التعفيش.. ظاهرة لم تأفُل بعد
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

التعفيش.. ظاهرة لم تأفُل بعد

أن تتم سرقة أجزاء من محولة كهربائية للدولة، في منطقة أصلاً لم تكن ساخنة ولم تفتقد عوامل الأمان طيلة السنوات الماضية، وبهذا الوقت بعد أن بدأت تُطوى الصفحة على عمليات السرقة والتعفيش سيئة الصيت، فهو أمر جد مستغرب ويثير الكثير من الدهشة والريبة!

فقد تداولت بعض صفحات التواصل الاجتماعي بتاريخ 2/2/2018، خبراً يقول: أنه تم سرقة أجزاء من محولة كهرباء في ضاحية قدسيا الجزيرة D2، وقد باشرت ورشات الطوارئ بإعادة تأهيل وحدة الكهرباء التي سُرقت، كما تم إرفاق بعض الصور مع الخبر المتداول.
بين الأسف والاستهجان
المؤسف بالموضوع أن هؤلاء السارقين ربما لا تتعدى غايتهم الطمع بالحصول على بعض الأموال لقاء بعض الكميات من النحاس مما تحتويه الأجزاء المفكوكة من المحولة بعد بيعها، والتي لا يمكن مقارنتها بحال من الأحوال مع ما تكبدته الدولة على المحولة من أجل تركيبها وتشغيلها سابقاً، وما ستتكبده من أجل صيانتها، ناهيك عن الضرر الذي لحق المواطنين جراء قطع الكهرباء عن بيوتهم.
أما المستغرب بموضوع فك أجزاء المحولة الكهربائية وسرقتها هو أن هذه العملية تحتاج إلى وقت وجهد وخبرة، كما تحتاج إلى تسهيلات لوجستية بنقلها من مكانها بعد الفك، فإذا كانت عملية الفكفكة قد جرت خلال ساعات حيث تنعدم الحركة في المنطقة، بحسب ما تم تداوله، فإن نقل هذه التجهيزات يحتاج إلى سيارة نقل، وإلى تسهيلات لوجستية بحال تم نقلها إلى خارج الضاحية، وهو الأمر غير المحسوم، وربما يحتاج للمتابعة.
والأكثر استهجاناً، بحسب بعض الأهالي في المنطقة، هو ترك باب المحولة مفتوحاً، برغم تكرار مطالبتهم بإغلاقه، ليس خشية سرقتها فهو أمر لم يكن وارداً ببالهم، بل خوفاً على الأطفال الذين قد تدفعهم حشريتهم وفضولهم وحبهم للعب للدخول إليها وما قد يحمله ذلك من مخاطر عليهم، وعلى الرغم من ذلك لم تتم الاستجابة لهذا الطلب!.
«بعض الظن إثم»
لا شك أن عمليات السرقة والتعفيش تعتبر خارجة عن القانون، كما أنها منبوذة اجتماعياً وأخلاقياً، وهي كممارسات ارتبطت طيلة السنوات الماضية بالمناطق الساخنة وغير المستقرة أمنياً وغير المأهولة غالباً، حيث لم تسلم منها أية منطقة، مع بعض الاستثناءات التي تثبت القاعدة ولا تنفيها، كما لم تُبقِ في هذه المناطق أي شيء يمكن الاستفادة منه، اعتباراً من العفش المنزلي والأدوات الكهربائية، مروراً بالأدوات الصحية والبلاط والسيراميك، وليس انتهاءً بكابلات النحاس المنزلية والحكومية وحتى محولات الكهرباء الكبيرة العامة.
وبرغم الكثير حملات الإدانة ومما قيل حول الشبكات العاملة بهذه العمليات والتسهيلات اللوجستية التي تتلقاها، والثروات الطائلة التي دخلت في جيوب العاملين فيها والمستفيدين منها، على حساب المواطنين وجنى عمرهم وتعبهم، كما على حساب الدولة والوطن، استمر عمل هذه الشبكات طيلة السنوات الماضية، إلّا أنّ الظن أنّ هذه الشبكات قد تفككت بفعل استنفاذ المناطق التي من الممكن سرقتها وعلى إثر تكريس عوامل الأمان والاستقرار التي أصبحت أكثر اتساعاً بما لا يقاس عمّا مضى.
لكن لعل «بعض الظن إثم»، حيث ما زالت بعض عمليات السرقة تجري بشكل محدود بين الحين والآخر، كان آخرها خبر أجزاء المحولة الكهربائية أعلاه.
المطلوب ضبط الشبكات المستفيدة
ربما المطلوب الآن ليس الكشف عن السارقين ومحاسبتهم فقط، بل لعل الأهم، هو: الوصول لشبكة المسهلين لعملهم لوجستياً، والأكثر أهمية من ذلك هو الوصول للمشجعين الأساسيين من الحيتان الكبار الذين يعملون على تجميع كميات النحاس المنهوب من هؤلاء الصغار لصهره وإذابته، إما لبيعه ولإعادة استخدامه داخلاً، أو لتهريبه خارجاً، أي: وضع اليد على كامل أفراد الشبكات العاملة والمستفيدة والتي اغتنت على حسابنا وعلى حساب البلد طيلة السنوات الماضية، استغلالاً للوضع الأمني الهش الذي كان سائداً بسبب الحرب.
ولعل عوامل الاستقرار والأمان التي تزايدت الآن تكون عنصراً مساعداً لإنجاز هذه المهمة، ليس من أجل تكريس هذه العوامل وتعميقها أكثر فقط، بل من أجل الحفاظ على المال العام والخاص الذي استُبيح من هؤلاء