استيراد الأسمدة  تعرية لمقولة إحلال المستوردات وللسياسات الليبرالية!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

استيراد الأسمدة تعرية لمقولة إحلال المستوردات وللسياسات الليبرالية!

جرى الحديث عن إحلال المستوردات مراراً خلال السنوات الماضية، وعقدت من أجل ذلك الكثير من الاجتماعات، وصدرت الكثير من التوصيات، بالمقابل فإن واقع الإنتاج والتصنيع المحلي، بشقيه العام والخاص، ما زال يعاني الكثير من الصعوبات والعراقيل المزمنة.

أما المفاجئ فهو تجاوز ما هو قائم وموجود من صناعة وإنتاج محلي لمصلحة الاستيراد وحيتانه، في الوقت الذي تتغنى فيه الحكومة بالحديث عن برامج إحلال المستوردات، ولعل المثال الأخير على ذلك هو موافقة الحكومة مؤخراً على استيراد (75) ألف طن من السماد الآزوتي (يوريا)، و(25) ألف طن من السماد الفوسفاتي (السوبر فوسفات الثلاثي)، علماً أن صناعة هذه الأنواع من الأسمدة وغيرها موجودة وموطنة منذ عقود، كما أن مادتها الأولية «الفوسفات» متوفرة، ما يعني أن هذه الصناعة المحلية تحمل قيمة مضافة أيضاً.

بررت الحكومة موافقتها على الاستيراد المؤرخة في 21/7/2019 بما يلي: «نظراً لدخول مساحات واسعة من الأراضي إلى الاستثمار الزراعي، ولأن الكميات الموجودة لدى المصرف الزراعي لا تلبي الاحتياجات المطلوبة بغرض تأمين الأسمدة اللازمة للمزارعين في الموعد المناسب.. يأتي هذا الإجراء، بغرض تأمين الأسمدة اللازمة للمزارعين في الموعد المناسب ضماناً لاستمرار تنفيذ الخطة الزراعية للموسم الشتوي 2019-2020».

فما هي حقيقة الإنتاج في معامل الأسمدة التابعة للدولة؟

رسمياً المعامل قيد التشغيل والانتاج

واقع الحال يقول إن معامل الأسمدة التابعة للدولة استعادت عافيتها خلال السنوات الماضية، اعتباراً من عام 2017 وما بعد.

فمن موقع سانا بتاريخ 8/11/2017، ورد التالي: ‏«بدأت الشركة العامة للأسمدة في حمص باستلام كميات من الفوسفات الخام من مناجم ‏الفوسفات لإعادة الإقلاع بمعمل السماد الفوسفاتي».‏.«وقال مدير عام الشركة إنه: ‏تم استلام نحو 500 طن، وستتابع الشركة عمليات الاستلام ليصبح في رصيدها مخزونٌ كافٍ ‏لتشغيل معمل السماد الفوسفاتي وإنتاج الأسمدة».

وبحسب سانا بتاريخ 22/12/2018، ورد التالي: «أقلع اليوم معمل السماد الفوسفاتي في حمص بعد توقفه لمدة نحو خمسة أشهر لإجراء أعمال الصيانة الدورية لخطوط الإنتاج».. «وأكد مدير عام الشركة في تصريحٍ أنّ المعمل يعمل بطاقة إنتاجية يومية 400 طن سماد فوسفاتي، والعملية الإنتاجية مستمرة فيه مع استمرار توافر المواد الأولية اللازمة لتشغيله»..

ومن موقع سانا أيضاً بتاريخ 26/1/2019، ورد التالي: «أقلع اليوم معمل سماد الكالنترو في الشركة العامة للأسمدة في حمص بطاقة إنتاجية يومية قدرها 280 طناً من سماد نترات الأمونيوم».. «وأكد مدير عام الشركة العامة للأسمدة في حمص، أنّ المعمل ينتج يومياً 280 طناً من سماد نترات الأمونيوم الذي يعتبر أحد أهم أنواع الأسمدة اللازمة للزراعة، وفق المواصفات المطلوبة، إضافة إلى إنتاج 570 طناً من حمض الآزوت اللازم لإنتاج السماد»..

كذلك بحسب موقع سانا بتاريخ 21/2/2019، ورد التالي: «أقلع اليوم معمل الأمونيا يوريا في الشركة العامة للأسمدة في حمص بطاقة أكثر من 900 طن يومياً بعد تأمين المواد الأولية اللازمة لتشغيله».. «بدوره مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، أوضح أن تشغيل المعمل وإعادة عملية الإنتاج فيه جاءت تلبية لازدياد الطلب على مختلف أنواع الأسمدة، لافتاً إلى قدرة شركة الأسمدة على سد حاجة سورية من الأسمدة الآزوتية».. «من جهته أكدّ مدير عام الشركة أن الطاقة الإنتاجية للشركة تغطّي حاجة السوق المحلية إلى حد ما، حيث ينتج معمل السماد الفوسفاتي حوالي 350 طناً من السماد الفوسفاتي يومياً، في حين ينتج معمل الأمونيا يوريا حوالي 900 طن سماد يوريا، والشركة بانتظار موافقة وزارة الزراعة على مواصفات سماد الكالنترو لإعادة تشغيل معمل سماد الكالنترو بطاقة 300 طن يومياً».

الإنتاج كفيل بتأمين الحاجة

ما ورد أعلاه رسمياً، يؤكد أنّ معامل الأسمدة الثلاثة أصبحت قيد التشغيل والإنتاج، واستعادت الإنتاج في المعامل أعلاه، وبحسب التصريحات المرفقة عن الطاقة الإنتاجية لكل منها، بالمقارنة مع الكميات المزمع استيرادها بموجب الموافقة الحكومية أعلاه، فإنه من المفترض رقمياً أن كمية الـ100 طن من السماد (السوبر فوسفات الثلاثي- الآزوتي- يوريا)، هي عبارة عن إنتاج شهرين فقط بحسب الطاقة الإنتاجية للمعامل بوضعها التشغيلي المعلن عنه أعلاه، «حوالي 350 طناً من السماد الفوسفاتي يوميا،ً في حين ينتج معمل الأمونيا يوريا حوالي 900 طن سماد يوريا»، إضافة إلى التصريح الرسمي بأن: «الطاقة الإنتاجية للشركة تغطي حاجة السوق المحلية».

والسؤال الذي يتبادر للأذهان بعد ذلك لماذا اللجوء للاستيراد طالما إنتاجنا المحلي استعاد عافيته ويغطي الحاجة؟.

تفريط بالموجود

سبق للحكومة أن فرطت بخامات الفوسفات، التابعة للمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، كمادة أولية تدخل في صناعة الأسمدة، كما في معامل الأسمدة التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية.

ففي موقع المؤسسة العامة للجيولوجيا بتاريخ 8/4/2018 ورد نص القانون رقم /11/ تاريخ 2/4/2018 المتعلق باستثمار واستخراج خامات الفوسفات من مناجم الشرقية بتدمر، ومما ورد فيه: «يُصدق العقد رقم 66 من تاريخ 23/2/2018 الموقع بين المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة ستروي ترانس غاز لوجستك الروسية، بخصوص استثمار واستخراج خامات الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر».

وقد ورد على موقع مجلس الشعب بتاريخ 7/2/2019 ما يلي: «وافق مجلس الشعب على مشروع القانون المتضمن تصديق العقد رقم 2 بتاريخ 14-11-2018 المبرم بين المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية وشركة «إس.تي.جي انجينيرينغ» الروسية لاستثمار معامل الشركة العامة للأسمدة في حمص.

لن ندخل بتفاصيل العقود أعلاه بما لها وما عليها من ملاحظات، فقد سبق وأن جرى الحديث عنها مراراً عبر وسائل الإعلام تفنيداً وتعرية للتوجه الحكومي المُفرّط بقطاعات الدولة المنتجة والمصنعة لمصلحة الاستثمار الخاص (الدولي هذه المرة) تحت عنوان التشاركية سيّئ الصيت، ارتباطاً بمصلحة الاقتصاد الوطني من بوابته الواسعة، لكن نقف عند بعض ما رشح من حيثيات عبر وسائل الاعلام في حينه حول هذه العقود، والتي تؤكد أنّ حاجة سورية من الأسمدة مؤمنة بموجبها.

لنتساءل أخيراً عن جدوى هذه العقود بحال عجزها عن تأمين الحاجة الفعلية لسورية من الأسمدة والاضطرار بالمحصلة لاستيراد حاجتنا منها؟ ولمصلحة من جرى ويجري ذلك إن لم يكن لمصلحة حيتان الاستيراد وكبار الفاسدين؟. طبعاً مع عدم تغييب النتائج التي تصب بالإضرار بالاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية. 

نهج التفريط بالقطاع العام 

بالعودة للحديث الحكومي عن إحلال المستوردات، فقد ثبت أن كل الحديث اعتباراً من عام 2017 وحتى الآن لم يكن إلا مراوحة بالمكان وذرّاً للرماد في العيون، والدليل هو واقع الإنتاج والعملية الإنتاجية والصناعة، سواء في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص، لكن ما يلفت النظر بهذا الصدد، هو ما ورد على موقع الحكومة بتاريخ 24/12/2018 تحت عنوان «سياسة إحلال بدائل للمستوردات تستهدف 27 مادة لإنتاجها محلياً»، وبتبويب فرعي بعنوان «اعتبارات» مما ورد كرؤية لوزارة الاقتصاد عن الموضوع، ما يلي: 

«بينت الوزارة أنّ سياسة إحلال المستوردات يجب أن تنطلق من عدة اعتبارات، أولها: أنّ أي استخدام للموارد الشحيحة يجب أن يتم وفقاً للاعتبارات الاقتصادية وبكفاءة مرتفعة، إضافة إلى ذلك فإن القطاع العام غير معني بالقيام بهذه الصناعات، حيث أثبت هذا القطاع أنه غير قادر على قيادة التنمية على المدى الطويل لافتقاره للمرونة المطلوبة، كما أنه يحظى دائماً بحماية الحكومات من دون اعتبارات اقتصادية كاملة، الأمر الذي يؤدي إلى تشويه الاقتصاد، ناهيك عن أن الموازنة العامة للدولة لديها العديد من الأولويات الأخرى».

فهل من وضوح أكثر من ذلك حول السياسات الحكومية المتعاقبة وتوجهاتها الليبرالية المحابية للقطاع الخاص على حساب قطاع الدولة، بذريعة عجزه عن قيادة التنمية وافتقاره للمرونة وتحميله نتائج التشوهات الاقتصادية؟! علماً أنَّ كل ما أصاب ويصيب قطاع الدولة، والاقتصاد الوطني عموماً، من تشوهات يجني ثمارها كبار الفاسدين والمستثمرين والمستوردين، ما هو إلا نتيجة حتمية للسياسات الليبرالية المتّبعة منذ عقود.

وهل من استغراب بعد ذلك حيال ما جرى بموضوع خامات الفوسفات وصناعة الأسمدة والاضطرار للجوء للاستيراد بالنتيجة؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
924
آخر تعديل على الأربعاء, 31 تموز/يوليو 2019 14:29