النفخ في كور الفساد
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

النفخ في كور الفساد

كثيرة هي القوانين والمراسيم التي صدرت خلال سني الحرب والأزمة، وما سبقها من قوانين مشابهة خلال العقود الماضية، والتي تحمل بطياتها حماية مصالح شريحة المستثمرين وكبار أصحاب رؤوس الأموال والفاسدين، المحليين والدوليين ومن كل شاكلة ولون، وتشجعهم على المزيد من تراكم الأرباح في جيوبهم، على حساب مصالح البقية الباقية كلها من الشرائح الاجتماعية وحقوقهم، كما على حساب الاقتصاد الوطني نفسه.

 

اعتباراً من قوانين الاستثمار بتسمياتها المتعددة، مروراً بالإعفاءات الضريبية والمزيد منها، وصولاً للإعفاءات من غرامات التأخير والفوائد، وليس انتهاءً بكل القوانين الصادرة بما يخص مرحلة إعادة الإعمار وتشجيع الاستثمار فيه، بما فيها القانون رقم 10 الأخير.
الحقوق المهدورة
الواضح، أن المراسيم والقوانين الصادرة على مستوى ضمان حقوق المستثمرين ومصالحهم بمختلف تسمياتهم وتصنيفاتهم، والمزيد منها، لم تُغلق بواباتها بكل تأكيد، فجعبة الحكومة لم تفرغ منها حتى الآن، كما أن أطماع هؤلاء وسعيهم إلى المزيد من الربح لا حدود تتسع لها.
ولعل ذلك بالمقابل يفتح القريحة على كل نواقص حياتنا اليومية وحقوقنا المهدورة، دون أية رؤية حكومية لمعالجتها بشكل جدي، ولا حتى أية حوافز تشجيعية تمكننا من مواجهتها، كي نمضي بحياتنا دون الخشية من غدنا، وما يحمله من مجهول قد يتمخض عن المزيد من استنزاف الحقوق في ظل الاستمرار بهذا النهج، اعتباراً من سياسة تجميد الأجور التي أوصلتنا لحال الجوع والعوز، مروراً بتخفيض الإنفاق وإلغاء الدعم على الخدمات العامة، وصولاً لترهلها ورفع أسعارها كما غيرها من الأسعار في ظل حال الفلتان والجشع في الأسواق، وليس انتهاءً بحقوق التعويض عن فقد البيوت المدمرة والممتلكات المعفشة، وليس آخراً بحق النازحين بالعودة إلى بلداتهم وبيوتهم دون العراقيل والمعيقات التي تحول دون ذلك، وما أكثرها، طبعاً مع عدم إغفال الكثير من الممارسات والظواهر السلبية، التي زادت واستفحلت خلال السنين الماضية، والتي لم يتم العمل الجدي على كبحها ومعالجة أسبابها، ومحاسبة القائمين عليها والمستفيدين منها (المخدرات_ الدعارة_ التهريب_ ..) مع كل انعكاساتها السلبية اقتصادياً واجتماعياً.
ما سبق كله وغيره الكثير، تعتبر من الحقوق العامة المهدورة، التي لم تنظر إليها الحكومة جدياً، كما لم تضعها في استراتيجيتها التنفيذية على ما يبدو، بل جلّ ما يصدر بشأنها عبارة عن عباراتٍ براقةٍ وخطبٍ عصماء ووعودٍ خلبيةٍ، بينما واقع الحال يقول: إننا مقدمون على المزيد من الاستنزاف والعوز، خاصة مع كل التشريعات والقوانين، الصادرة وقيد الصدور، التي تخص شريحة المستثمرين وكبار أصحاب الرساميل والفاسدين، من أجل جني المزيد من الأرباح على حساب حياتنا ومن جيوبنا، تحت شعارات (عقلنة الدعم_ تصحيح الأسعار_ تشجيع الاستثمار_ إعادة الإعمار_ التشاركية.. وغيرها الكثير).
الجمر تحت الرماد
الأدهى بعد ذلك كله هو: الطلب منا أن نتحمل المزيد من الاستنزاف وتحمل الأعباء، بذريعة الحرب والأزمة وتداعياتها، بل والمزاودة على المواطنين بذلك أيضاً، فيما تنعم شريحة الأثرياء ومغتنو الحرب، والأزمة والفاسدون بالترف والمزيد منه، علناً وخلسة، كما بالمزيد من تكديس الأرباح في جيوبها، من تعبنا وكدنا وجيوبنا وعلى حسابنا، كما على حساب البلد وخيراته، وذلك برعاية واهتمام حكوميين منقطعي النظير.
وعندما يقول أحدنا: إن المكاييل الحكومية واضحة باختلافها وتباينها وبانعدام عدالتها، وبأنها بجوهرها محابية ولا تدور إلا في فلك مصالح شريحة أصحاب الأرباح والفاسدين على حساب مصالح كل الشرائح الاجتماعية الأخرى، وعلى رؤوس الأشهاد، هناك من يمتعض، وهناك من يستغرب، والأنكى من ذلك كله هو: استمرار التجاهل الحكومي الرسمي، كما استمرارها بمكاييلها المجحفة وغير العادلة تجاهنا ومعنا، نحن الغالبية من الشعب المسحوق والمفقر والنازح والمشرد والمهمش.
أما الأخطر، فهو: أن الاستمرار بهذا النهج المستهتر بحقوق الغالبية الساحقة، أشبه ما يكون بوضع المزيد من الحطب بالقرب من الجمر المشتعل تحت الرماد، علماً أن ذلك لن يوصلنا إلا إلى ما وصلنا إليه سابقاً، وهو: المزيد من الاحتقان بانتظار شرارة الاشتعال، مع كل وسائل النفخ فيها مجدداً، وهو ما يتم التحذير منه مراراً وتكراراً، لكن دون جدوى حتى الآن!