انتشار الدروس الخصوصية.. مشكلات وحلول
عابدين رشيد عابدين رشيد

انتشار الدروس الخصوصية.. مشكلات وحلول

تمثل ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية بين صفوف الطلاب ظاهرة خطيرة على العملية التربوية والتعليمية، لأنها تعد أحد الأدلة على تراجع تلك العملية في المدارس الحكومية.

بغض النظر عن الأسباب والسياسات التي أدت لانتشار هذه الظاهرة وتوسعها، فإن الاهتمام بمعالجة أوضاع المعلمين المادية قد تضع حداً كبيراً لها، لأنها تشكل أحد الجوانب الرئيسة لهذه لمشكلة الهامة.
الوضع الاقتصادي والفروق الفردية
بمناسبة بدء العملية الامتحانية للصفوف الانتقالية في الفصل الأول لهذا العام، قامت صحيفة قاسيون بإجراء استطلاع لآراء بعض المدرسين في بعض مدارس محافظة ريف دمشق، حول أسباب هذه الظاهرة وتمددها، رغم وجود التعميمات الصادرة من وزارة التربية بين فترة وأخرى، ووجود قرارات صارمة لمن يقوم بإعطاء الدروس الخصوصية للطلاب، سواء أثناء الدوام الرسمي أو خارجه.
وتبينت من خلال تلك الاستطلاعات النتائج التالية:
بالنسبة للمدرسين والمعلمين: لدى سؤال أحد المدرسين في مادة اللغة الفرنسية حول ما هي أسباب انتشار هذه الظاهرة، أجاب ما يلي:
عدم ثقة الطالب بالمدرس.
قلة أجور المعلمين مما يضطرهم للعمل في الدروس الخصوصية لتحسين وضعهم الاقتصادي والمعيشي.
ضعف المستوى المعرفي لبعض الطلاب، وذلك لوجود الفروق الفردية بين الطلاب، مما يدفع هؤلاء لتحسين قدراتهم التعليمية عبر الدروس الخصوصية.
أما مدرس مادة العلوم فأجاب حول السؤال المذكور ما يلي:
إنها موضة، وخصوصاً للأسر الميسورة مادياً، علماً أن الطالب ليس بحاجة للدروس الخصوصية.
التقصير في المدارس، وانخفاض سوية التدريس في المدارس، إما لعدم وجود مدرسين بشكل كافٍ يغطي الشواغر في المدرسة، أو لقلة خبرة المدرسين، وخاصة الجدد منهم.
التقصير من الطالب يدفع الأهل للضغط عليه بواسطة الدروس الخصوصية.
سوء الوضع الاقتصادي لدى المعلم يدفعه لتأمين حاجاته ومتطلبات الوضع المعيشي، ولو على حساب انتشار الدروس الخصوصية.
ازدحام صفي وعدم اهتمام
ولدراسة هذه الظاهرة من كل الجوانب حسب الإمكانات المتوفرة لدينا قمنا بإجراء استطلاعات شملت بعض طلاب المرحلة الثانوية، وقد تباينت هذه الآراء، ومن خلال الوقوف على تلك الآراء تبين ما يلي:
طالب في الثاني الثانوي العلمي: هل تقوم بأخذ الدروس الخصوصية؟ فأجاب: نعم. ولماذا؟ فقال: لأنني لا أفهم من المدرس والأستاذ أسلوبه وطريقته في التدريس غير مجدّية للاستيعاب، لأنه يقوم بحل التمارين السهلة، ويترك التمارين الصعبة والمعقدة كما في (مادة الرياضيات مثلاً).
والسؤال نفسه وجهناه إلى طالب آخر فكانت الإجابة ما يلي:
لا أستطيع أخذ الدروس الخصوصية بسبب الأسعار المرتفعة التي تصل حتى /4000 ل.س/ لمادة الرياضيات في الصف الثاني الثانوي العلمي.
ويجيب طالب أخر: إن سبب انتشار تلك الدروس الخصوصية تتعلق بعدم اهتمام بعض المدرسين بالطالب، حيث يقرر الدرس ويمشي ويخرج من الصف، سواء استوعب الطالب الدرس أم لم يستوعب، ويحدث ذلك خاصةً عند وجود طلاب مشاغبين في الشعبة، وبسبب كثرة أعداد الطلاب في الشعبة الصفية، كما يعتبر هذا الطالب أن وجود الملصقات والإعلانات للمعاهد كلها تشجع على انتشار الدروس الخصوصية.
بعض المقترحات كحلول مستعجلة
ما سبق يمكن اعتباره بعض أسباب تفشي هذه الظاهرة وانتشارها، ولعل الأهم الآن، هو: تقديم بعض المقترحات كحلول عملية سريعة لمعالجة بعض هذه الأسباب كما يلي:
تحسين أجور المعلمين بشكل عام، وأجور الساعات فيما يتعلق بالمدرسين خارج الملاك، سواء الاختصاص أو غير الاختصاص، فليس من المعقول أن تبلغ أجور الساعة /300 ل.س/ للاختصاص، و240 لغير الاختصاص في ظل ارتفاع المستوى المعيشي.
تخفيف الازدحام في الشعب الصفية.
ضرورة التعاون بين الأهالي والمدرسة في متابعة الطالب ومعرفة الخلل في وضعه ومعالجته.
التزام الطالب بالدوام وكذلك المدرس، وضرورة تطبيق الأنظمة والقوانين للنهوض بمستوى الطالب والعملية التعليمية والتربوية.
ألّا يكون الطالب نفسه ضحية في سوق العمل بهدف تأمين لقمة العيش على حساب إهمال الالتزام بالمدرسة.
الحل بالسياسات
ختاماً، يمكننا القول: أياً كانت الأسباب الظاهرية خلف الظاهرة وانتشارها، سواء كان الخلل في بعض المدرسين، أو في ضعف المستوى المعرفي لبعض الطلاب، أو للثقافة الأسرية، أو ما يتعلق بارتفاع معدلات القبول الجامعي، أو صعوبة المناهج وكثافتها، أو عدم تحسين الوضع المادي للمعلم، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى، فبدون حلول حقيقية وموضوعية لمجمل هذه الأسباب مجتمعة، وبعمقها، فإن هذا يعني أنّ الظاهرة ستستمر، وبعض الطلاب الميسورين سيتجهون نحو الدروس الخصوصية، والأخطر أن البعض الآخر من الطلاب المفقرين سيهملون تحصيلهم المدرسي والعلمي، ما يوصلنا لنتيجة مفادها: أنّ عمق المسألة قائم ومتمركز في السياسات العامة المتبعة، ومنها: السياسات التعليمية، ومن هنا يجب أن يبدأ الحل.