هل تصمد وزارة التجارة في حربها؟

هل تصمد وزارة التجارة في حربها؟

فعلتها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وفتحت الحرب ضد التجار بشكل مباشر. هو خيار كان لابد منه لكنه بحاجة لأرضية ثابتة وأسلحة فعالة وذات تأثير.

حالياً، تعاني الوزارة من هجوم مضاد، سواء من التجار الكبار أو حتى من الجمعيات الحرفية، أو من أصحاب المحال التجارية، ما يتطلب من الوزارة التمسك بقرارات خفض الأسعار واتخاذ الوسائل اللازمة للثبات والدفاع عنها.
اعتاد التجار على وضع السعر الذي يريدون، وبالنسبة التي تحقق طمعهم، وفي الوقت الذي يرونه مناسباً، حتى وصلت الأسعار إلى حدود غير منطقية ولا تتناسب فعلاً مع نسبة ارتفاع سعر الصرف كما يتحججون مراراً، فعلى سبيل المثال لا الحصر: سعر عبوة المتة كانت تباع سابقاً قبل الحرب بـ 25 ليرة سورية، حين كان سعر الدولار 50 ليرة، أي: نصف دولار، واليوم، سعر عبوة المتة 550 ليرة أي: أكثر من دولار الذي سجل في مصرف المركزي سعر 510 وسطياً.

ضغط شعبي مثمر
بعد انخفاض سعر صرف الدولار، بدأت وزارة التجارة، وبضغط شعبي كبير، بحملة لخفض الأسعار، لكن كبار التجار والجمعيات الحرفية استشاطوا غضباً، بحجة أن الأسعار التي وضعتها الوزارة لم تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الكلف والتقلبات السعرية وأجور العمال، وضرائب الحكومة ذاتها التي تضاعفت أكثر من تضاعف سعر الصرف على حد تعبيرهم، وتحرير أسعار المحروقات التي كانت مدعومة سابقاً.
لطالما طالب أولئك برفع الأسعار من قبل الوزارة حينما يطال سعر الدولار أي ارتفاع ولو كان طفيفاً، وعندما لا يتم التجاوب معهم، يقومون برفع الأسعار من تلقاء أنفسهم مستغلين ضعف وسائل الوزارة في ردعهم، وحالياً، انخفض سعر الصرف، ولايزالون يستغلون ضعف الوسائل، ويرفضون خفض الأسعار لتحقيق نسب الربح التي يريدون.
أكثر ما يمكن أن تفعله وزارة التجارة، هو: تعديل قانون حماية المستهلك وتشديد عقوبة المخالفين، وفرض عقوبات هنا وهناك، وغالباً ماتكون الضحايا تجار المفرق، أي: أصحاب المحلات الصغيرة التي تكثف الوزارة دورياتها عليهم، وهؤلاء محكومون بهامش ربحٍ غالباً، بينما يتحكم بسعر المادة الأساسية أصحاب المعامل أو المستودعات المحتكرة والمستوردون، لكن هذا لا يعني أن الحلقة الأخيرة للبيع لا يمكن أن تكون محتكرة ومتحكمة بالأسعار.

حرب ومناورة
مؤخراً، وفي خضم «معركة المتة» بين التجار ووزارة التجارة، اتهم مورّدوا المادة بائعي المفرق باحتكارها لبيعها بسعر مرتفع، مدعين أنهم طرحوا كميات من المادة بالسعر الجديد المحدد من قبل الوزارة بـ 275 و300 ليرة، لكن الباعة رفعوا السعر لـ 550 لتحقيق أرباح كبيرة على حسابهم، لكن، سرعان ما تبين زيف ذلك!
بالتواصل مع أحد أكبر موردي المتة، تبين وجود خلاف بينه وبين الوزارة على السعر المحدد من قبل الأخيرة، استناداً إلى الكلف الحقيقية المذكورة في إجازات الاستيراد، مادفعه لتوقيف ضخ الكميات المعتادة إلى السوق، والاكتفاء بكمية قليلة جداً، ما خلق مشكلة في السوق بارتفاع الطلب وانخفاض المعروض.
أيضاً، أصحاب أفران المعجنات كان لهم دور في اللعبة، حيث قاموا باختصار حجم الأقراص وكمية المادة الأساسية الداخلة في تصنيعها، كالجبن واللحم وما إلى ذلك، في حين لم يلتزم كثير منهم بالتسعيرة الجديدة، كما أصحاب محلات الفروج، الذين باتوا يبيعون البروستد والمشوي بوزن أقل من السابق، ودون بطاطا أو مايونيز.
هي مناورة يقوم بها هؤلاء، ليس من الواضح بعد إن كانت دوريات حماية المستهلك ذات الإمكانات البسيطة، قادرة على ضبطها، فالقرارات الأخيرة التي اتخذتها الوزارة بحاجة إلى منظومة عمل مدروسة جيداً، ووسائل قوية وذات فاعلية، وتأهيل كادر لا يضعف أمام الرشاوى، إضافة إلى تكاتف جهود الحكومة ككل في سبيل هذا.
مطالب....
نائب رئيس الجمعية الحرفية للمقاهي والمطاعم والمنتزهات، قال لـ «قاسيون»: إن عملية التسعير الجديدة، يجب أن تترافق بعدة خطوات، منها: الحفاظ على أسعار الكلف الأساسية التي تدخل في عملية الإنتاج، إضافة إلى دعم بعض المواد الأساسية للحرفيين والصناعيين، كالغاز والمازوت والزيت والطحين، فالأسعار التي كانت موضوعة قبل الحرب، لا تعتمد فقط على سعر الصرف، بل على حجم الدعم الحكومي المقدم لمواد أساسية عدة.
وتابع: «وإن لم يتم دعمها، يجب على الأقل ضمان استمرار تأمينها بالسعر الرسمي المحدد دون انقطاع، فقد يعاني الصناعيون والحرفيون في الشتاء من تأمين الغاز والمازوت، وشرائها بأسعار مرتفعة من السوق السوداء»، مشيراً إلى أن «فواتير الكهرباء وغيرها من فواتير، ارتفعت قيمتها لأضعاف مضاعفة، يجب أيضاً إعادة النظر بها بالنسبة للصناعيين والحرفيين: لضمان استمرار خفض الأسعار».
وكما التجار مُطالبَون بخفض أسعارهم، الحكومة اليوم مَطالبَة بإعادة النظر بحجم الدعم المقدم، وبأسعار الخدمات التي تقدمها، قياساً لانخفاض سعر الصرف، كتعرفة الاتصالات والكهرباء والمياه والضرائب وما إلى ذلك.

حجم الفلتان الحاصل في الأسواق منذ سنوات، وهامش «الدلال» الذي حظي به التجار، جعل من عملية ضبط الأسعار وفقاً للتخفيضات الجديدة أمراً في غاية الصعوبة، فقد اكتسب التجار خبرة كبيرة وتمرساً في المناورة خلال سنوات الحرب السابقة، وكان دور وزارة التجارة الضعيف مساعداً في ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
833