نوار الدمشقي نوار الدمشقي

الأكل من الزبالة مو كذبة ولا فسبكة يا ناس!

رغم المعرفة المسبقة بحجم الفقر والجوع في البلد.. اللي وصل للتنكيش بقلب الحاويات والمكبات، للبحث عن أي شي ممكن ينباع أو يستخدم! بس أنك تسمع أو تقرأ عن الناس اللي وصلت فيهم حال الفقر والجوع لدرجة أنهم يأكلوا من حاويات الزبالة في الشارع.. غير وقت بتشوف بعينك كيف بينسد الجوع من الزبالة فعلاً؟..

في منطقة المزرعة بدمشق، قريب من الحديقة والدوار خلف مبنى الحكومة القديم، وتحديداً في الشارع الواصل بين دوار المزرعة والاستهلاكية بآخره.. لفت نظري طفل صغير واقف ع طرف الرصيف وعيونو باظة ومسمرة باتجاه واحد وتمو مفتوح من الدهشة والرعب كمان..!
التفتت حتى أعرف شو اللي لافت نظر هالطفل لهالدرجة من التجمد والدهشة.. وإذ بشوف طفل صغير وأمو متعمشقين ع حاوية الزبالة المركونة ع زاوية أول حارة وعم ياكلو منها..
لك أي شفتهم بعيني عم ياكلو من الحاوية مباشرة.. وبنهم كمان!
الأم من شكلها عمرها ما بيتجاوز 40 سنة.. نحيفة كتييير وملابسها مهترية.. والطفل يادوب عمرو 6 سنين وملامح الفقر والجوع لابستو لبس.. لك ومنهمكين بالأكل من الحاوية ومو مهتمين باللي حواليهم لا من قريب ولا من بعيد.. وكأنهم بعالم تاني..
الحركة بالشارع كانت خفيفة بحكم موقعو.. ورغم هيك اللي عم يمرق ويشوف هالشوفة كان عم ينصدم.. ويكمل طريقو عامل حالو مو شايف.. أو ما بدو يصدق هيك شوفة.. والغالبية كانت عليهم ملامح الخجل وكبت الغضب وعم يغضو نظر!..
ومني وعليي كنت كتير مستاء ومصدوم لدرجة كبت البكاء والصراخ.. وما خطر ببالي أبداً أني صور المشهد.. أو أني أتجرأ وأحكي مع الأم مثلاً.. أو حتى اقترب منها لشوف شو عم تاكل مع ابنها!.
هدول جوعانين يا عالم..
مشهد الأكل بهاد النهم ومن الزبالة، وبغض النظر عن كل اللي ممكن ينحكى عن الأم وابنها.. وكيف وليش.. وكتير من الأسئلة اللي بلا طعمة لأنها بتتساقط مباشرة مع المشهد.. وبغض النظر عن كل اللي ممكن ينحكى عن الأثر النفسي بالنسبة للطفل المرعوب اللي عم يتابع المشاهدة بعيونو الباظة، أو ع غيرو من الناس اللي شافت هالمشهد بالشارع.. يمكن هالمشهد يكثف معنى الجوع المزمن اللي عايشينو الأم وابنها.. متل ما بيكثف الحال اللي وصلت إلها البلد.. رغم كل محاولات نفي وجود الجوع وتكذيب الحكي عنو كمان!
لأن الحكي عن الفقر والجوع ما بيطرب المسؤولين اللي عاملين جهدهم أنو ينفو ويكذبو أي خبر بيحكي عن الناس والحال السيء اللي وصلت إلو.. مو ع مستوى الفقر والبطالة والتهميش والتشرد وبس.. لأ والحكي أنو صار في سوريين بقلب العاصمة، وبالشارع القريب من مبنى الحكومة القديم، وصلو لدرجة الجوع الحقيقي وعم ياكلو من الزبالة!
هدول مو ممكن تصنيفهم متسولين مع حملات الدعاية عن التسول ومكافحتو..
لك هدول نموذج حقيقي عن الوقاحة بالإجرام ع المستوى المعيشي اللي وصل الناس للجوع..
وهدول نموذج تكذيب لعمل كل الجمعيات والمنظمات اللي بتعمل حالها بتشتغل ع الإنسانية والمساعدات بالبلد..
وهدول تكثيف لجوهر الاستهتار واللامبالاة والفوقية اللي بتتعامل فيها الحكومة مع الناس واحتياجاتها وضروراتها..
لك ما بعرف شو ممكن أحكي..
بدي أبكي ع الأم وابنها وع حالنا ولا ع البلد..
ولا بدي سب وما خلي ستر مغطى ع حرامية البلد الكبار والصغار واللي وراهم واللي حامينهم..
ولا بدي انفجر وأصرخ وجمّع الناس تصرخ معي أنو ما وصل الناس لتاكل من الزبالة إلا السياسات الزبالة نفسها..
لك اصرخووووووا وعلو الصوت كمان..

معلومات إضافية

العدد رقم:
908