معركة الامتحانات  يخوضها الطلاب وذووهم والمدرسون

معركة الامتحانات يخوضها الطلاب وذووهم والمدرسون

يوم الأحد القادم، أي: بعد انتهاء عطلة العيد مباشرة، ستبدأ امتحانات شهادة التعليم الأساسي (الإعدادية).. ثم تليها امتحانات الشهادة الثانوية بمختلف فروعها.

معركة تخوضها أسر الطلاب قبل الطلاب، وما يرافق هذه المعركة من خوف وقلق ورعب، والسبب السياسات التربوية والتعليمية، والممارسات التي ترافقها من تهديد ووعيد، دون النظر إلى هذه السياسات ونتائجها، وما ينتج عنها من سلبيات كبيرة، أدت إلى تراجع كبير في مستوى التعليم، وتحميل ذلك للمعلمين والمدرسين والطلاب وحتى أسرهم، وليس لأصحاب هذه السياسات والقرارات.

سياسات الاستيعاب

يعتبر الطلاب وأسرهم أن الامتحانات معركة، لأنه على نتائجها يتوقف مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، بدءاً من سياسة الاستيعاب، حيث يجري رفع معدلات قبول الطلاب الناجحين في الشهادة الإعدادية لمتابعة دراستهم في المرحلة الثانوية العامة، بفرعيها العلمي والأدبي، وبقية الناجحين عليهم التسجيل في الفروع الأخرى من مهنية وتجارية وشرعية، ويعتبر الطلاب والأهالي أن آفاق هذه الفروع محدودة في العمل مستقبلاً، وكثيراً ما تدفع الطلاب لعدم متابعة الدراسة.
أما سياسة الاستيعاب للناجحين في المرحلة الثانوية على مستويات القبول الجامعي، فهي أكثر تعقيداً وصعوبة، فالناجحون في الفرع العلمي، لمتابعة دراستهم الجامعية عليهم الحصول على العلامات التامة، أو أدنى بدرجات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وخاصةً في الطب والصيدلة والهندسة، كونها الفروع التي تسمح للخريج منها بالعمل الخاص، إذا لم تتوفر فرص العمل في دوائر الدولة، أما الفروع الأدبية فحدِّث ولا حرج، فحتى لو تخرج الطالب الجامعي ففرص العمل نادرة وبانتظار مسابقة كل عدة سنوات لعشرات الآلاف من الخريجين.

المراقبة بالتهديد والوعيد

من يقرأ كتاب التكليف بالمراقبة على الامتحانات الصادر من مديريات التربية، بناءً على قرارات الوزارة، فإنها تثير الدهشة والاستغراب، فهي قائمة على التهديد والوعيد، وليس التشجيع والترغيب، فمن يتخلف عن المراقبة يقع تحت طائلة المسؤولية والعقوبات!
فبدل أن تتخذ الوزارة قرارات برفع تعويضات المراقبة بما يتناسب مع الجهد والمسؤولية، مما يدفع المعلمين والمدرسين للقيام بواجبهم وهم مكتفون، اعتمدت هذا الأسلوب من التهديد، ربما لعلمها المسبق أن الأمر فيه مشقة وتكلفة مرتفعة.
والأنكى من ذلك أن التكليف بمراقبة الامتحانات لم يراع أموراً عديدة كالسن والوضع الصحي مثلاً، حيث جرى إعفاء المدرسين من مواليد 1964 وأكبر من المراقبة، فغالبية من جرى تكليفهم لديه خدمة حوالي 30 سنة، أي: قارب عمرهم 55 عاماً، فهل بعد هذا العمر وهذه الخدمة يتحمل هؤلاء الوقوف لساعات خلال عمليات المراقبة، وفي مثل هذه الظروف الجوية والبيئية، حيث لا تتوفر ظروف صحية لا لهم ولا للطلاب. ناهيك أن بعض التكاليف تشملها الوساطة والمحسوبيات وحتى الفوضى، وعلى سبيل المثال في مدينة دمشق: معلمة حاصلة على إجازة أمومة جرى تكليفها بالمراقبة، ومديرة مدرسة جرى تكليفها برئاسة مركز، والمراقبة معاً، كما أن غالبية التكاليف في مناطق بعيدة عن سكن المدرسين وعملهم، وهذا سيضطرهم إلى استخدام وسيلة نقل أو وسيلتين، أي: أنّ تكلفتها ربما تتجاوز تعويضات مراقبة الامتحانات.

تربية دير الزور مثال فاقع

اتخذت مديرية تربية دير الزور قراراً بتكليف معلمي المدينة بمراقبة الامتحانات في ريف المدينة والمياذين والبوكمال، والعكس أيضاً، وأجور النقل بين المدينة والمياذين 1000 ليرة ذهاباً، ومثلها للعودة، وبين المدينة والبوكمال 2000 ليرة ذهاباً ومثلها للعودة، وأقل أجرة نقل بين المدينة وقراها 500 ليرة، والمعلم والمدرس عليه تحمُّل هذه التكاليف من راتبه الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار، أو كما يقول المثل الشعبي الفراتي بحسب البعض من هؤلاء : (شكون العصفور وشكون مرقته).
كما أوقفت مديرية التربية تسليم رواتب هذا الشهر للمعلمين والمدرسين، إلاّ أن يكون المعلم حاملاً قرار التكليف أو الإعفاء، ثم تراجعت عنه تحت ضغط مطالبة المعلمين برواتبهم.

بين الواقع وما هو مفترض

لا شك أن عملية التقييم والامتحانات ضمن هذه السياسات والممارسات، لن تؤتي أكلُها، لأنها بالأصل قائمة على الحفظ والذاكرة، لتُستكمل مع بعض أوجه المحسوبيات والفساد أيضاً، كما أنها تدفع بعشرات الآلاف من الطلاب خارج العملية التعليمية تباعاً بسبب سياسات الاستيعاب فقط، وتدفع أيضاً باتجاه المزيد من خصخصة التعليم، وقد أصبح ذلك واضحاً من خلال ازدياد عدد المدارس والمعاهد الخاصة والجامعات الخاصة، فكيف مع تداعيات مجمل السياسات التعليمية بالتوازي مع غيرها من السياسات الأخرى، وكل ذلك يعتبر مؤشراً لتراجع الدولة عن مسؤوليتها وواجباتها، وتعدياً على الدستور الذي يضمن حق التعليم بمراحله المختلفة الإعدادية والثانوية، وربما من المفترض يتم توسيع ذلك ليشمل المرحلة الجامعية عوضاً عمّا يجري على العكس من ذلك على أرض الواقع، خاصة وأن الحاجة بنتيجة سني الحرب والأزمة وتداعياتها باتت تفرض ذلك، على ضوء الاستنزاف الجاري على مستوى الكفاءات من الخريجين بمختلف الاختصاصات.
فهل من جديد إن قلنا بعد ذلك: إن الضرورات أصبحت تقتضي القطع مع مجمل السياسات الليبرالية المتبعة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 15:54