أهالي البوكمال ومعيقات الاستقرار

أهالي البوكمال ومعيقات الاستقرار

معيقات عودة أهالي مدينة البوكمال إلى مدينتهم وبلداتهم وقراهم ما زالت على حالها، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستوى إعادة الاستقرار، واستعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي للمدينة وآهليها.

فالأمر ليس مقتصراً على افتقار المدينة للخدمات العامة، ولا على أجور المواصلات الكبيرة والمرهقة، بل لعل الأهم هو استمرار الإجراءات الأمنية المشددة على حركة المواطنين.
تشديد أمني وابتزاز
بحسب الأهالي فإن الدخول إلى المدينة وتوابعها من القرى والبلدات، أو التحرك والانتقال فيما بينها، يتطلب الحصول على موافقة أمنية، وهذه الموافقة قد لا تكون محصورة بمجرد التأكد من عدم ورود الاسم في قوائم التفييش، أو من خلال إجراءات التفتيش الأمني المعتادة على الحواجز، بل تتعداها إلى بعض الممارسات التشديدية الإضافية التي يمارسها بعض القائمين على بعض الحواجز، بما فيها من سلوكيات شاذة أحياناً تمس الكرامة وتهدرها، مع وجود بعض أوجه الاستغلال والابتزاز كذلك الأمر، الأمر الذي أصبح يشكل عائقاً جدياً أمام الأهالي، ليس على مستوى تحركاتهم اليومية وضرورات انتقالهم من مكان لآخر، بل على مستوى تشجيع المتبقين للعودة والاستقرار في مدينتهم وقراهم وبيوتهم.
الاعتراض الأهلي ليس على الإجراءات الأمنية الاعتيادية بحد ذاتها، من تفتيش وتفييش، فهؤلاء يدركون أهميتها وضرورتها على أمنهم وسلامتهم، كما على أمن وسلامة المنطقة ككل، خاصة وقد عانوا ما عانوه خلال السنوات السابقة من المجموعات المسلحة بمختلف تسمياتها وولاءاتها، ومن حال الانفلات الأمني عموماً الذي كانوا ضحاياه المباشرين، بل على ما يرافقها أحياناً من بعض السلوكيات الشاذة التي يدفعون ضريبتها كذلك الأمر.
تكاليف السفر المرهقة
المشكلة الأخرى التي يعاني منها الأهالي هي ارتفاع أسعار تكاليف السفر والانتقال، فعلى سبيل المثال تصل كلفة الانتقال من دير الزور إلى البوكمال إلى مبلغ 3500 ليرة للشخص الواحد، وهي كلفة مرتفعة جداً، أما الشاذ المضاف على هذه الكلفة أحياناً فهو فرض أجرة راكب على ما يمكن أن يحمله معه هذا الشخص من متاع في حقيبته، وإلّا فعليه أن يسافر بلا حقيبة سفر.. هكذا، ولكم أن تتخيلوا تكلفة انتقال أسرة بكامل أفرادها مع حقائبها ومتاعها من أجل العودة والاستقرار في المدينة أو إحدى بلداتها وقراها، والمؤسف هو عدم وجود رقابة ومتابعة جدية على هذا المستوى، الأمر الذي هيأ الفرصة للمزيد من الاستغلال على حساب الأهالي، وبالتالي على استقرارهم ومعيشتهم.
الخدمات العامة ومجلس المدينة
أما من ناحية الخدمات العامة فحدث بلا حرج، ولعل الأهم على هذا المستوى بالنسبة للأهالي هو تأمين الطاقة الكهربائية باعتبارها العصب الحياتي المرتبط بالكثير من الضرورات اليومية، ليس على مستوى الضرورات المنزلية أو المهنية والحرفية والصناعية فقط، بل وخاصة على مستوى الأغذية وتوفرها وحفظها وتبادلها بيعاً وشراءً في المحلات، فواقع التزود بالطاقة الكهربائية لا يسر، كما أن الاعتماد على البدائل محدود، ناهيك عن ارتفاع أسعارها، مما يشكل عائقاً إضافياً أمام عودة الأهالي واستقرارهم.
والمؤسف هو ضعف أداء مجلس المدينة على مستوى الخدمات العامة، وما زاد الطين بلة مؤخراً هو ما جرى من خلافات حول المجلس جراء غض الطرف عن عملية انتخابه واللجوء لأسلوب التعيين، وبغض النظر عن ذلك فإن ما يهم الأهالي هو أن يقوم المجلس بما عليه من مهام وواجبات على المستوى الخدمي بالتعاون مع الجهات العامة الأخرى، بما يؤمن لهم فرص الاستقرار واستعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.
ولعل أحد الأمثلة على ذلك هو حال معاناة الطلاب في مدرسة تشرين أثناء دخولهم وخروجهم منها، بسبب المشكلة المتعلقة بسورها، حيث جرى الحديث عن تأمين التمويل اللازم لهذا السور من قبل مديرية تربية دير الزور، إلّا أن الواقع ما زال على حاله من المعاناة، ولا أحد يعلم، هل استمرار المشكلة بسبب عدم الإيفاء بوعود التمويل، أم بسبب ضعف المتابعة من قبل مجلس المدينة؟ وقس على ذلك من مشاكل معلقة ومتراكبة على بقية الجوانب الخدمية الكثيرة.
العودة والاستقرار والأمن الغذائي
أما الملفت أخيراً، فهو أن أهالي البوكمال لم يتلمَّسوا إيجابيات جولة الوفد الحكومي الذي زار محافظة دير الزور مؤخراً، حيث لم يرشح من هذه الجولة ما يدل على تذليل الصعوبات والمعيقات التي تحول دون عودتهم واستقرارهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مدينة البوكمال وريفها من الناحية الاقتصادية لا تعني أهلها فقط، بل هي مرتبطة بالشأن الاقتصادي العام، وخاصة على مستوى إنتاجها الزراعي والحيواني الهام، من: قطن- قمح- شوندر- لحوم- ألبان وأجبان.. وغيرها، مع ما يرتبط به من صناعات، وما يتعلق بكل ذلك من عوامل ترتبط بالأمن الغذائي الوطني، بحيث تصبح قضية العودة والاستقرار واستعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي للبوكمال وريفها، ليست قضية محلية مرتبطة بالأهالي فقط، بل هي قضية ذات بعد اقتصادي وطني أيضاً.