فرقة أُمَيَّة.. من حفظ التراث إلى مساعي البقاء وحفظ الإرث

في المقر الكائن في المركز الثقافي بالعدوي، كان اللقاء مع مدير فرقة أُمَيَّة للفنون الشعبية، السيد تيسير علي، الذي تحدث لقاسيون بفيض من الحميمية عن حال الفرقة، بماضيها وواقعها وآمالها وآلامها، وما يمكن أن يصل إليه مآلها، وخاصة في هذه الظروف الصعبة، وفي حال استمرار التعامل معها ومع متطلباتها بنفس الوتيرة.

المكان «المقر» المعتمد للفرقة حالياً، عبارة عن قبو «كواليس» مسرح المركز الثقافي بالعدوي بدمشق، وهو معتم وبارد ولا يرى الشمس، وكأن هذا المقر فيه رمزية لواقع الفرقة المبعدة والمغيبة عن الأضواء. ولعل ما يكسر برودة المكان هو حرارة وحمائية مشاعر المتبقين من عناصرها، والذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.

تأريخ

في منتصف القرن الماضي تجمع عدد من الطلاب والطالبات الهواة ليشكلوا فرقة تُعنى وتقدم الفن الشعبي الراقص على أنغام أغاني وموسيقا التراث السوري الغني باسم فرقة «أُمَيَّة»، حيث أثبت هؤلاء الشباب والشابات وجودهم وحضورهم من خلال اللوحات الفنية التي عملوا عليها وقدموها على المسارح.
لاحقاً وفي عام 1960 تم الإعلان عن تأسيس الفرقة باسم «فرقة أُمَيَّة للفنون الشعبية»، وتفرغ عناصرها للعمل الفني، وفي مطلع السبعينات جرى تنظيم عمل الفنانين، بما في ذلك عناصر الفرقة، التي أُتبعت لوزارة الثقافة، وتم تعيينهم فيها، وأصبحت الفرقة منذ ذلك الحين رسمياً: ممثلة لسورية في المحافل والمهرجانات الدولية.
الفرقة ومنذ تأسيسها وضعت مهمة الحفاظ على التراث الشعبي السوري (الرقص- الموسيقا- الغناء- الأزياء..) وإعادة إحيائه ونشره نصب أعينها، وذلك من خلال عروض فنية مسرحية راقصة (الدبكة) تقدم عبرها بعض اللوحات الفنية الشعبية على أنغام الموسيقا والغناء التراثي، بشكل ملائم يُغْني هذا التراث، ويواكب مسيرة التطور، (الميجنا- الدلعونة- الموليا- الكرجة-..) بمصاحبة الطبل والإيقاع والمزمار والمجوز و...، وقد أصبحت الفرقة الرسمية الوحيدة المعنية بهذه المهمة، والتي حافظت عليها طيلة أكثر من نصف قرن.
الفرقة مثلت سورية في العديد من المهرجانات والحفلات العربية والدولية، وحصدت خلالها العديد من الجوائز، بعضها لسنوات متتالية، وتعرفت من خلالها الكثير من البلدان على التراث السوري بتنوعه وغناه، طبعاً بالإضافة إلى العروض المحلية على طول الخارطة السورية في المناسبات المختلفة، وتفاعل الجمهور مع لوحات الفرقة وأداء عناصرها، حيث تمكنت من حفر اسمها المقترن بالتراث، بل وأصبح لها إرثها الفني الخاص.

الصراع من أجل البقاء

من التطوع لمهمة الحفاظ على التراث الشعبي ووضع بصمتها بهذا المجال، إلى مهمة الحفاظ على الوجود والبحث عمن يحافظ عليها وعلى إرثها الخاص، هي مختصر مسيرة الفرقة لأكثر من نصف قرن وحتى الآن.
تعقيباً على مقولة «الفرقة أصبحت منسية»، يقول تيسير علي، مدير الفرقة: «الفرقة ليست منسية، فهي موجودة وتقدم العديد من الفعاليات والنشاطات، لكن الإعلام قد يكون هو المقصر بهذا الشأن»، مستذكراً ومستعرضاً بعضاً من تاريخ الفرقة.
وعن واقع الفرقة الحالي يقول علي: «الفرقة لها ملاكها الخاص في وزارة الثقافة، ومع الأسف عناصرها المتبقون ليس لهم رديف أو بديل، حيث من المفترض أن تكون الفرقة مكونة من ثلاثة أجيال، أطفال- شباب- رجال، والموجودون حالياً هم آخر المتبقين من عناصرها، وممن تابع مسيرتها ويحفظ تقاليدها، وهؤلاء لديهم خدمة وخبرة بالفرقة تتراوح بين 30-35 سنة».
ويضيف السيد تيسير: «ملاك الفرقة كان 60 شخصاً، موزعين بين موسيقا ورقص وكورال، هؤلاء تقاعدوا تباعاً ولا يوجد رديف أو بديل عنهم، والأزمة أثرت على الفرقة أيضاً، ولم يبق من أصل 10 بنات إلا اثنتان فقط، وعازف وحيد هو الأستاذ محمود بليلي، المتبقي من الفرقة الموسيقية، والموجودون في الفرقة حالياً سيتقاعدون خلال الفترة القريبة القادمة، فوسطي الأعمار لهؤلاء هو 50 عاماً، وهؤلاء 4-5 أشخاص يحفظون التراث الشعبي، وإذا ذهبوا انتهت الفرقة والفن الشعبي الحقيقي الذي كانت تحفظه وتقدمه».

الملاك مستنفذ والترميم عبء

في جوابه عن سبب عدم رفد الفرقة بالعناصر قال: «الملاك المخصص للفرقة تم تعيين أشخاص عليه غير تابعين للفرقة، كيف تم ذلك لا أدري بكل صدق وشفافية، والمتبقون كما تحدثنا..».
وعن الحفلات التي تقدم خلالها العروض واللوحات، وكيف يتم ترميم النقص بعدد الراقصين، يجيب السيد تيسير: «ذلك يعتبر عبئاً علينا، ففي الحفل الأخير مثلاً استقطبنا عدداً من الهواة الممارسين للرقص، بعضهم من فرق خاصة، وقد كانوا 17 شخصاً من خارج الفرقة، وهؤلاء بحاجة للتدريب والتحفيز كي يتحضروا على حفظ اللوحات الخاصة بالفرقة لتقديمها على المسرح، ونتعب بتدريبهم باعتبارهم غير متمرسين، وبعد انتهاء الحفل نعود لنقطة الصفر، فعند أي حفل آخر نعاود الكرة مجدداً مع عناصر جديدة، وهكذا..».
وعن كيفية استقطاب هؤلاء، يقول: «تُصرف لهؤلاء مكافأة مادية على الحفل الفني المقدم، وذلك بالتنسيق مع مديرية المسارح»، مضيفاً: «لا توجد إمكانات لإيجاد عناصر متفرغة للفرقة براتب شهري للتواجد المستمر والدائم فيها».
وعن الأجور التي يتقاضاها عناصر الفرقة يقول: «الآن عن كل حفل هناك مكافأة بالإضافة إلى الأجر الشهري، وهي بحدود 25 ألف ليرة، وهي تعتبر مقبولة نوعاً ما، أما غير المعيّنين بأجر فهؤلاء يتقاضون بحدود 30 ألف ليرة، وهي أيضاً مقبولة باعتبارهم غير متفرغين ويعملون في فرق أخرى».

نقص الكادر وضعف التمويل

المشكلة الأساسية بحسب مدير الفرقة هي «نقص الكوادر، فالفرقة بحاجة لضخ كادر جديد». ويضيف: «رفعنا عدة كتب للوزراء السابقين من أجل رفد الفرقة بعناصر شابة جديدة، مع دراسة وإعادة هيكلة، بالإضافة لفرقة موسيقية وكورال، لكن هذه الإمكانات غير متوفرة في الوزارة، فهي بحاجة لاعتمادات وكتلة مادية كبيرة، فالموضوع ليس مشكلة إدارية بل هي مشكلة تمويل، علماً أنه لا أحد يقبل بالتعاقد على الأجور الحالية المتدنية».
وعن دور الوزارة يقول: «مديرية المسارح تساعدنا على مستوى تأمين الحفلات، وزجنا بأي محفل متاح، وذلك من أجل استمرار الفرقة كاسم بالحد الأدنى، ومنعاً من توقفها»، ويضيف موضحاً: «على سبيل المثال فإن الحفل الأخير كانت تكلفته بحدود 800 ألف ليرة، وهي لا شك تكلفة وعبء على المديرية، فهناك اعتمادات محددة ومسقوفة، كما لديها فعاليات ونشاطات أخرى، هذه المساعدة تجعل الفرقة متواجدة، لكن ليس وفق نفس الروح ونفس النمط والاستمرارية التي كانت موجودة، أو كما نتمنى».

المقارنة مع الفرق الخاصة

عن أوجه المقارنة مع الفرق الخاصة الموجودة، قال علي: «الفرق الخاصة عبارة عن مشروع استثماري، فلا أحد ينشئ فرقة خاصة إن لم يكن من خلفها مكسب مادي، وهذا هو الواقع، بما في ذلك البحث عن الممولين لتغطية التكاليف. بينما فرقة أُمَيَّة لا يمكن لها أن تعمل في الأعراس، أو أن تقف خلف مطرب خلال فيديو كليب مثلاً، من أجل تغطية التكاليف والتكسب، فهي فرقة للدولة وواجهة لسورية، ومهامها وأهدافها مختلفة، وبالتالي، فإن العبء المالي والتغطية المادية من مسؤولية الوزارة، فإما أن يتم هذا التمويل لتستمر الفرقة، أو لا، وبالتالي، فهي بحال تراجع ولا تستطيع الاستمرار».

تعريف خجول بحجم الاهتمام!

أخيراً، نختم بما ورد عن الفرقة على موقع وزارة الثقافة، والمؤرخ في 2/4/2014، دون أي تحديث لاحق، والذي يقول:
«تأسست فرقة «أُمَيَّة» للفنون الشعبية عام 1960م من الطلاب والطالبات الهواة».
فقط ولا كلمة أخرى غير ذلك عن كل تاريخ الفرقة ومهامها، وما قدمته خلال مسيرة أكثر من نصف قرن، علماً أنها خرَّجت من كادراتها الكثير من الأسماء اللامعة والنجوم، رقصاً وغناءً وعزفاً وتمثيلاً.
هذا التعريف الخجول والمتواضع والضحل والمحدود يعتبر مؤشراً مكثفاً عن حجم الاهتمام الرسمي بالفرقة، ولعل واقع الفرقة أعلاه ليس إلا مؤشراً عن حيز الاهتمام بالثقافة والتراث بشكل عام.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان بعد كل ما سبق: ما هو مصير الفرقة وفقاً لهذا القدر من الاهتمام الرسمي بها؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
912
آخر تعديل على الأربعاء, 08 أيار 2019 13:42