هل ستبقى جزيرة أرواد للأرواديين؟
سمير علي سمير علي

هل ستبقى جزيرة أرواد للأرواديين؟

وافق مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 28/7/2019 «على كتاب وزارة النقل المتعلق بردم ما يقارب /18/ هكتاراً من المخطط التنظيمي لجزيرة أرواد والواقع ضمن المياه لإنجاز التطوير اللازم للجزيرة وإطلاق المشاريع التنموية فيها»، وذلك بحسب ما ورد على الموقع الرسمي للحكومة.

في المقابل، ما زال سكان الجزيرة يعانون من سوء الخدمات العامة فيها، سواء على مستوى القمامة وترحيلها أو على مستوى المعاناة من المياه والكهرباء والصرف الصحي وغيرها، بالإضافة طبعاً إلى توفر مادة الخبز وسوء مواصفته، ولعل الأهم: الواقع الصحي المتردي، والمرتبط بشكل أو بآخر اضطراراً بسوء تنظيم النقل من وإلى الجزيرة، وكذلك الواقع التعليمي والمعاناة من الانقطاعات فيه، المرتبطة غالباً بالظروف الجوية وحال البحر والتي تكون معيقة لوصول المعلمين من طرطوس إليها لمباشرة عملهم في مدارسها.

من عهدة الآثار والمتاحف إلى عهدة السياحة

واقع الحال يقول: إن غالبية الأرواديين يضطرون إلى مغادرة الجزيرة يومياً لارتباطهم بأعمالهم في مدينة طرطوس، كما أن غالبية هؤلاء وعبر السنين استقروا بشكل نهائي بعيداً عن جزيرتهم، سواءً بسبب الحال الطبيعي المرتبط بالزيادة السكانية في ظل محدودية مساحة الجزيرة الصغيرة، أو بسبب ظروف العمل، ولعل أحد أهم الأسباب كان من خلال وضع يد الآثار والمتاحف على الجزيرة، ومنع أية عمليات ترميم للبيوت فيها على مدى سنين طويلة، بالإضافة إلى عدم تطوير مخططها التنظيمي، الأمر الذي جعل السكن في البيوت الآيلة للسقوط يشكل خطراً على سكانها، مما جعل جزءاً منهم مضطراً لإخلائها حرصاً على سلامتهم وسلامة أبنائهم.
وبعد أن تم تخلي الآثار والمتاحف عن الجزيرة ووضعها بعهدة وزارة السياحة في عام 2009 وجد الأهالي بعض الفرج بذلك، حيث استطاعوا مباشرة بعض عمليات الترميم الضرورية لبيوتهم، واستعاد بعضهم السكن فيها، لكن فرحة هؤلاء لم تكتمل، حيث فرضت عهدة السياحة على الجزيرة أن تصبح ذات طابع سياحي، خاصة مع المشاريع السياحية التي وضعت مخططاتها وبرامجها، بما في ذلك ما جرى على مستوى المخطط التنظيمي للجزيرة من تعديلات ذات جوهر ومحتوى سياحي استثماري، والذي فرض على السكان نمطاً معيناً من الترميم والإكساء والألوان من أجل منح الجزيرة الصورة الموحدة بصرياً، بغاية تكريس تشجيع السياحة فيها، طبعاً مع الإجراءات المرتبطة بعناوين إزالة التشوهات والمخالفات في الجزيرة.

مقترح بالحماية ذهب أدراج الرياح

ربما بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الجزيرة سبق وأن وضعت ضمن قائمة الحماية البيئية كمقترح لتكون محمية بيئية طبيعية كما غيرها من المحميات الأخرى، وذلك لما تمتلكه من مقومات فريدة مرتبطة بكونها جزيرة مأهولة لها طابعها الخاص، وكذلك بالنسبة لبعض الكائنات الحية التي تعيش في محيطها المائي الحيوي تاريخياً، وهي تحمل فرادة وصفات إيكولوجية متوازنة خاصة بها، بحسب بعض الاختصاصيين، ولا ندري ماذا سيحل بهذا التوازن البيئي والإيكولوجي بنتيجة إقرار ردم 18 هكتاراً من البحر في محيط الجزيرة، وهي مساحة مائية كبيرة، وما مدى تأثير ذلك على الأحياء المائية فيه؟ فالمقترح من الناحية العملية ذهب أدراج الرياح في ظل تسيّد العقلية الاستثمارية.

الأولوية للاستثمارات

سنوات الحرب والأزمة كانت وبالاً على الأرواديين كما على غيرهم من المواطنين، وخاصةً على مستوى التردي الخدمي والذرائع المساقة باسم الحرب والأزمة والاعتمادات والسيولة وغيرها، لكن سنوات الحرب والأزمة وذرائعها لم تكن عائقاً أمام شهية الاستثمار والمستثمرين، وفي ظل أنماط الترويج السياحي لاستقطاب المزيد من الاستثمارات السياحية في الجزيرة، حيث أصبح الأرواديون في حياتهم ومعاشهم على هامش الاهتمامات الرسمية، بل وفي ذيلها.
فالأولوية في الجزيرة أصبحت للسياحة والاستثمار، وما تستقطبه من طبقات مخملية باحثة عن الترفيه والترف عبر المنشآت السياحية المرسومة والمخططة للجزيرة، من مطاعم ومسابح وفنادق ومقاهٍ وملاهٍ ورحلات بحرية سياحية، ورصيف بحري يستقطب اليخوت والألعاب المائية وغيرها من العناوين الاستثمارية الكثيرة، التي ستتوفر لها البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي واتصالات وخدمات صحية و... ليأتيَ أخيراً إقرار المخطط التنظيمي بتوسعه على حساب البحر، بما يعادل مساحة الجزيرة الأصلية، حيث تقدر مساحة الجزيرة بوضعها الراهن بحدود 20 هكتاراً، والمأهول منها يقدر بحوالي 14 هكتاراً، بينما يقارب التوسع بحسب المخطط المعلن حوالي 18 هكتاراً.
فالمخطط التنظيمي للجزيرة يتضمن العديد من المشاريع السياحية، منها مثلاً، بحسب ما رشح عبر وسائل الإعلام: مطعم على شكل سفينة يقع على الكورنيش الشرقي، بالإضافة إلى مول تجاري مع نادي غطس يقعان على الكورنيش الجنوبي فيها، ومطعم على الزاوية الجنوبية الغربية من الجزيرة، وغيرها من المشاريع التي تقوم وزارة السياحة بطرحها للاستثمار تباعاً، ومع المخطط الجديد ستظهر مشاريع استثمارية وسياحية جديدة لا شك.
أمام هذه الحال يتساءل الأرواديون: هل ستصبح جزيرتهم عبارة عن نموذجين متباينين ومتلاصقين، نموذج الجزيرة القديمة بواقعها الفقير المتهاوي والمتردي خدمياً، ونموذج حديث مرتبط بالاستثمارات السياحية ومشآتها الحديثة ذات النجوم المخصصة لروادها من المترفين والأثرياء؟.
ولعل السؤال الأهم على مستوى آليات الاستقطاب السياحي الترفي المُعد للجزيرة مستقبلاً، هو: أين ستصبح السياحة الشعبية للمواطنين من كل ذلك؟ فبرغم كل الواقع المتردي خدمياً وسياحياً طيلة العقود الماضية فقد كانت الجزيرة نقطة استقطاب للسياحة الشعبية.

أرواد ليست للأرواديين

المؤشرات والدلالات المرتبطة بالنموذج الليبرالي للسياسات المعتمدة تقول: إن جزيرة أرواد ربما لن يبقى فيها أرواديون، وربما يكون ذلك في المستقبل القريب وليس البعيد، وذلك ارتباطاً بسرعة إنجاز المشاريع السياحية الاستثمارية المزمعة، اللهم باستثناء من يستطيع من هؤلاء الاستمرار بعمله ذي الطابع الحرفي التقليدي الخاص بصناعة السفن الخشبية ذات الطراز والنموذج الفريد والخاص بالجزيرة، وهؤلاء أصبحوا قلة أصلاً، وربما البعض ممن يتمكن من الحصول على فرصة عمل في بعض المنشآت السياحية المزمعة فيها، وما عدا ذلك سيضطر للرحيل عنها، خاصةً بسبب عمليات المضاربة التي ستجري على البيوت في الجزيرة بنتيجة إقرار المخطط التنظيمي الجديد، والتي ستكون مغرية في ظل عدم التمكن من مواكبة النماذج السياحية المرسومة للجزيرة.
النتيجة: إن جزيرة أرواد ستصبح حكراً للمترفين والأثرياء والمستثمرين دوناً عن عموم المواطنين، بما في ذلك أهلها وسكانها التاريخيون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
925
آخر تعديل على الأربعاء, 07 آب/أغسطس 2019 14:05