مدارس حلب.. فوضى وتراكم للمشكلات

مدارس حلب.. فوضى وتراكم للمشكلات

لم يمض الشهر الأول من العام الدراسي إلا وتعالت الشكاوى من الواقع الذي تعانيه المدارس في حلب، لكن المذهل أن المشكلات كانت شبه عامة شملت أرجاء المدينة كافة، دون التغاضي عن خصوصية كل منطقة على حدة، وهو ما انعكس سلباً على مسيرة العملية التعليمية، وللأسف لم تجد هذه الشكاوى أذناً مصغية وخاصة أن العديد منها مستمر من العام الدراسي الماضي.


مدارس خارج الخدمة
رغم التصريحات الإعلامية على المستوى الوزاري والمستوى المحلي عن جاهزية التربية بكوادرها ومدارسها لاستقبال العام الدراسي الجديد، إلّا أن العديد من المدارس، وخاصة في أطراف المدينة، إلى الآن خارج الخدمة من حيث جاهزيتها، سواء على مستوى هيكلها الخارجي أو من حيث البنى التحتية، ومن ناحية الأثاث المدرسي، وغيرها من مستلزمات أولية لائقة بالطلاب ولو بالحد الأدنى المتواضع، لنسأل عن هذه الجاهزية؟ فالعديد من المدارس صفوفها بلا مقاعد وبلا أبواب، إضافة إلى قلة المدارس في بعض المناطق، ما يجعل ضرورة الإسراع بتأهيلها أمراً ملحاً.
وما كان منها بكامل الجاهزية هي متخمة بالأعداد الهائلة لطلابها، التي وصلت إلى ما يفوق 60 أو 70 طالباً في كل شعبة صفية، وهو الأمر الذي يضرب بقابلية التلقي لدى الطلاب عرض الحائط، ويجهد المدرس في السيطرة على هذا العدد لمدة 45د، فهل هو يضبط أم يعطي الدرس؟
عجز في الكادر التدريسي
النقص اللوجستي بجاهزية المدارس لم يقف عند البنى التحتية والمستلزمات، فالعديد من المدارس تعاني عجزاً في الكادر التدريسي، والبعض منها العجز فيها مذهل، دون وجود أي مبرر أو تصريح من قبل التربية، وفي بعض الأحيان يتم التستر على هذا العجز، أو تغييبه، دون معرفة السبب أو لحساب من؟ في مقابل الحديث عن ظاهرة ملء بعض الشواغر بالمدرسين الوكلاء لقاء مبالغ مالية أحياناً!
المدارس التي نجت من هذا العجز، عانت من نواحي أخرى، كالبلبلة في توزيع الحصص والمواد الدرسية، تحت حجة أنها حالة طبيعية! لكن ما هو ليس طبيعي هو أن حالة البلبلة هذه تنعكس على الطلبة مباشرة وعلى مستقبلهم، في تحمل ضياع الوقت والتقصير في إنجاز المناهج، أي: هم ينتقلون إلى المرحلة الأعلى بناتج تحصيلي ضعيف لا يعكس حقيقته الامتحانات الموسومة بالتسيب وتفشي حالات الغش في وضح النهار، وهو الأمر الذي وصل إلى مرحلة من الفجاجة أنه بات طبيعياً وعادياً وغير مستهجن!
ظواهر مستهجنة
ربما الاستهجان لم يقف عند هذا الحد، فالعديد من الظواهر المستهجنة الحاصلة في المدارس لا يمكن فصلها عن واقع العملية التربوية والتعليمية المتردي، فالفساد والمحسوبيات فتحت الأبواب مشرعة لتبرير وتغطية بعض الممارسات السلبية تحت مسمى (مدعوم»، وربما تخطى الأمر إلى وقوع الظلم على الطرف المظلوم ضعفين، دون رادع.
منها: قيام بعض المدرسين بضرب الطلبة بالعصي، وفي إحدى الحالات قامت إحدى المدرسات بضرب الطلاب بخرطوم مياه، والتلفظ بكلمات نابية لا تليق بمهمة المعلم اللائقة، لدرجة التعنيف النفسي، وفي بعض الحالات وصل التعنيف الجسدي لدرجة وقوع ضرر مباشر على الطالب وإلحاق أذى به، وتهديد ذويه وزملائهِ برفع تقرير (إرهاب» في حال التقدم بشكوى أو الشهادة بهذا الخصوص، والتبرير هو ممارسات بعض الطلبة، مثل: قيام أحد الطلاب بإهانة مدرسه والتعرض له بكلام بذيء لمجرد أن والده (مدعوم»، لنقع أمام خلل فاقع، أضاع مكانة المدرس، وأجهز على العملية التعليمية القائمة على الاحترام المتبادل، فكلا المثالين الفاقعين تم سحبهما كنموذج يتم تعميمه والتعاطي معه كحالة عامة، الأمر الذي يضر بالجميع.
يضاف إلى ذلك أيضاً تفشي ظاهرة التدخين بين الطلبة وبأعمار صغيرة جداً، ما سهل إمكانية الترويج لغيرها من الظواهر المضرة، كالحشيش والمخدرات أيضاً، سيما وأن التدخين بات عادياً ومحاولات ردعه ما زالت دون المطلوب، باعتبار أن الأمر بحاجة لتضافر جهود عدة جهات مجتمعة، والتي إلى الآن لم تشعر بخطر ذلك على الواقع الصحي والنفسي والعلمي لهذا الجيل، على ما يبدو!
معاناة مدرسين
للمدرسين أيضاً معاناتهم التي لا تنتهي، حيث يشتكي العديد من مدرسي العقود بحلب، والذين لديهم خدمة 6 سنوات تقريباً، من نقلهم إلى الريف، مع وعود بأن ذلك هو حالة مؤقتة ريثما يتم الإعلان عن تعيينات جديدة، هذا في العام الماضي! ليعودوا ويتقدموا بطلبات نقل مرة أخرى، وخاصة في حالة وجود عدد كبير من الشواغر في المدينة، ليتم تكليف مجازين بسد هذا النقص بإعطاء ساعات في تلك المدارس!
ما يضع على هؤلاء المدرسين أعباءً مادية كبيرة، حيث تصل تكلفة المواصلات إلى 1000 ل.س باليوم الواحد ضمن وسائل نقل غير مريحة، حيث يضطر المدرس لقطع مسافة ساعة ونصف واقفاً على قدميه من شدة الازدحام، والسؤال هنا: كيف لمدرس تحت هذه الظروف من الضغط والإنهاك أن يكون بحالة فاعلة ومنتجة؟
معاناة أهالي
في الوقت الذي يجب أن تتحول المدرسة إلى مصنع بشري يسهم في إعادة الإعمار، فتكون الخزان البشري المسهم في البناء مستقبلاً، تحولت المدارس اليوم إلى عبءٍ مادي على ذوي الطلاب، كسر كاهلهم بالمتطلبات المتزايدة، في الوقت الذي لا يوجد أي انعكاس لعملهم على الأرض سوى أنهم يرسلون أولادهم للتعليم، ولكن يعودون إليهم منحرفين حسب تعبير بعض الأهالي، الواقع الذي يجعلهم مدفوعين مكرهين لإرسالهم إلى المدارس الخاصة وتحمل عبئها المادي لتحسين تحصيلهم العلمي، هذا لمن استطاع لذلك سبيلاً، أما من لم يستطع فهو إما مجبر على إخراجه من المدرسة لتعلم صنعة، أو تحمل تبعات هذا الواقع وما فيه من مخاطر والاعتماد على جهود الطالب الفردية، وهو أمر صعب ضمن هذه الظروف، وكأن المطلوب إفراغ المدارس الحكومية العامة من دورها التعليمي والتربوي!
والسؤال على ألسنة الحلبيين بعد ذلك كله: أين دور مديرية التربية من كل ما جرى ويجري، سواء على مستوى إدارة وتوجيه العملية التعليمية في المدارس، أو على مستوى تأمين مستلزماتها، أو على مستوى الصعوبات التي يواجهها المدرسون، أو على مستوى الظواهر السلبية المنتشرة في المدارس، أو على مستوى انتشار ظاهرة الدروس الخاصة والتعليم الخاص و»الدكاكين التعليمية»؟