قانون الأحوال الشخصية.. تعديلات دون حدود الضرورات
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

قانون الأحوال الشخصية.. تعديلات دون حدود الضرورات

بسرعة منقطعة النظير، وبعد طول انتظار، وبعد الكثير من المطالبات والضغوط الأهلية والمجتمعية بضرورة مراجعة قانون الأحوال الشخصية، وخاصة بما يتعلق بالمرأة وحقوقها، الفردية والأسرية، وافق أعضاء مجلس الشعب في جلسته الثامنة من الدورة العادية التاسعة للدور التشريعي الثاني المنعقدة بتاريخ 5/2/2018 بالأكثرية على مشروع القانون المتضمن تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1950.

هكذا وبكل سلاسة أُقرت التعديلات على بعض مواد القانون من الحكومة، مروراً إلى لجنة شؤون المجلس الدستورية والتشريعية، وصولاً لأعضاء مجلس الشعب الذين وافقوا بالأكثرية عليها، وبقي انتظار صدور هذه التعديلات بشكلها النهائي قانوناً.
أصداء متباينة
بحسب وزير العدل فقد: «شملت التعديلات أكثر من 60 مادة من القانون»، مبيناً أن: «التعديلات جاءت تلبية لحاجات المواطنين والمجتمع واستجابة للتغيرات التي طرأت على المجتمع بعد مرور أكثر من نصف قرن على صدور هذا القانون الذي يتعلق بالمحاكم التشريعية الشرعية الإسلامية ليكون أكثر توافقاً مع الدستور والتشريعات الوطنية والدولية».
وبغض النظر عمّا قيل رسمياً عن التعديلات وتفنيدها، أو عمّا تداولته وسائل الإعلام عنها، وبعيداً عن الخوض بتفصيلات هذه التعديلات حيال جوهرها وأهميتها وعمقها وآثارها ونتائجها، أو عن كفاية هذه التعديلات في ظل الضرورات التي يمكن أن تفرض بعض التعديلات الأخرى، أو ربما إعادة النظر بالقانون نفسه جملة وتفصيلاً، فقد لاقت التعديلات المعلنة أصداءً متباينة عند عموم السوريين، فقد رأى الكثيرون أن التعديلات المقرّة لم تصل للحد الأدنى من الطموحات والرغبات، وخاصة بما يتعلق بحقوق المرأة، وصولاً لتكريس مبدأ المساواة المصان دستورياً.
تعديلات «السَّلْوقة»
القانون بشكل عام غايته الأساسية تنظيم العلاقة بين الناس أولاً، وصولاً لكونه مرجعاً لحل الخلافات عند اقتضاء الضرورة ويُستند إليه عند الحكم، لذلك فقد اقتضت الضرورة أن يكون القانون متناسباً مع روح العصر، قادراً على استيعاب واحتواء الحالات المختلفة لتنظيم هذه العلاقة عبر نصوصه ومواده وأحكامه.
على ذلك، فإن قانون الأحوال الشخصية يعتبر من أهم القوانين، وذلك لما له من آثار وتبعات، باعتباره يُعنى بالإنسان الفرد بشكل مباشر وخاص، اتصالاً بالأسرة وكيانها، والمجتمع عموماً، وما يرتبط بهذه وتلك من حقوق وواجبات.
هذه الأهمية الخاصة للقانون وحيثياته على الحياة اليومية للفرد والأسرة والمجتمع، تنظيماً للعلاقة بينها، وصولاً للحقوق والواجبات، وحل الخلافات والحكم بها عند الاقتضاء، لم تكن بذات الأهمية لدى الحكومة على ما يبدو، فقد كان لافتاً حال «السَّلْوقة» الزمنية بمشروع التعديلات والموافقة عليها وإقرارها.
أما لماذا هذه «السَّلْوقة»، زمنياً بالحد الأدنى، فهذا ما لم يعرفه المواطنون، ولم يتبينوا أسبابه؟ علماً أن التعديلات عليه لها الكثير من الانعكاسات على حياتهم وحقوقهم، خاصة وأنها شملت 60 مادة من هذا القانون، الذي أصبح عمره الزمني أكثر من نصف قرن!.
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بالتوازي مع حملات المطالبة بالتعديلات على القانون طيلة السنين الماضية، كانت تصدر بعض التصريحات أو التسريبات الرسمية وغير الرسمية عبر وسائل الإعلام عما يمكن أن يُقال عنها بأنها تعديلات مرتقبة، أو مطلوبة على بعض مواده دون سواها، إلّا أنّ أياً منها لم يبوب ويصاغ، كما لم تأخذ حقها من النقاش، كون موضوع التعديل لم يعلن عنه حكومياً بشكل رسمي، والمفاجأة أنه وصل لمجلس الشعب دون التنويه عنه حكومياً.
مفارقة
المفارقة التي تم التوقف عندها، أن هذا القانون وبرغم أنه يمس جميع المواطنين دون استثناء، أفراداً وأسرة ومجتمعاً، لم تعرض مسودة التعديلات المزمعة عليه على موقع التشاركية الحكومي، كما غيره من التشريعات الأخرى التي عرضت مشاريعها على هذا الموقع مع فسح المجال لإبداء الملاحظات عليها، كما لم تطرح هذه التعديلات على وسائل الإعلام لهذه الغاية أيضاً، ولو من أجل الحد الأدنى من سبر الرأي حيالها، ليس من قبل عموم الناس بل من قبل المختصين بالحد الأدنى، من محامين وقضاة وغيرهم، ومضت التعديلات وصولاً للموافقة عليها دون ذلك.
على سبيل المثال: لقد حظي مشروع قانون الاستثمار بالكثير من الاهتمام الحكومي والإعلامي، بالإضافة إلى اهتمام الكثير من الفاعلين في القطاعات الاستثمارية والتجارية والصناعية، داخلاً وخارجاً، حيث وضع على موقع التشاركية من أجل وضع الملاحظات عليه من قبل المعنيين به والمستفيدين منه مباشرة، علماً أنه يخص مصالح شريحة محدودة من السوريين وغيرهم، حيث أُفرد لهؤلاء الحيز الكافي على الموقع لوضع الملاحظات مع التعديلات البديلة المقترحة على نصوصه ومواده، في حين لم يوضع قانون الأحوال الشخصية بالتعديلات المزمعة عليه على هذا الموقع، كما لم تحظ بالتغطية الإعلامية اللازمة قبل الموافقة عليها وإقرارها، علماً بأنه يرتبط بشكل مباشر بالحياة اليومية للسوريين بعمومهم!.
الإرادوية والضرورة
ربما لا غرابة من هذه المفارقة، كما لا غرابة من الموقف الحكومي نفسه تجاه القانون والتعديلات عليه، ولعل ذلك يعتبر تأكيداً جديداً على أنّ السياسات الحكومية كانت وما زالت تحابي مصالح شريحة محددة دون سواها، فيما تغفل مصالح عموم المواطنين، حتى على مستوى إبداء الرأي الشكلي.
فالقانون الذي أصبح عمره أكثر من نصف قرن، سبق وأن برزت الحاجة لتعديل الكثير من نصوصه ومواده من خلال التطبيق العملي في المحاكم، وذلك بسبب تغيرات الحياة الاقتصادية الاجتماعية، التي فرضت نفسها على مجمل العلاقات بتبعاتها وحقوقها وتنظيمها، ولذلك نشطت خلال السنوات الطويلة الماضية الحملات التي تطالب بتعديل هذا القانون، وصولاً للمطالبة بوضع قانون عصري جديد بالكامل، يكون معبِّراً فعلاً وحقيقة عن مصالح عموم المواطنين بعلاقاتهم وحقوقهم، بعيداً عن مصالح بعض الفئات والشرائح، التي من الممكن أن تعيق أو تحول دون المطلوب على هذا المستوى، حيث ما زالت الإرادوية تطغى على الضرورات الموضوعية، ليس على مستوى هذا القانون فقط، بل على جملة السياسات المتبعة، ولمصلحة من تؤول نتائجها.
وفي هذا السياق لن نضيف إلا ما ورد عبر الموقع الرسمي للحكومة، حول ما تم عرضه ونقاشه تحت قبة مجلس الشعب، تأكيداً لذلك: «رأى عدد من الأعضاء أن هذه التعديلات خطوة إيجابية على طريق إعطاء المرأة كامل حقوقها بالتساوي مع الرجل».
أي: أن الحاجة ما زالت ملحة لإعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية، خاصة وأن المرأة لم يتم إنصافها بالوصول للمساواة مع الرجل بالحقوق، بغض النظر عن أهمية ما أُقر مؤخراً من تعديلات على بعض مواده، وبعيداً عن كل ما يمكن أن يقال حيالها، أو كيف تنقسم الآراء حولها وتُجيّر وتُساق، مع فسح المجال أمام المواطنين والمعنيين من المختصين كي يدلو بدلوهم بهذا الأمر، باعتبار أن القانون أولاً وآخراً يمسهم وحياتهم بشكل مباشر، ولعل في ذلك بعض من حقوق ما زالت مهدورة.