مسرابا.. إرادة الحياة أقوى من الخراب

مسرابا.. إرادة الحياة أقوى من الخراب

عام مضى على استعادة السيطرة على بلدة مسرابا في الغوطة الشرقية.
فما الذي تم إنجازه خلال هذا العام، وكيف هو واقع الحياة في البلدة الآن؟

جرت خلال العام الماضي عمليات ترحيل الأنقاض وفتح الطرقات داخل البلدة، وتم البدء بإعادة تأهيل البنى التحتية، مع البدء بعودة الخدمات العامة، والأهم بدأ الأهالي بالعودة للبلدة، وما زال هناك الكثير مما يجب إنجازه لاستكمال مقومات العودة والاستقرار.

مشاهدات وشهود

ربما مشاهدات الدمار في البلدة وفي الطريق إليها ليست حالة استثنائية، ولعل رؤية بدء عودة الحياة هو ما يخفف من وقع تلك المشاهدات المؤلمة والصادمة بحجمها، فالمواصلات وحركة التلاميذ والمحال التجارية والحرفية المفتوحة وبرغم قلة كل ذلك، إلّا أنها تؤكد بالمقابل أن إرادة الحياة أقوى من كل شواهد الدمار، ومن كل معممي الخراب.
أحد الأهالي يشير بيده قائلاً: «هاد بيتي..»، نتتبع إشارة إصبعه الممتدة للإشارة إلى المكان فلا نرى إلا الركام والحطام، أسقف بيتونية منهارة فوق بعضها البعض، لا شك أنها سحقت تحتها ذكريات حياة.
يتابع ويقول: «وهي سيارتي..»، نلتفت نحو الشيء المقصود لنرى بقايا حديدية صدئة مسحوقة تحت الكثير من الركام، لا شك أنها لم تكن وسيلة مواصلات فقط بل ربما وسيلة إنتاج لصاحبها أيضاً، فمن بقاياها يتضح أنها سيارة صغيرة لأصحاب الورش المهنية.
وبرغم خسارته لبيته وسيارته ومدخراته خلال السنوات الماضية، بنتيجة الحرب والأزمة والنزوح، إلّا أنه مصرٌّ على العودة إلى بلدته لاستعادة بعض حياة فيها، عسى يتمكن من إعادة بناء ما دمرته الحرب، وما خلفته على حياته مع أفراد أسرته من بؤس وتشرد طيلة السنين الماضية.
هذا المواطن ليس إلّا مثالاً عن الكثيرين ممن بدأوا مسيرة ترميم حياتهم بإمكاناتهم الذاتية المحدودة، برغم كل الصعوبات والمعيقات التي تحول دون ذلك بالشكل المطلوب حتى الآن، وبرغم ضيق ذات اليد.
وبحسب الأهالي، من المتوقع أن تتزايد أعداد العائدين للبلدة مع نهاية العام الدراسي الحالي، وقبل بدء العام الدراسي القادم، ارتباطاً بوضع أطفالهم وأبنائهم في المدارس، الأمر الذي يتطلب إنجازَ الكثير من المهام، وخاصة على مستوى البنى التحتية والخدمات، مع تقديم التسهيلات اللازمة لعودة هؤلاء الأهالي، وخاصة على مستوى بعض الموافقات اللازمة، ليس على مستوى حرية تحركهم فقط، بل على مستوى متطلبات عمليات الترميم اللازمة لبيوتهم.

مهام بحاجة للاستكمال

حجم الدمار في البلدة كبير نسبياً، وهو موزع بين الدمار الكلي والجزئي، حيث تعتبر الأبنية أو البيوت السليمة حالة نادرة جداً، وكذلك هي حال البساتين والأراضي الزراعية المحيطة بالبلدة، والتي تعتبر بغالبيتها حتى الآن خارج دائرة الإنتاج لأسباب عديدة، على الرغم من عودة الحياة لبعض الأشجار، التي بدأت أغصانها الغضة تنمو مجدداً، معاندة كل أشكال الموت الذي أتى عليها طيلة السنين الماضية، جراء القطع والتحطيب والحرق.
البنى التحتية من شبكات كهرباء ومياه وصرف صحي وهاتف، تتم عمليات إعادة تأهيلها تباعاً بالتوازي مع عمليات فتح الطرقات وترحيل الأنقاض والسواتر الترابية، فغالبية الطرق الرئيسة في البلدة تمت إعادة فتحها، وكذلك الكثير من الطرق الفرعية، مما أتاح المجال أمام ورش إعادة التأهيل للقيام بعملها، وقد تم إنجاز بعض المهام على هذا المستوى من قبل الجهات العامة بحسب مهام كل منها، مع التأكيد على أن هناك الكثير من المهام المطلوب استكمالها، وخاصة بالنسبة لشبكات الكهرباء والمياه باعتبارها من المقومات الرئيسة لاستعادة الأنشطة الاقتصادية الاجتماعية في البلدة، وبالتالي من مشجعات العودة والاستقرار في البلدة مجدداً.

عمليات الترميم محدودة ومقيدة

عمليات ترحيل الأنقاض والردميات، وفتح الطرق الرئيسية والفرعية، مع البدء بعمليات تأهيل البنى التحتية في البلدة، وإقلاع عمل بعض الخدمات العامة، يعتبر المقدمة الضرورية لبدء استعادة الحياة فيها، خاصة مع بدء حركة المرور والمواصلات والنقل وافتتاح المدارس، إلا أن عمليات ترحيل الأنقاض بحاجة للاستكمال وخاصة للأبنية المدمرة كلياً.
نسبة الدمار الكبيرة تتطلب الكثير من الجهود من أجل عمليات الترميم لِمَا يمكن ترميمه منها، وكذلك تعتبر تكاليفها مرتفعة جداً على المواطنين في ظل الواقع المعيشي المتردي ومصادر الدخل المحدودة، وما يزيد الطين بلة على هذا المستوى أنّ مستلزمات عمليات الترميم وموادها مقيدة بالدخول للبلدة، باستثناء بعض المحظين من التجار المتحكمين بها بالنتيجة، كماً ونوعاً وسعراً، واستغلالاً لحاجات الأهالي المضطرين للرضوخ بالنتيجة لشروط هؤلاء.
فبعض الأهالي بدأوا بعمليات الترميم الجزئي لبعض البيوت بحسب الإمكانات المتاحة لكل منهم، وما زالت هناك الكثير من البيوت التي تحتاج إلى الكثير من عمليات الترميم، فعمليات الترميم للبيوت المدمرة جزئياً ما زالت محدودة للأسباب أعلاه، بالإضافة طبعاً إلى أهمية موضوع التعويضات المتوقف حالياً، باعتباره عاملاً مساعداً على هذا المستوى ناهيك عن كونه حقاً للمتضررين.

مطالب ملحة

استكمال تأهيل البنى التحتية (كهرباء- مياه- صرف صحي- تعبيد الطرقات..) على مستوى كامل البلدة، بحيث تصل شبكة هذه الخدمات لكافة الأحياء والبيوت دون استثناء، وبعيداً عن الأعذار والمبررات التي تحول دون ذلك.
تقديم التسهيلات اللازمة من أجل عمليات ترميم البيوت، وخاصة على مستوى كسر حال احتكار مواد ومستلزمات هذه العملية من قبل بعض المحظين فقط.
الإسراع بصرف التعويضات عن الأضرار للمستحقين من المواطنين.
ترحيل أنقاض الأبنية المدمرة كلياً في البلدة.
استكمال عودة الخدمات العامة بما يتناسب مع أعداد المقيمين والعائدين، وخاصة المواصلات والمدارس والصحة والمخابز و...
تسهيل مرور المواد الغذائية وضرورات الحياة اليومية بعيداً عن أشكال الاحتكار لحساب البعض دون سواهم.
تأمين الكميات الكافية من المحروقات (غاز- مازوت) بما يؤمن الاحتياجات الفعلية للأهالي، بعيداً عن أوجه المحاباة والمحسوبية والواسطة.
تقديم التسهيلات اللازمة لعودة الورش والحرف والمهن للبلدة، وخاصة على مستوى مستلزمات عملها وإنتاجها، فهذه الورش والحرف والمهن ضرورية من أجل عمليات إعادة التأهيل والترميم للبيوت.
مسح كافة الأراضي الزراعية المحيطة في البلدة بغاية الكشف عن الألغام وبقايا المواد المتفجرة التي تركتها المجموعات المسلحة خلفها في المنطقة.
تقديم المساعدة اللازمة من أجل إعادة إقلاع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني في البلدة، باعتباره مصدر رزق بالإضافة إلى دورهِ الاقتصادي وما يوفره من فرص عمل.
أخيراً، ربما يمكننا القول: إن حال بلدة مسرابا ومطالب أهلها ومتطلبات العودة والاستقرار فيها لا تختلف عن سواها من بلدات الغوطة الشرقية الكثيرة، بل ربما ككل البلدات والمدن الأخرى المتشابهة بظروفها في بقية المحافظات على امتداد القطر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
906
آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2019 15:13