ملاحظات أولية على قانون الحراج الجديد /3/
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

ملاحظات أولية على قانون الحراج الجديد /3/

صدر مؤخراً قانون الحراج الجديد رقم 6 لعام 2018، وكانت «قاسيون» قد عرضت خلال عددين متتاليين ملاحظات أولية، مقارنة بين مشروع القانون قبل صدروه، مع القانون رقم 25 لعام 2007، تناولت فيهما: (التعاريف_ مظلة الحماية القانونية_ حقوق الانتفاع_ المحظورات).

 

ومتابعة للموضوع، نورد فيما يلي ملاحظات إضافية حول القانون الجديد، بالمقارنة مع القانون القديم.
انتهاك الحراج قانوناً
فيما يخص حماية حراج الدولة، نتوقف بدايةً عند مقارنة مقدمة ما ورد بشأنها في القانونين:
ففي المادة 19 من القانون 25 لعام 2007 ورد: «حراج الدولة ثروة وطنية لا يجوز التصرف بها، أو تقليص رقعتها من قبل أية جهة كانت».
بينما ورد في المادة 14 من القانون الجديد رقم 6 لعام 2018: «حراج الدولة ثروة وطنية يجب حمايتها وتنميتها».
ولعله من الواضح أنه بموجب النص القديم، هناك منع مطلق بالتصرف بالحراج، أو تقليص رقعتها، من قبل أية جهة كانت، بينما تم إغفال ذلك بموجب القانون الجديد، ما يعني إمكانية التصرف بالحراج، بالإضافة لإمكانية تقليص رقعتها كذلك الأمر، وهو يعتبر تراجعاً على مستوى الحماية الحقيقية للحراج.
أما فيما يخص ما هو ممنوع بموجب القانون، نكتفي بالفقرة /ج/ من المادة 19 بموجب القانون 25 بالمقارنة مع الفقرة /ج/ من المادة 14 في القانون الجديد.
فالفقرة /ج/ من المادة 19 في القانون 25 لعام 2007 تقول: يمنع «إنشاء أو تبديل أو نقل أي حق عيني على أراضي حراج الدولة، ولا تقبل أية دعوى عينية بهذا الشأن إلا لصالح الدولة».
بينما أصبحت بموجب الفقرة /ج/ من المادة 14 من القانون الجديد على الشكل التالي: يمنع «إنشاء أو تبديل أو نقل أي حق عيني على أراضي حراج الدولة، باستثناء تبديل مواقع حقوق الارتفاق بالمرور بما يناسب مصلحة الحراج وفق القوانين والأنظمة النافذة».
هناك فارقان جوهريان بين النصين أعلاه:
الأول: هو الاستثناء بما يخص تبديل حقوق الارتفاق بالمرور، وهي بوابة واسعة تفتح على إمكانية انتهاك الحراج بشكل واسع، بذريعة هذا التبديل الذي أجازه القانون الجديد، حتى دون دعوى.
والثاني: هو تغييب «مصلحة الدولة» والاستعاضة عنها «بمصلحة الحراج» بما يخص الحقوق العينية إجمالاً، مع ما يعنيه ذلك من مصالح قد لا تعني حمايتها الحراج بعينها، لكنها تخص وتعني حماية مصلحة الدولة عموماً.
إضافة «صغيرة» توصل للجحيم
كما تجدر الإشارة إلى فقرة جديدة تمت إضافتها على ما هو ممنوع بموجب المادة 14 من القانون الجديد، فقد نصت الفقرة /ن/ على ما يلي: يمنع «تخصيص حراج الدولة لأية جهة عامة إلا ضمن القواعد والأسس التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير».
والترجمة التنفيذية لذلك هي: أن حراج الدولة ممكن تخصيصها للجهات العامة، لكن بموجب قواعد وأسس مقرة من قبل مجلس الوزراء. ولا نعلم أية بوابة للجحيم قد تُفتح على الحراج، في مقابل هذا «المنع» الذي أباح التخصيص؟
وإن بدا للعيان أن الفروقات أعلاه كانت مقتصرة على مفردات وعبارات محدودة لا غير، إلا أن النتيجة المتوقعة من هذه الفروقات البيّنة بما يخص حماية حراج الدولة، وما هو ممنوع بموجب القانون، هو المزيد من الانتهاك للحراج، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في مساحاتها وتقليص رقعتها، وطبعاً لا يغفل عنا أن ذلك سيتم استغلاله واستثماره على المستوى التنفيذي لمصلحة القطاع الخاص أولاً وآخراً، خاصة مع تغييب مصلحة الدولة جهاراً نهاراً عن ذلك، بموجب القانون الجديد.
بوابات مشرعة للاستثمارات
نأتي الآن على ما يمكن اعتباره تراجعاً كبيراً على مستوى حماية الحراج والغابات لمصلحة الاستثمار والمستثمرين، فقد نصت المادة 25 من القانون 25 لعام 2007 على ما يلي:
«لا يجوز إنشاء أية منشأة صناعية أو خدمية أو سياحية داخل الحراج باستثناء منشآت السياحة البيئية، كما يمنع إنشاء أية منشآت صناعية تستخدم النار، أو تسبب نفاياتها الغازية، أو السائلة، أو الصلبة، أي ضرر على الحراج على أي بعد، أما المنشآت غير ذات الضرر فتنشأ على مسافة لا تقل عن 500 متر عن حدود الحراج».
أما بموجب القانون الجديد، فقد نصت المادة 17 منه على ما يلي:
أ_ يمنع إنشاء أية منشأة ثابتة مهما كان نوعها، أو طبيعتها، داخل الحراج وحرمه باستثناء المنشآت المسموح بإنشائها بموجب هذا القانون.
ب_ يمنع إنشاء أية منشأة تسبب نفاياتها الغازية، أو السائلة، أو الصلبة، ضرراً للحراج على مسافة تقل عن 1000 متر من حرم الحراج.
ج_ يمنع إنشاء أية منشأة خدمية، أو صناعية، أو زراعية، أو سياحية، غير ضارة بالحراج على مسافة تقل عن 10 متر من حرم الحراج.
د_ تصنف المنشآت من حيث ضررها بالحراج بقرار من الوزير، بالتنسيق مع وزارات الصناعة والسياحة والإدارة المحلية والبيئة.
ه_ يسمح بإقامة الأبنية السكنية على الأملاك الخاصة المجاورة لحراج الدولة، إذا كانت هذه الأبنية واقعة داخل المخططات التنظيمية، ووفق نظام ضابطة البناء على أن تتخذ احتياطات الأمان اللازمة.
بالمقارنة بين النصين، نتوقف عند أهم نقاط التراجع في الحماية حسب ما يلي:
_ كل المنشآت التي تسبب ضرراً على الحراج كانت ممنوعة على أي بعد بموجب القانون القديم، بينما أصبحت بموجب القانون الجديد مسموحة على بعد 1000 متر من حرم الحراج.
_ المنشآت غير ذات الضرر كانت مسموحة على مسافة لا تقل عن 500 متر عن حدود الحراج، بينما أصبحت بموجب القانون الجديد مسموحة على مسافة لا تقل عن 10 متر من حرم الحراج.
وهنا لا بد لنا من التذكير بحرم الحراج حسب التعريف بموجب القانونين، فبموجب القانون 25 هو: «منطقة محيطة بالحراج بعمق 200 متر تبدأ من كل حد من حدود المنطقة الحراجية».
بينما بموجب القانون الجديد فهو: «منطقة محيطة بالحراج وخالية من المنشآت بعمق 25 متراً تبدأ من كل حد من حدود الأراضي الحراجية».
بمعنى آخر فإن المنشآت غير ذات الضرر أصبحت على بعد 35 متراً من حدود الحراج، أي كأنها بداخله عملياً، والمنشآت الضارة على بعد 1000 متر فقط، مع العلم أن تصنيف المنشآت من حيث الضرر تركت للوزير بالتنسيق مع وزارات أخرى، ولا أحد يمكن أن يعلم مآلاتها التنفيذية!
تراجع واضح
لعل مقدار وحجم التراجع بين القانونين حسب الملاحظات أعلاه واضح وجلي، ليس على مستوى ما يمكن أن يلحق بالحراج من ضرر من خلال المنشآت الصناعية أو غيرها، التي من الممكن أن يسمح لها بالإشادة داخل الحراج أو بالقرب من حرمه، بل ومن خلال تراجع حدود الحرم الحراجي نفسه، والذي أصبح 25 متراً فقط. بالإضافة للانتهاكات التي ستتعرض لها الحراج بذريعة حق الارتفاق، والتخصيص الذي قد تتعرض له الأراضي الحراجية.
ولعل من المفروغ منه: أن هذا التراجع لا يصب إلا في مصلحة أصحاب الاستثمارات الصناعية والسياحية والزراعية وغيرها، على حساب الحراج والغابات، ناهيك عن الاستثمارات العقارية التي شرعت لها بوابة الانتشار والاتساع في الأملاك الخاصة المجاورة للحراج كذلك الأمر.
وللحديث تتمة ومتابعات، مع ملاحظات إضافية، في أعداد قادمة..