ليس تذبذب أسعار بل تحكماً مفرطاً!
مالك أحمد مالك أحمد

ليس تذبذب أسعار بل تحكماً مفرطاً!

ملّ المواطن من الواقع السعري المتذبذب للسلع، والمتجه صعوداً، وخاصة للمواد الغذائية، كما ملّ من تكرار الشكاوى التي تنتهي دون نتيجة غالباً، وما ملّ منه أكثر من كل ذلك هو: التبريرات التي تؤكد المؤكد بالنتيجة، وهو واقع التذبذب الدائم لمصلحة كبار التجار على حسابه.

فقد بدأت موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار على المواد الغذائية مع بدء فصل الخريف وبداية فصل الشتاء. بعض أسباب هذه الارتفاعات لها الجانب الموضوعي، وخاصة على مستوى الخضار، وغالباً ما تكون لأسباب ربحية احتكارية، كما جرت عليه العادة في الأسواق.
ذرائع مستهلكة
مما لاشك فيه أن الخضار والفواكه يتراجع إنتاجها المحلي مع نهاية فصل الصيف، الأمر الذي يؤدي عملياً إلى تفاوت العرض والطلب، والتسبب برفع سعرها تدريجياً.
لكن مع أساليب التحكم والاحتكار، وخاصة على مستوى المعروض، المتحكم به مسبقاً من قبل بعض التجار والمحتكرين، من هذه السلع في الأسواق، أدى ويؤدي إلى المزيد من رفع الأسعار من أجل الحصول على الربح الاحتكاري، وهو ما يتم عملياً.
المضحك، هي التبريرات المسوّقة بمقابل هذا التذبذب والرفع المتتالي للأسعار، والتي كان آخر ما حرر فيها هو: أن الرفع الأخير على أسعار الخضار في الأسواق هو سحب كميات من الخضار والفواكه من أجل شحنها إلى مدينة دير الزور، ما أدى إلى التفاوت في العرض والطلب في الأسواق!.
قد يكون لهذا التبرير ما يسوغه نظرياً، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، فالكميات المشحونة من المواد الغذائية بأصنافها كافة إلى دير الزور هي كميات محدودة بالمحصلة، وهي بالكاد يمكن أن تؤثر على كميات المعروض منها في بقية الأسواق، ما يؤكد أن هذه المسوغات لم تكن إلا ذريعة مستهلكة كما غيرها، غايتها أولاً وآخراً لي ذراع الحقيقة القائلة بأن الأسواق متحكم بها بشكل كبير وعميق من قبل كبار التجار، على حساب المستهلكين، بغض النظر عن أماكن وجودهم.
تهريب
كذلك هي حال أسعار الفروج والبيض، والتي تتذبذب هي الأخرى، وغالباً باتجاه الرفع، إلا ما ندر، وفي كل مرة بذريعة وحجة، في حين أن واقع الحال يقول: إن السبب الرئيس لهذا التذبذب ارتفاعاً بسعر لحم الفروج والبيض هو واقع عمليات التهريب الجارية على قدم وساق، حيث يتم إدخال الفروج المهرب إلى الأسواق الداخلية، في حين يتم تهريب البيض إلى الأسواق الخارجية، وهذه حقيقة تؤكدها الكثير من التصريحات الرسمية، بمقابل الكثير من التصريحات التي تقول: أن واقع الانتاج بهذا القطاع باتجاه التزايد، في حين لم يلمس المستهلكون أية إيجابية على مستوى الأسعار انخفاضاً في السوق لهذه المنتجات، مع التأكيد على أن الاستثناءات المحدودة زمنياً ومكانياً تؤكد هذه القاعدة ولا تنفيها.
حقيقة تفقأ العين!
وبعد ذلك كله تأتي التصريحات الرسمية التي تؤكد الحرص على مصلحة المنتجين والمستهلكين، والتي يتم تتويجها عبر الحديث عن فتح أسواق لتصريف فائض الإنتاج المحلي من الخضار الفواكه والفروج والبيض، بما يحقق الاكتفاء الذاتي من السلع بالسعر المقبول للمستهلك، ويؤمن تصريف الفائض بما يحقق مصلحة المنتجين والحد من خسائرهم، في حين يكتوي المنتج والمستهلك عبر مقص الأسعار الذي يتحكم به كبار التجار (مصدرين- مستوردين- مهربين) في الأسواق، بغض النظر عن كل ما يتم الحديث به عن دور لمؤسسات الدولة على هذا المستوى.
فالنتيجة التي باتت تفقأ العين هي: إن دور هذه المؤسسات لم يخرج عن حيز الداعم والمؤازر لواقع الذبذبة في الأسعار باتجاه المزيد من الصعود والرفع، على حساب المنتج والمستهلك ولمصلحة التاجر والمصدّر والمهرب في نهاية المطاف.
تغيير وجهة الدور الرسمي
لعله بعد ذلك كله يمكننا القول: إن الدور الرسمي على مستوى ضبط إيقاع حركة السوق بحاجة إلى إعادة النظر جملة وتفصيلاً، اعتباراً من مصالح المنتجين، وخاصة على مستوى الإنتاج الزراعي والحيواني وتفرعاته الكثيرة، وآليات الدعم لهؤلاء بالشكل الذي يبعد عنهم شبح التحكم بهم وبإنتاجهم من قبل التجار والسماسرة، وصولاً لمصلحة المستهلكين والتي تتمثل بالسلع التي تمتاز بأفضل مواصفة وأخفض سعر، مع التركيز على الدور النهائي في الأسواق لهذا وذاك على مستوى الرقابة والمتابعة الدائمة.
علماً أن ذلك كله ليس بالكثير أو غير المقدور عليه رسمياً، فالجهات العامة المناط بها هذه الأدوار كثيرة وعديدة ومتعددة المهام والواجبات، ولديها الإمكانات الكفيلة بتحقيق ذلك كله، لكن يبقى الأهم هو أن يتم اعتماد تلك السياسات التي تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المنتجين والمستهلكين كأولوية وهدف نهائي، وليس مصلحة كبار التجار والسماسرة والمهربين كما هو حال السياسات الرسمية المتبعة حالياً.
بعبارة مباشرة وأكثر وضوحاً، يجب أن يتم القطع مع السياسات الليبرالية الرسمية المحابية لمصالح كبار أصحاب رؤوس الأموال، بمختلف تسمياتهم (تجار- مستثمرين- مصدرين- مستوردين- مهربين- وغيرهم).
ومن دون ذلك ستبقى الوعود الخلبية هي السائدة، وستستمر التصريحات منزوعة الدسم تصم آذاننا صباح مساء، مع المزيد من الإفقار للشرائح الواسعة من المواطنين، الذين ملّوا واكتووا من تلك السياسات العقيمة تجاههم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828