الاتصالات... فنون سوء الخدمات
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الاتصالات... فنون سوء الخدمات

بكل سهولة تقرر السورية للاتصالات أن تعيد هيكلة خدمة الاشتراك بالإنترنت خارجاً عن حدود تعاقدها مع المواطنين المنتفعين من هذه الخدمة والمشتركين بها، تحت عنوان عريض، بمسمى: الباقات العادية وغير العادية، أو المحددة وغير المحددة، بذريعة تحسين جودة الخدمة وعلى حساب المشتركين.

 

الأسوأ هو تبرير وزارة الاتصالات، التي نفت رفع الأسعار، استناداً لما يتم الحديث عنه عن الباقات، مذكرة المواطنين أنه «برغم الظّروف الحاليّة لم يتمّ رفع أسعار الاتصالات الخلوية والثابتة خلال العامين الماضيين»، مما يؤكد: أن موضوعة رفع الأسعار غير مقيدة بأسباب موضوعية، بقدر ارتباطها بالذرائعية التي لا تخلو من الاستخفاف بالحقوق.
لا حقوق مصانة للمشتركين
حسب السورية للاتصالات، ستتم المحاسبة وفقاً لهذه الأسس الجديدة، المبتدعة، اعتباراً من مطلع العام القادم، «بحيث تكون على فئتين: باقات استهلاك محددة للمشتركين ذوي الاستهلاك العادي، وباقات غير محددة للمشتركين ذوي الاستهلاك العالي جداً(غير العادي)، مع الأخذ بالاعتبار حجم الاستهلاك العادي للشريحة الأعظم من المشتركين، بحيث لا تتأثر من موضوع تحديد الباقات، في حين ستتمكن الشرائح ذات الاستهلاك العالي جداً، والتي تستخدم الإنترنت عادة لأغراض تجارية من الانتقال إلى شريحة الاستهلاك غير المحددة بما يلبي متطلباتها»، وذلك حسب ما ورد في إحدى الصحف الرسمية.‏
كما ظهر بأن هناك تفنناً في بدعة الباقات التي يجري الحديث عنها، فقد أوضحت الاتصالات أيضاً: «أن تطبيق مبدأ تحديد الباقات لا يعني انقطاع خدمة الإنترنت عن المشترك بفئة الباقات المحددة في حال تجاوز حجم الاستهلاك المحدد للباقة لديه، بل سيحتفظ بالخدمة لكن بسرعة أخفض لحين تجديد الباقة، وأن هذه الآلية قد تتيح مستقبلاً إصدار باقات استهلاك محددة تناسب شرائح مستهلكين أقل استهلاكاً، وبأجور مخفضة عن الحالية».
هكذا وبكل بساطة يضيع حق المشترك بخدمة الإنترنت المفتوح بسرعة محددة ولقاء بدل شهري محدد، وفقاً للآلية الجديدة التي ستعمد الاتصالات على تطبيقها مطلع العام القادم، حيث ستوضع سقوف للاستهلاك حسب الباقات المزمعة، مع عدم تحديد هذه السقوف.
لمصلحة من؟
لا ندري أين ستؤول المصلحة الأخيرة وفقاً لهذا النمط الجديد المزمع من الخدمة، باعتباره مصدراً جديداً للأرباح، يقدر بالملايين شهرياً، إن لم يكن يومياً:
هل هو في مصلحة السورية للاتصالات فقط، من أجل جني المزيد من الأرباح على حسابنا؟
أم هو في مصلحة شركات الخليوي وأرباحها، باعتبار أنها محظية بالبوابات المخصصة لها من الاتصالات، ويتوفر لديها الكثير من العروض المغرية والتنافسية مع الاتصالات؟
أم في مصلحة الشركات المستحدثة لخدمة البث التلفزيوني الفضائي عبر الإنترنت وقنواته، في ظل الترويج لهذا النمط الجديد من الخدمات؟
أم في مصلحة مزودي خدمة الإنترنت من القطاع الخاص، عبر نمط جديد من التعامل معهم وفقاً لنموذج الباقات المستحدث؟
بمطلق الأحوال، إن الظاهر والبيّن أن جميع هؤلاء سيستفيدون من هذا النمط البدعة، ربحياً، على حسابنا ومن جيوبنا.
بدعة المقارنة مع الأسوأ
الأنكى أن شركة الاتصالات تمنن المشتركين سلفاً بأنها لن تقطع الخدمة عنهم في حال تجاوز حدود حجم الاستهلاك، بل ستعمد إلى تخفيض السرعة بدلاً من ذلك، وكأنها مكافأة على شكل عقوبة! وهي على ذلك لم تخرج عن عباءة الوزارة التي تتبع لها بمنطق «المنيّة» حسب ما ورد أعلاه حول عدم رفعها الأسعار طيلة السنتين الماضيتين!.
هذه البدعة الجديدة تذكرنا ببدعة الترويج للتخلص من الاشتراك بخدمة الإنترنت بالسرعات المنخفضة والاستعاضة عنها بالسرعات العالية، والتي كانت أيضاً بذريعة تحسين الخدمة في حينها، وعلى حساب المزيد من الاستنزاف لجيوب المواطنين، الذين حتى الآن لم يلمسوا ذاك الفارق في السرعات في ظل استمرار تدني جودة الخدمة، ولا ندري ما يمكن أن تتفتق عليه تلك العقلية السائدة من بدع لاحقة على حساب حقوق المواطنين.
والأسوأ من ذلك كله، هو: الحديث عن أن هذا النمط من الاشتراك بخدمة الإنترنت، وفقاً لنمط الباقات، موجود لدى بعض الدول الأخرى، وكأن وزارة الاتصالات أو الشركة السورية ترفض التحسين الفعلي للخدمة، ولا تنظر إلا إلى التجارب المحدودة والبائسة، في حين أن الكثير من الدول أيضاً توفر خدمة الإنترنت المفتوح وبسرعات عالية جداً، ودون أية معيقات أو صعوبات، وبأسعار وخدمات وجودة أفضل مما هو متوفر لدينا بكثير.
فلماذا لا تقتدي الاتصالات بهذه الدول على مستوى الخدمة والجودة والسعر؟ أم أن المقارنة مع الأسوأ بات معياراً للخدمات المقدمة حكومياً؟
سياسات تعيق الوصول للحقوق
على النسق نفسه، وبدورنا كمواطنين، نطالب بمقارنة الخدمات المقدمة حكومياً لدينا مع غيرنا من المواطنين في بلدان أخرى، حيث يمكن للمواطن قانوناً وحقاً أن يرفع دعوى قضائية بحق مزودي الخدمات في حال أخلّوا بشروط التعاقد، ويكسب تلك الدعوى من كل بد.
فخدمة الاتصالات تعتبر من الخدمات العامة، ما يعني: أنها محمية بموجب القوانين العامة، بالإضافة إلى ذلك فهي محمية بموجب القانون الخاص باعتبارها قائمة على نمط من التعاقد مع المواطنين بما يضمن مصلحتهم وحقهم بهذه الخدمة.
في المقابل، فإن السورية للاتصالات تؤكد يوماً بعد آخر بأنها غير معنية لا بمصلحة المواطنين، ولا بالقوانين العامة أو الخاصة، ولم لا؟! طالما أن الحكومة نفسها تضرب عرض الحائط بهذه المصلحة كما بالقوانين، باعتبار أن جملة الخدمات العامة مسؤولة عنها جهات حكومية، وهي ليست بحال أفضل من الاتصالات وخدماتها وأسعارها.
فهل باستطاعة أحدنا أن يرفع دعوى قضائية بحق السورية للاتصالات، أو غيرها من الجهات العامة، أو الخاصة، المسؤولة عن تقديم الخدمات، عن سوء خدماتها ورفع أسعارها خارجاً عن حدود التعاقد معها؟
ربما سيكون ذلك ممكناً عند استبدال السياسات الحكومية التي تنتهك حقوقنا منذ أبد، بسياسات أكثر عدلاً واحتراماً لنا كمواطنين..