واو ونون وما يسطرون!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

واو ونون وما يسطرون!

حدثنا «مُفقر ابن منتوف الريش»، قال:

هممتُ لشراءِ بعض الحاجياتِ من السوق، وفي جيبي ما بقيّ من راتبي قبل النفوق.
فكانت أسعارُ السلّع كاوية، وتكاليفُ قائمةِ المدام لطبخة «المحاشي» جدُ غالية.
فالكوسا بالعلالي، والباذنجان الأسود أكثرُ تعالٍ، وورق العنبِ يا حسرتي، كان مفقود الأسواق الغالي، والرز أصنافٌ وألوانٌ لم تطاوله أحلام خيالي، وأما لحمُ الضاني فقد كان سعره يا هُما لالي.
أما طامتي الكبرى، فقد كانت الخشيةُ من غضبِ المدام، وما يتلوه من استياءٍ وانطواء، وصمتٍ وجفاء، وهجرٍ وانكفاء، فقد ضاعت أحلامُها بطبخة «المحاشي» التي لا تُغطيها تناتيفُ معاشي.
وفي لًجةِ ازدحامِ المكان، التقيتُ بجاري «حيرانُ ابنُ الهريان»، فشكوت له همي وغمي، ومصيبتي مع زوجتي، ومعاشي الذي فرغَ منه الجزدان، بعد أن سددت فواتير الهاتف، والكهرباء والماء، وديون الحمصاني والسمان.
فما كان من جاري «حيران» إلا أن انفجر كالبركان، قائلاً:
مُصيبتنا مع الكبار ممن يأكلونَ ولا يشبعون، يسرقونَ وينهبون، وعلى حسابنا بالمعيشة يرفلون.
فتراهم يشترون ويبيعون والأرباح يكنزون، وفوق كل ذلك هم بدعم الحكومة ينعمون، يتقاسمون جهدنا وتعبنا ولحاجاتنا يستغلون.
فليس همها، أو همهم إن كنت شبعان، أو من نقص الغذاء جوعان، ولا إن كنت مرضان، أو أن تمشي بالطرق شبه عريان، وحتى وإن كنت مشرداً بلا سكن وعنوان، فذلك آخر همهم، أو ربما هي فرصة لتجار البناء وسماسرة العقارات من المتصيدين والفاسدين.
أما الأدهى من هؤلاء، فهم المرتزقة والمزاودون، الذين على أنقاض كارثتكَ  يتسيدون، فتراهم في مدح الحكومة أبيات شعر يسطرون، وعلى أمواج تمجيد الأرباح يركبون.
وختم «ابنُ منوف الريش» حديثه بالقول:
سددتُ فاه جاري «حيران»، بعد أن أصابني الدوار، وانتابتني مرارةُ الحاجة والانكسار، ومعاناة الراتب الهزيل من سماسرة السوق والتجار، وتحالف سياسات التجويع والإفقار، مع ألوان الفساد واستبداد الفجار.
وقررتُ استعطاف زوجتي، كي تغض طرفها عن طبخة «المحاشي»، والرجوع للسمان والحمصاني، كي يعيدا فتح قيود ديوني، بانتظار نفخ الروح في المتوفي.. معاشي.