الحمضيات.. حلول ترقيعية لمصلحة البعض
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الحمضيات.. حلول ترقيعية لمصلحة البعض

أقرت هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، آلية جديدة لدعم التسويق الخارجي لمنتجات الحمضيات، وذلك «استناداً لتوجيهات الحكومة بالعمل على وضع خطة لدعم محصول الحمضيات لموسم (2018-2019) وتسويقه محلياً وخارجياً».

ووفقاً لما ورد عبر صفحة الهيئة الرسمية على «فيسبوك»، سيتم في هذه المرحلة «تقديم الدعم اللازم لشحن المنتجات المتنوعة من الحمضيات بما يساهم في زيادة نسبة الصادرات وتصريف الإنتاج».
محددات الدّعم
لقد أوردت الهيئة بعض المحددات والآليات لهذا الدّعم، وفق النقاط التالية:
- تقديم دعم شحن بحري للحاويات، ودعم شحن برّي إلى العراق ودول الخليج حصراً بسيارات الشحن البرية بمبلغ مقطوع يعادل /1600/ دولار أمريكي للحاوية أو للسيارة الواحدة.
- الاقتصار في تقديم دعم الشحن للحاويات أو السيارات المحملة بالحمضيات فقط، وتستبعد الحاويات المختلطة.
- تحدد فترة تقديم عقود التصدير المبرمة من تاريخ 15 تشرين الثاني ولغاية 31 كانون الأول من العام 2018.
- يتم قبول الوثائق والثبوتيات المتعلقة بالعملية التصديرية خلال الفترة من 2 كانون الثاني 2019 ولغاية 1 أيار 2019 (فترة تنفيذ العقود).
35 ليرة دعم تصديري لكل1 كغ
التفنيد الرقمي للدّعم وفقاً للمحددات أعلاه، يعني: أن كل كيلو غرام من الحمضيات سيتم دعمه من أجل التصدير بحدود 35 ليرة سورية، وذلك باعتبار أن سعة الحاوية بحدود 20 طناً، وهي مدعومة بمبلغ مقطوع 1600 دولار، أي: أن كل 1 طن سيدعم بـ 80 دولاراً، وبما يعادل 35 ألف ليرة تقريباً، وسيكون هذا الدعم أعلى إذا كان الشحن بالسيارات باعتبار أن حمولتها أقل من ذلك.
فهل هذا الدّعم سيكون مشجعاً للمصدرين كونه هامشاً مضافاً على أرباحهم التصديرية، بحيث يتم من خلاله حل مشكلة فائض إنتاج الحمضيات للموسم الحالي؟
والسؤال الأهم: هل سينعكس هذا الدعم على الفلاحين والمنتجين، بحيث تتم المحافظة على هذا الإنتاج، وعلى تحسينه، أم أن حصاد هذا الدّعم سيكون من نصيب بعض التجار والمصدرين على حساب الفلاحين من جديد؟
18 مليار ليرة فقط
رئيس الاتحاد العام للفلاحين قال عبر إحدى الصحف المحلية بتاريخ 20/11/2018: «إنّ أسعار المنتجات الزراعية وخاصة الحمضيات تباع بأقل من التكلفة.. ونلاحظ أنّ تدخل وزارة التجارة الداخلية عبر مؤسساتها لتقوم بشراء كميات معينة من إجمالي الإنتاج هو ليس حلاً، فعندما تقوم السورية للتجارة بشراء أربعة آلاف طن من أصل مليون طن منتج لا تحل المشكلة». مضيفاً: «كاتحاد نطالب أن يكون دور مؤسسات التدخل الإيجابي لتحقيق التوازن السعري في السوق فقط، لأن الاستهلاك المحلي من الحمضيات يصل إلى 450 ألف طن فقط، أمّا الإنتاج فيبلغ 1,2 مليون طن، أي: أنّ هناك فائضاً إلى الضعف، فلا بد من أسواق خارجية للتصدير».
وبإسقاط الحديث عن الدّعم التصديري على فائض الإنتاج التقديري من الحمضيات، يتبين أنه من أجل تصريف هذا الفائض المقدر بحدود 500 ألف طن على أقل تقدير، فإن المصدرين بحاجة إلى 25 ألف حاوية تقريباً من أجل تعبئتها بهذا المنتج منفرداً، وفقاً لقرار هيئة الصادرات. أما عن مقدار الدّعم على الكميات الإجمالية المصدرة وفقاً لذلك فسيكون بحدود 40 مليون دولار، أي: بما يعادل 18 مليار ليرة سورية، وهو مبلغ قد يعالج مشكلة فائض الإنتاج لهذا الموسم فقط.
والأسئلة التي تتبادر للأذهان:
هل سيكون هذا المبلغ الكبير مصدراً لسيل لعاب التجار والمصدرين خلال الأشهر والأيام القليلة القادمة وفقاً لمقررات هيئة دعم الصادرات؟
هل يتوفر مثل هذا المبلغ لدى هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات لتقديمه كدعم لعمليات تصدير فائض الكميات المنتجة من موسم الحمضيات لهذا العام؟
دعم مدعوم
ربما تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن المنتجات الزراعية السورية لها حصتها من الدّعم الحكومي سلفاً في حال تم تصديرها. فقد وافقت الحكومة على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تأييد مقترح اتحاد الغرف الزراعية الخاص بتمديد العمل بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 2095 تاريخ 25/9/ 2017 المتضمن تخفيض البدلات المترتبة على المنتجات الزراعية المصدرة ذات المنشأ السوري بنسبة 75% من التعرفة المرفئية المحددة بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 3697 لعام 2015 ولمدة سنة اعتباراً من 1/10/ 2018 ولغاية 1/10/ 2019. وبحسب رئيس اتحاد غرف الزراعة فإن: «هدف الاتحاد من هذا التحرك هو تنشيط عملية تصدير الخضار والفواكه السورية بحراً باتجاه الأسواق الخارجية، وتحقيق وفورات لصالح المصدرين تتراوح بين 400 و500 دولار أمريكي في كل حاوية يتم تصديرها، واصفاً القرار بجرعة الدعم المباشرة للقطاع الزراعي والتجاري والاقتصادي على حد سواء».
بمعنى آخر، إن كل حاوية تصديرية من الحمضيات سيصبح نصيبها من الدعم بحدود 2000 دولار أمريكي، ولكم أن تحسبوا ما سيجنيه المصدرون وأشباههم من أرباح ووفورات جرّاء ذلك تحت عنوان «الدعم المباشر للقطاع الزراعي».
الفلاح على حاله من الخسارة المتوقعة
بغض النظر عما يمكن أن يسوقه بعض المصدرين وداعميهم على مستوى التفنيد الرقمي أعلاه، وكيف يمكن أن يتم احتساب تكاليفهم على عمليات التصدير، الفعلية أو الوهمية، بناء عليه من أصل مبلغ الدعم المقدر بـ 35 ليرة لكل 1 كغ، لا شك أن المبلغ المقدر أعلاه يعتبر كبيراً جداً، ولا شك أنه سيكون عامل استقطاب للكثيرين من المصدرين، وأشباههم من السماسرة والشقيعة، بحال توفره فعلاً ورُصد للصرف، أو حتى لو توفر بعضه وتم صرفه لهذه الغاية بحسب ملاءة هيئة الصادرات، وما خصصته من اعتمادات لهذه الغاية، علماً أن هذا المبلغ ربما يحل مشكلة فائض إنتاج الحمضيات لهذا الموسم فقط بأحسن الأحوال، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الاجراء لن ينعكس إيجاباً على الفلاحين والمنتجين أنفسهم، وذلك باعتبار أن عمليات شراء المحاصيل من الفلاحين وتسويقها، كبرت أو صغرت كمياتها، ستبقى ضمن حدود آليات الاستغلال السائدة والمتحكم بها من قبل التجار والسماسرة سلفاً، حيث يضطرون لبيع محصولهم بأقل من سعر التكلفة، وهو أمر واقع وملموس منذ عقود، وقد أكد عليه رئيس الاتحاد العام للفلاحين، كما ورد أعلاه.
بمعنى آخر وأكثر دقة، فإن ما سيتم رصده وصرفه بذريعة حل مشكلة فائض الإنتاج من الحمضيات لهذا الموسم عن طريق دعم عمليات التصدير لن يكون إلّا مبالغ إضافية ووفورات في جيوب البعض، على حساب الفلاحين، كما على حساب المواسم اللاحقة، باعتبار أن هذا الدعم لن يصل للفلاحين المنتجين، وسيبقون على حالهم من الخسائر المتوقعة لهذا الموسم أيضاً، وما سيترتب عليها من نتائج على مستوى معيشتهم أولاً، وعلى مستوى استمرارهم بالعملية الإنتاجية نفسها لاحقاً، اعتباراً من استبدال الزراعة التي تبدأ بقطع المزيد من أشجار الحمضيات، وربما لا تنتهي بهجرة الأرض والزراعة بالمحصلة.
ماذا عن تمويل معمل العصائر؟
ربما تجدر الإشارة هنا، باعتبار أن الحديث يدور عن عشرات الملايين من الدولارات أو المليارات من الليرات السورية تحت عنوان دعم الإنتاج والتصدير، للتذكير مجدداً بملف معمل العصائر المؤجل والمسوف منذ سنوات، بذريعة عدم توفر التمويل اللازم لإنشائه، وبذريعة عدم إمكانية استثماره خارج موسم الفائض من الحمضيات، مع الكثير من الذرائع المعطلة الأخرى، علماً أن هذا المعمل يحل مشكلة الفائض من الحمضيات بشكل شبه نهائي وليس لموسم واحد فقط، كما أنه سيكون فرصة لتشغيل أيدٍ عاملة جديدة، ويمنح قيمة مضافة للمنتجات المصنعة، سواء كانت بغاية الاستهلاك المحلي أو معدة للتصدير، ناهيك عن كونه استثماراً صناعياً وطنياً دائماً ومستمراً وقابلاً للتطوير.
والسؤال الأخير الذي لا بد من طرحه:
هل تتوفر فرص التمويل بهذه المليارات من أجل دعم عمليات التصدير، رغم أهميتها، ولتصب في جيوب البعض من المستفيدين بالنتيجة على شكل أرباح ووفورات دوناً عن المنتجين، ولا تتوفر من أجل إنشاء هذا المعمل الذي يحل المشكلة المزمنة المتمثلة بفائض موسم الحمضيات؟
ربما لا جديد إن قلنا: لا وهم لدينا بالسياسات الليبرالية المعتمدة والمعمول بها والمستمرة منذ عقود، فهي لن تسفر إلّا عن هذه الأشكال من الحلول الترقيعية المستهلكة والمستنزفة التي تصب بمصلحة شريحة التجار والسماسرة على حساب المنتجين والعملية الإنتاجية، كما على حساب الاقتصاد الوطني ككل بالنتيجة، مهما استعمل لترويجها من مكياجات ومحسنات كلامية وتسويق إعلامي.