الضمان الصحي لمصلحة من؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الضمان الصحي لمصلحة من؟

الضمان الصحي هو أحد أشكال التأمين، وهو اتفاق بين طرفين (مزود الخدمة والمؤمن عليه) بحيث بقوم مزود الخدمة بتأمين الخدمات العلاجية للمؤمن عليه، لقاء مبلغ محدد على شكل أقساط شهرية، أو دفعة واحدة.

ومفهوم الضمان الصحي قائم على مبدأ توزيع الخطر الذي قد يواجه الفرد، وذلك بتخفيف الأعباء والتكاليف المترتبة عند الحاجة لمعالجة الحالات المرضية، التي يتعرض لها المؤمن عليه، وهو على ذلك يعتبر نظاماً اجتماعياً قائماً على التعاون والتكافل بين الأفراد، ودور شركة التأمين بهذا المجال يكون باطار تنظيم هذا الشكل من الاستفادة بتوزيع المخاطر لقاء البدل المادي المتفق عليه.
مليون ليرة من جيب المؤمن عليه
هذا التعريف الافتراضي لم يجد ترجمته العملية عند بعض المؤمن عليهم من المعلمين المتقاعدين، حيث وردنا من أحد هؤلاء شكوى مضمونها: أنه سبق أن انتسب وسجل عبر النقابة بالضمان الصحي، بناء على العقد الموقع بين النقابة والسورية للتأمين، وعبرها مع إحدى الشركات الطبية الخاصة «الرعاية الطبية»، وقد جرى تأخر بتسليم البطاقة التأمينية الصحية له ولبعض من المؤمن عليهم من زملائه المتقاعدين.
وخلال فترة التأخر تلك اضطر لإجراء عمل جراحي بأحد المشافي الخاصة مطلع شهر تموز الحالي، تمثل باستئصال بروستات جذري مع تجريف، بالإضافة إلى التحاليل والصور، مع منامة لمدة ثلاث أيام في المشفى، وقد تجاوزت قيمة فاتورة المشفى مبلغ 700 ألف ليرة سورية، بالإضافة لبعض النفقات الصحية السابقة واللاحقة الأخرى، بحيث قاربت التكلفة الإجمالية للعمل الجراحي ومتممات العلاج مبلغ المليون ليرة سورية، تكبدها من جيبه وعلى حسابه، وذلك بسبب عدم قبول الجهة المؤمنة والنقابة على تحمل هذه النفقة، بذريعة عدم دخوله المشفى استناداً للبطاقة الصحية، والتي من المفترض أن تكون بحوزته نهاية شهر أيار. على أبعد تقدير، وذلك بناءً على وعود النقابة.
ومازال صاحب العلاقة «الشكوى» يقوم بالمتابعة مع هذه الجهات من أجل استعادة حقه دون جدوى حتى الآن!.
تربُح على حساب المؤمن عليهم
من المفترض أنه بمجرد الانتساب تبدأ التغطية التأمينية لمصلحة المؤمن عليه، بغض النظر عن وجود البطاقة التأمينية من عدمه، باعتبارها وثيقة متممة بحوزة المؤمن عليه، لتسهيل بعض الإجراءات وسرعتها ليس إلا، فكيف الحال أنّ عدم وجود البطاقة التأمينية لم يكن المؤمن عليه متسبباً بها، بل تتحمل النقابة والسورية للتأمين سبب التأخر بتسليمها، وعلى هاتين الجهتين واجب تجاوز ما يمكن أن يطلق عليه روتين ولوائح وتعليمات في مثل هذه الحالة لمصلحة المؤمن عليه، باعتبار التغطية التأمينية من حقه قانوناً.
على ذلك فقد أصبح التأمين الصحي بالنسبة لمثالنا السابق من المعلمين المتقاعدين وغيره، وكأنه فرصة للتربح على حساب المؤمن عليهم، وضد مصلحتهم، فيما تحصد السورية للتأمين وشركة الرعاية الطبية الخاصة، وغيرها من الشركات الخاصة الأخرى، المزيد من الأرباح من جيوب هؤلاء وعلى حساب وضعهم الصحي، ومعيشتهم عموماً، في تغييب تام لمفهوم التعاون والتكافل القائم عليه قطاع التأمين افتراضاً، وليصبح الشكل العملي له على المستوى التنفيذي عبارة عن تحصيل للأقساط من قبل المؤمن عليهم، لتصب على شكل أرباح في خزانة شركات التأمين والرعاية الصحية الخاصة، هكذا...
والأسوأ أن النّقابة لم تقم بدورها على هذا المستوى، بصيانة حقوق هؤلاء ومتابعة مصالحهم!.
عقد الضمان الصحي للمعلمين
مطلع عام 2017 تم الاتفاق بين المؤسسة العامة السورية للتأمين وبين نقابة المعلمين على عقد التأمين الصحي للمعلمين، ولا سيما المتقاعدين، وهو عقد تأمين اقتصادي ستقوم النقابة من خلاله بتسديد الأقساط مع حرية طلب التغطيات التي تريدها، مقابل بدل يتم الاتفاق عليه.
وذكر نقيب المعلمين بحينه، عبر إحدى وسائل الإعلام، أنه تمّ قطع أشواطٍ جيدة بهذا العقد، والذي بموجبه يدفع المتقاعد مبلغ / 18/ ألف ليرة سنوياً وبدعم نقابي مقداره ألفا ليرة لتصبح قيمة بوليصة التأمين عشرين ألف ليرة عن كل زميل، مقابل أن يحصل على خدمات صحية تتضمن زيارات الأطباء والعمليات الجراحية، يضاف إليها العلاج السني والنظارة الطبية.
وأضاف: إن النقابة تقوم الآن بالتواصل مع الزملاء المتقاعدين الراغبين بالاشتراك لأخذ موافقاتهم وتعهداتهم بالدفع حرصاً على إنجازه المشروع بالشكل الأمثل، الذي ينعكس إيجابياً عليهم، مشيراً إلى أن العقد المزمع توقيعه يتضمن أيضاً إمكانية التأمين على أسر المتقاعدين بالشروط نفسها.
وقد شمل العقد دخول مشفى بتكلفة صفرية من قبل المؤمن عليه، وبسقف أعلى لا يتجاوز مبلغ مليون ليرة سنوياً، وزيارة الطبيب بتكلفة صفرية من قبل المؤمن عليه، والأدوية المزمنة يتحمل المؤمن عليه نسبة 15% من تكلفتها، ويتحمل نسبة 10% من تكاليف الأدوية والفحوصات، وبسقوف سنوية لكل منها.
تأخر تسليم البطاقات
في شهر نيسان أوضح مدير التأمين الصحي بالمؤسسة العامة للتأمين في حديث إذاعي أنّه لا يوجد أي تأخير في إصدار بطاقات التأمين الصحي للمتقاعدين في أي فرع من فروع نقابات المعلمين، إلّا أنه تم إجراء عرض مالي وفني لصيغة التأمين الصحي بين مؤسسة التأمين ونقابة المعلمين، والرقابة المالية المركزية. أرسلت بدورها العرض إلى فروع النقابة كافةً وهذا ما أخّر إصدار البطاقات.
وأضاف: أن بطاقات التأمين الصحي للمعلمين المتقاعدين المسجلين في النقابات أصبحت جاهزة وسارية المفعول اعتبارا من الأول من شهر نيسان، والتأخير الحاصل في الفروع كافةً بسبب إجراءات روتينية، وأوضح أن من لم يسجل من المعلمين المتقاعدين فليسارع للتسجيل في فروع النقابات في المحافظات.

برسم نقابة المعلمين
بالعودة لمثالنا السابق عن أحد المتقاعدين المنتسبين للضمان الصحي، وشكواه من عدم الموافقة على صرف ما تكبده من جيبه كنفقات علاج وعمل جراحي، فإن من سارع من هؤلاء لاحقاً للتسجيل بناءً على كلام مدير التأمين الصحي في السورية للتأمين، ولم يحصل على بطاقته، يجب ألا يفقد حقه في الضمان الصحي، بغض النظر عن موضوع تسليم البطاقة والتأخر بها، أو غيرها من الذرائع الأخرى التي تعيق وصول الحقوق لأصحابها، باعتبار أن العقد يعتبر ساري المفعول اعتباراً من شهر نيسان، وعليه يجب ألا يضطر لتحمل وتكبد النفقة من جيبه وعلى حساب قوته ومعيشته، حقاً وقانوناً.
ولعل المسؤولية الأولى بمتابعة حقوق المعلمين المنتسبين للضمان الصحي، وخاصة المتقاعدين منهم، تقع على عاتق نقابتهم بالدرجة الأولى، خاصة وأن السورية للتأمين نفسها أوجدت مبرراً لها بالتأخير في البطاقات تحت يافطة «الروتين»، فكيف بحال الحقوق التي يجب ألا تهدر بسبب هذه الذريعة، لا من قبل النقابة ولا من قبل السورية للتأمين، والشركات الخاصة المتعاقدة معها من أجل تقديم الرعاية الصحية للمؤمن عليهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
819