بث مباشر من مراكز الإيواء
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

بث مباشر من مراكز الإيواء

لا شك أن استقبال عشرات الآلاف من أهلنا النازحين من بلدات الغوطة الشرقية وتأمينهم في مراكز الإيواء هو عبء كبير، خاصة وأن أعداد مراكز الإيواء محدود، وهي غير مجهزة لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة من النازحين، على مستوى الإقامة والخدمات ومستلزمات الحياة وضروراتها.

 

هذا الواقع أحال حياة عشرات الآلاف من أهلنا النازحين في هذه المراكز إلى واقع مأساوي، ليس على مستوى مستلزمات الحياة وضروراتها فقط، بل والأهم على مستوى حجز الحرية.
نقص بالاحتياجات
الحديث الرسمي يقول: إن هناك تضافراً للجهود من قبل الجهات المعنية، الرسمية وغير الرسمية، على مستوى تأمين ضرورات الحياة ومستلزماتها في مراكز الإيواء لأهلنا النازحين من الغوطة، بل هناك نوع من التغني ببعض الإحصاءات الرقمية بهذا المجال.
فقد بيّن محافظ ريف دمشق، عبر إحدى الصحف المحلية، بتاريخ 25/3، أنه: «تم توزيع 3127 طناً من المواد الغذائية والمنظفات والخضار والفواكه والألبسة و114430 ربطة خبز من السورية للتجارة، تم توزيعها على مراكز الإيواء وعلى النازحين، مشيراً إلى قيام المحافظة بتقديم جميع الخدمات في مراكز الإيواء من صهاريج مياه وكابلات كهربائية إضافة إلى 38 ألف وجبة و10 آلاف عبوة عصير، على حين قدمت مديرية الشؤون والجمعيات في المحافظة 47 ألف سندويشة و16 ألف عبوة مياه و18 ألف صندوق حليب أطفال 950 صندوق حفاظات أطفال و3259 كيس حفاظات نسائية و3368 كيس فوط ونحو 10 آلاف قطعة صابون و1000 ربطة خبز و520 صندوق فواكه و8516 علبة مياه غازية».
لا شك بأن هذه المواد تعتبر ضرورات حياتية، بالمقابل لا نعلم مقدار التأثير الفعلي لهذه الإحصاءات الرقمية، التي تُسوق على أنها كبيرة، على حياة أهلنا النازحين ومستلزمات حياتهم اليومية بالمقارنة مع أعدادهم الكبيرة، حيث بيّن المحافظ بتاريخه أيضاً: أن «عدد النازحين وصل إلى 73180 نازحاً»، ولكم أن تتوقعوا ماذا تعني تلك الإحصاءات الرقمية بمقابل الاحتياجات الفعلية لهذه الأعداد، وماذا تعني على مستوى النقص الفعلي بها!.
أما وقد تزايدت أعداد أهلنا النازحين حتى تجاوزت الـ 100 ألف، فلكم أن تتخيلوا أي بؤس يعيشه هؤلاء في مراكز الإيواء على مستوى نقص الاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى الاكتظاظ الكبير.
أما المؤسف فهو ما تداولته العديد من وسائل الإعلام حول بعض نماذج الإذلال التي يتعرض لها أهلنا من النازحين، لقاء حصولهم على بعض الضرورات الحياتية، بما يتعارض مع أدنى إحساس بالإنسانية ومعاييرها، والشعور بالمسؤولية.
حجز الحرية
ما يزيد من حال البؤس تلك هي الإجراءات المفروضة على هؤلاء في مراكز الإيواء، وخاصة على مستوى حجز الحريات، وبعض الممارسات السلبية.
فهؤلاء، بدايةً، سحبت منهم بطاقاتهم الشخصية، وأُغلقت عليهم بوابات مراكز الإيواء، مع تشديد أمني بمنع هؤلاء من الدخول والخروج من هذه المراكز منعاً باتاً، وهي إجراءات ربما لها بعض التبريرات الرسمية، ريثما تتم عمليات التسوية للبعض منهم، وخاصة لمن هم بسن الشباب، إلا أن هذه الإجراءات معممة على الجميع، نساءً ورجالاً وأطفالاً، والاستثناء المتاح هو خروج النساء والأطفال وكبار السن من الذكور، لمن تجاوز الـ 60 عاماً، بشرط وجود كفيل لاستضافة هؤلاء، مع الكثير من الورقيات والثبوتيات والبيانات التي يجب توفيرها من قبل الكفلاء، كي يستطيع هؤلاء الخروج.
كما أن هؤلاء النازحين مسموح لهم باستقبال الزيارات من أهلهم ومعارفهم، وبزاوية مخصصة لذلك داخل هذه المراكز وتحت عين الرقابة، بما يشبه الزيارات في المعسكرات المغلقة، مع السماح بإدخال بعض المواد الغذائية أو غيرها من الاحتياجات.
هذه الإجراءات، التي يُنظر إليها رسمياً بأنها ضرورات ذات طابع أمني، جعلت من حياة أهلنا النازحين جحيماً لا يطاق، بتضافرها مع ظروف وواقع مراكز الإيواء، خاصة في ظل ترافق هذه الإجراءات مع بعض الممارسات السلبية من قبل بعض المتنفذين في هذه المراكز.
حقوق المواطنة
أهلنا النازحون من بلدات الغوطة الشرقية، الذين خرجوا منها بما عليهم من ثياب، هرباً من الموت ومن المعارك الدائرة في بلداتهم ومحيطها، يعلمون مسبقاً بأن البعض منهم بحاجة لإجراء عمليات التسوية المطلوبة رسمياً، وخاصة لمن هم بسن الشباب.
كما أن بعضهم بحاجة لتثبيت بعض الوقوعات في السجلات الرسمية (زواج_ ولادة_ وفاة_ طلاق_ وغيرها)، وبعضهم بحاجة لبدل عن وثائق التعريف الرسمية المفقودة (بطاقة شخصية_ دفتر عائلة_ دفتر خدمة العلم _ ..) والتي تعتبر جزءاً من حقوقهم كمواطنين.
وهؤلاء مدركون بأن هذه العملية، وتلك الوقوعات والثبوتيات، ستحتاج للكثير من الوقت والجهد، سواء منهم بشكل شخصي، أو من الجهات الرسمية المعنية، إلا أن ذلك يتعارض مع حجز حريتهم جميعاً، خاصة وأن الكثير من هؤلاء معهم أوراقهم وثبوتياتهم، وبعضهم تتوفر لديهم بدائل للإقامة خارج هذه المراكز، والمشكلة أنه في ظل كثرة أعداد النازحين، فإن فترة حجز الحرية بهذا الشكل، ووفقاً للإجراءات المعمول بها، ربما ستطول على هؤلاء.
أما المفاجأة الأكبر بالنسبة لهم، فقد كانت بأنهم بحاجة لمن يكفلهم في وطنهم وبلدهم من أجل الخروج من مراكز الإيواء، وكأنهم فقدوا مواطنتهم وحقوقهم بالوطن، بالمقارنة مع غيرهم من أبنائه.
ضرورات تمهيداً للعودة
المفروغ منه أن الضرورات والاحترازات الأمنية، وإجراءات التسوية المطلوبة رسمياً، لا تعني بالمقابل حجز الحريات بهذا الشكل من انتقاص حقوق المواطنة، فكيف والحال مع نقص مستلزمات الحياة وضروراتها، وحال الاكتظاظ الكبير في مراكز الإيواء.
ولعل المطلوب، بالإضافة إلى توفير المستلزمات والضرورات الحياتية للنازحين في مراكز الإيواء وزيادة أعدادها، يمكن تلخيصه بالتالي:
_ الإسراع بعمليات التسوية المطلوبة رسمياً، وزيادة أعداد القائمين على هذه العملية.
_ فسح المجال أمام من تتوفر لديه فرص الإقامة خارجاً، بالخروج من مركز الإيواء، دون بدعة شرط الكفيل التي تعتبر غير قانونية وتمس بحقوق المواطنة، بما يؤمن فرصة أفضل للإقامة بالنسبة لهؤلاء، وبما يخفف بعض الأعباء على مراكز الإيواء، وخاصة على مستوى الاكتظاظ والاحتياجات اليومية.
_ إتاحة المجال أمام أهلنا المقيمين بهذه المراكز للدخول والخروج منها، خاصة بالنسبة للمضطرين من هؤلاء من أجل مراجعة الجهات الرسمية بخصوص الثبوتيات والوقوعات.
_ فسح المجال أمام المقيمين بمراكز الإيواء والقادرين على العمل، للبحث عن فرص عمل تساعدهم على سد بعض نواقص الاحتياجات الحياتية اليومية، وهو حق مشروع، أيضاً بما يخفف بعض الضغط على المتوفر من هذه الاحتياجات بهذه المراكز.
_ منع كل الممارسات السلبية بحق أهلنا النازحين، وخاصة تلك التي تمس الكرامة وتهدرها أحياناً، سواء من قبل بعض سيئي السلوك من المتنفذين والقائمين على عمل مراكز الإيواء، أو ممن يسوّق نفسه على حساب المأساة التي يعيشها هؤلاء.

 

طبعاً كل ذلك لا ينفي ما هو الأهم من كل ما سبق من الضرورات، وهي مهمة الإسراع بعودة أهلنا النازحين إلى بلداتهم وقراهم، مع تسهيل إجراءات هذه العودة على المستويات كافة وتشجيعها، بعيداً عن كل أشكال التعقيدات والمعيقات تحت أي مسمى أو مبرر، بما يفسح المجال أمام أهلنا النازحين لاستعادة حياتهم والعيش بكرامة في بلداتهم وقراهم مجدداً، مع الانعكاسات الإيجابية لذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي عموماً، حيث تعتبر تلك المهمة الضرورية ذات بعد ومضمون وطني عام بالنتيجة والمآل.

آخر تعديل على الإثنين, 02 نيسان/أبريل 2018 18:34