أوجاع المواطنين السوريين بـ«الرقص والفقش» بدلاً من حل مشاكلهم وتحسين واقعهم المعيشي، فقد تم هدر ألوف مؤلفة من الدولارات مثلاً على إحياء المهرجانات والمعارض والاحتفالات والكثير من مظاهر البذخ والترف بغايات الترويج و«التطبيل والتزمير» و... إلخ، وطبعاً كل ذلك على حساب حاجات الناس وضروراتهم ومن جيوبهم أصلاً، ولكن الحس الحكومي «المسؤول» دائماً وأبداً «بيعمل حالو مو شايف المواطن ولا شايف شو صاير باقتصاد البلد»، فلا حلول تنقذ الناس والاقتصاد، ولا هم يحزنون.

تحت الخطوط

لا يحتاج السوريون اليوم لدراسات تثبت وضعهم المعيشي المتردي الذي وصلوا إليه خلال سنوات الحرب، ومع ذلك ننوه إلى أن مؤسسة غرافيك الأمريكية قالت في دراستها السنوية حول الفقر في دول العالم: «إن سورية جاءت في المرتبة 45 عالمياً والثانية عربياً من حيث الدول الأكثر فقراً بعد اليمن»... فالمنظمات الدولية تصنف الأفراد الذين يعجزون عن توفير تكاليف المتطلبات الدُنيا الضرورية، من حيث المأكل والملبس والرعاية الصحية والمسكن، بعبارة «يعيشون تحت خط الفقر أو الفقر المدقع»، ولكن حال الشعب السوري اليوم «حتى خط الفقر لم يعد يستطيع لمسه»، «ويكتر خير حكومتنا».
ليبقى الشعب السوري يعيش وحيداً تحت وطأة عدد من الخطوط، خط الحياة، خط السعادة، خط الخوف، خط الفقر، خط المرض، والكثير من الخطوط الأخرى التي أصبحت مرتفعة جداً بالنسبة إليه، دون أن تمتد نحوه الأيادي التي من المفترض أن تنهضه من واقعه.. «وخليها ع الله».
ونختم بما قاله أحد المعترين: «وبآخرك يا أيلول روحنا رح تروح»....

معلومات إضافية

العدد رقم:
930
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2019 15:39