قرار يشرعن المخالفات
مالك أحمد مالك أحمد

قرار يشرعن المخالفات

بذريعة رفع رسوم تسوية المخالفات، قامت محافظة مدينة دمشق بقوننة هذه المخالفات وتثبيتها، وكأن المحافظة غير معنية بالمخالفة بحد ذاتها على مستوى الردع والقمع والإزالة، بقدر اهتمامها بما يتحقق لها من موارد جراء هذه المخالفات.

فقد صدر القرار رقم 524/  م.ت تاريخ 25/6/2018، عن محافظة دمشق، والذي يقضي برفع رسوم تسوية مخالفات البناء بكل أنواعها بنسب مختلفة، وذلك بحسب ما نقلته وسائل الإعلام عن مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق مؤخراً.

قوننة المخالفات
رفع رسوم المخالفات وفقاً للقرار الأخير، «جاء استجابة لضرورة المصلحة العامة نظراً لأن الرسوم السابقة لم تكن رادعة لمرتكبي مخالفات البناء»، حسب مدير دوائر الخدمات، بالمقابل «نفى القرار أية علاقة لتاريخ ارتكاب المخالفة بقيمة حسابها ولكن يعتمد وثيقة ثبوت المخالفة قبل صدور المرسوم 40 لعام 2012، وطبق القرار اعتباراً من 9/7/2018 لجميع المخالفات التي لم تجر تسويتها قبل ذلك».
بمعنى آخر، إن مفعول القرار من الناحية العملية سيطال المخالفات التي جرت خلال سني الحرب والأزمة، وهي كبيرة بشكل كبير، ليس من أجل إزالتها بل من أجل المصالحة عليها وتسويتها، أي: أن كل المخالفات والتعديات التي جرت خلال هذه المدة ستتم شرعنتها وقوننتها، تحت عنوان رفع الرسوم كعامل ردع عن المخالفة!
كيف استوى ذلك التبرير مع تلك النتيجة؟ لا أحد يعلم سوى الراسخين بأسرار عمل المحافظة؟

أسئلة مستحقة
القرار أعلاه كبير ومتشعب بحسب نوع المخالفة ومكانها، مع الكثير من التبويبات والنسب والمبالغ المفروضة بناء عليه من أجل تسوية هذه المخالفات بالمحصلة.
وبعيداً عن الخوض بالتفاصيل لا بدّ من طرح مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها.
_ السؤال الأول الذي من الواجب الإجابة عليه هو: أين كانت المحافظة عندما تمت تلك المخالفات، وأين دورها وواجبها بعمليات ردع المخالفات وقمعها وإزالتها بوقتها، قبل عملها على تسويتها وقوننتها؟
_ أليس هذا القرار بعمقه هو تمرير وقفز على كل التجاوزات التي جرت خلال السنين الماضية، مع غض الطرف عن كل أوجه الفساد التي غطت على المخالفات طيلة هذه السنوات؟
_ أليس القرار بالنتيجة هو تعبير عن قوننة الفساد وشرعنته بذريعة تسوية المخالفة ورفع قيمة الرسوم بمقابلها؟
_ أليس القرار بمضمونه يصب في مصلحة تجار العقارات والسماسرة الذين تطاولوا على القوانين وتجاوزوها؟
_ والسؤال الأخير: أين هي المصلحة العامة وضروراتها من كل ذلك؟

هوامش إضافية وتهنئة لا بد منها!
بعض مما يلفت النظر في القرار، هو: أنه تضمن رفع قيمة المخالفة على الترميم بحيث أصبحت 400 ألف ليرة مقطوعة في حال تمت دون رخصة ترميم، علماً أن عملية الترميم بحد ذاتها ليست مخالفة بل تعتبر من الضرورات، في مقابل مبلغ مقطوع قدره 15 ألف ليرة عن كل وحدة لقاء فصل وحدة سكنية إلى عدة وحدات، و30 ألفاً عن كل وحدة تجارية..
وقد فصل القرار مخالفات دمشق القديمة عن غيرها من المخالفات بمدينة دمشق، حسب النوع ومبلغ التسوية، وعلى سبيل المثال: فإن فصل المحل التجاري إلى عدة محلات فقد حددت المخالفة بمبلغ 30 ألفاً لكل وحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار أشار إلى إصدار تسعيرة جديدة لمتر الأرض في بداية كل عام تكون الأساس في حساب قيمة رسوم التسوية.
ولعله كان من الأجدى أيضاً لو تم فصل مناطق المخالفات بحيز خاص بها على مستوى التسويات، وخاصة المقطوعة منها، فسكان هذه المناطق من المفقرين لا يمكن وضعهم بنفس الخانة مع غيرهم، خاصة وأن أبنيتهم أصلاً غير مستوفية للشروط الهندسية والصحية، وبالتالي هي الأكثر اضطراراً لعمليات الترميم ربما، ناهيك عن أن من أنشأ المباني في مناطق المخالفات هو من يستحق المخالفة وليس من يسكنها أخيراً، وخاصة بما استقطبته هذه المناطق من قاطنين جدد خلال سني الحرب والأزمة، وهؤلاء بغالبيتهم من النازحين.
أخيراً، لا يسعنا إلّا أن نهنئ متجاوزي القانون والمخالفين والتجار والفاسدين على مضمون القرار وحيثياته، ليس بمفعوله الرجعي على مستوى تغطية المخلفات التي جرت خلال سني الحرب والأزمة وفسح المجال من أجل تسويتها والمصالحة عليها فقط، بل على مستوى ما سيقومون به من مخالفات لاحقة استناداً إلى مضمون القرار الرادع!