سوق السبت في ركن الدين.. المتعوس وخايب الرجا!

سوق السبت في ركن الدين.. المتعوس وخايب الرجا!

في سفح جبل قاسيون، في حي ركن الدين في دمشق، وعلى كتف ما تبقى من نهر يزيد، بمظهره السيئ وروائحه الكريهة، نشأ سوق شعبي، يسمى سوق السبت. هذا السوق يختلف عن الكثير من الأسواق التي نشأت مؤخراً، فالبائع فيه فقير معدم، والمشتري منه كذلك الأمر، حيث ينطبق على كليهما المثل الشعبي الذي يقول: التمّ المتعوس على خايب الرجا!.

الأسواق الشعبية قديمة جداً، وكانت تسمى حسب الأماكن أو أيام الأسبوع، أو المهن، لكن بعض الأسواق الشعبية المعاصرة، نشأت نتيجة اتساع الفقر والحاجة والبطالة، كما الأحياء العشوائية قبل الأزمة، وبعض الأسواق نشأت نتيجة الأزمة، كأسواق التعفيش سيئة السمعة والصيت، لكن لسوق السبت في ركن الدين حكاية أخرى.

حكاية سوق السبت

لا يعرف أهالي الحي، ولا رواد السوق تاريخاً دقيقاً لنشأة السوق، فعُمُره من عُمُر الأزمة تقريباً، نتيجة التهميش المتراكم والفساد والفقر والأزمة وانعكاساتها، وهو عبارة عن بسطات ممتدة من سوق الخضار في بداية طلعة الكيكية وصولاً إلى أفران ابن العميد، لكن ما يميزه هو: طبيعة البائعين فيه، ورواده من المشترين، وما يعرض فيه للبيع، وحاله ربما لا يختلف عن حال نهر يزيد المأساوي الذي أقيم بجانبه.
هيكل البائعين وثيابهم الرثة، وجسمهم النحيل وملامحهم تعبر عن حجم الفقر المتراكم، وغالبيتهم من المهجرين، أو ممن أرهقتهم الحياة والغلاء والفقر وحتى المرض، فمنهم العامل والموظف، ومنهم النساء الكبيرات في السن، ومنهم الأطفال الحفاة العراة، وبعضهم يخفي وجهه عند مرور أحدٍ يعرفه.
والمشتري كذلك من خلال ملامحه ولباسه، ومن خلال مشترياته أيضاً، تدرك حجم الفقر الذي يهيمن عليه وعلى حياته.
والبضاعة المعروضة، كالثياب المستعملة التي نال منها الزمن حصته من القِدَم، والأحذية الكالحة التي سافت أرضيتها، وإن جرى تلميعها لتكتسب عُمُراً جديداً، أو المنظفات ذات الصناعة اليدوية المنزلية، التي يصنعها أصحابها ليؤمنوا ما يستطيعون من لقمةَ العيش، دون مذلة السؤال والشحاذة، وبسطات للأدوات المنزلية التي نادراً ما تجدها كاملة، وبعض الأدوات الكهربائية البسيطة التي لا يعرف البائع أنها تعمل أو لا تعمل، وأدوات وعدد للأعمال البسيطة في المنزل يعلوها الصدأ، وكذلك أسعار البضاعة تكشف عن نوعيتها.

شهادات

أبو عادل أحد سكان الحي القدماء قال: «السوق نشأ في غفلةٍ من الزمن، بعد الأزمة، وبضاعته وزبائنه وبائعون من لونٍ واحد، الفقر والفقراء».
أحدهم كتب على صفحته الإلكترونية بعض من مشاهداته في السوق فيقول: «في ست صغيره عاملة بسطة جايبه برداية من بيتها، ولعبة ابنها، وقصاصة أظافر، وكم ملعقة وكم صحن بلاستيك، وكيس صغير فيه شوية زعتر، وواقفة تبيع بخجل، منظر مبكي، أنا لفت نظري كيس الزعتر، بعتقد ان اللي يحب يتساعد يدور على هي النماذج الشريفة أفضل بكتير من البروظه بالمساجد والتباهي بأنهم ما بيقطعوا صلاة الصبح وما بدي كمل أكتر من هيك، سوق السبت مليان من الأسر الفقيرة المتعففة، بتفضل تبيع أغراض بيوتهم البسيطة ولا تتسول».
أحد المشترين قال: «أنا مهجر، وليست لدي القدرة على شراء بعض الحاجات من الأسواق النظامية بسبب ارتفاع الأسعار وجشع التجار، فأشتري من هذا السوق بعض الأشياء البسيطة الضرورية للبيت، كالأدوات المنزلية، وإن كانت ليست جيدة وعمرها قصير، والمنظفات لأنها رخيصة، فالأزمة أكلت الأخضر واليابس مما نملك».
ربما يكون سوق السبت، ببائعيه ورواده وبضائعه، وحتى مكانه، صورة مصغرة ومحدودة عن المآسي المتراكمة التي تعرض لها السوريون، ليس بنتيجة الحرب والأزمة فقط، بل لما قبل سنواتها بسبب تراكم نتائج سياسات الإفقار والنهب والفساد والتهميش، والتي ما زالت مستمرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
904
آخر تعديل على الإثنين, 11 آذار/مارس 2019 12:58