هل معركة مول قاسيون بوابة لاستعادة ملكيات الدولة؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

هل معركة مول قاسيون بوابة لاستعادة ملكيات الدولة؟

كثيرة هي المخالفات والتجاوزات والتعديات على ملكيات الدولة والأملاك العامة، من قبل القطاع الخاص، وهي قضية مركبة ومتراكمة ومستمرة منذ عقود عديدة، ولعل قضية مول قاسيون المثارة مؤخراً تكون فاتحة العبور نحو وقف هذه التعديات ووضع حدود أمام المخالفات السائدة فيها.

بعض أنماط ونماذج المخالفات والتعدي والتجاوزات لها الطابع القانوني، إيجاراً أو استثماراً، وبعضها الآخر أخذ شكل وضع اليد والمصالحة والتسوية اللاحقة، وأحياناً دون كليهما، وجميعها قائمة ومستمرة عبر بوابات تشجيع الاستثمار والفساد، وذرائع أخرى عديدة، استطالت وتوسعت من خلال السياسات الحكومية الليبرالية المتبعة والمحابية للاستثمار والمستثمرين منذ عقود، على حساب الملكيات العامة وملكيات الدولة، وعلى حساب المواطنين والوطن.
مساعي خلط الأوراق
المستفيدون من هذه التجاوزات والمخالفات، مستثمرون وتجار وفاسدون، لن يكونوا مع إعادة تصويب الأمور واستعادة الدولة لملكياتها وإدارتها، من كل بد، وسوف يسعون بكل جهدهم من أجل عرقلة أي توجه يصب في هذا الاتجاه، كما وسيستخدمون وسائلهم المتاحة كافةً من أجل التشويش على جوهر الأمر، المتمثل بحق الدولة أن تستعيد ملكياتها، وتوجيه الأنظار نحو أمور ثانوية بهذه القضية، قد يأخذ بعضها أشكالاً حقوقية مرتبطة بها، ولكنها بعيدة عن جوهرها وغايتها.
قانونية السبل المتبعة
قضية مول قاسيون المثارة، وما قيل وروج عنها عبر الإعلام خلال الفترة الوجيزة الماضية، مثال حي ونموذجي عما سبق، حيث بدأ الأمر بتوجه لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك غايته استعادة الملكيات التابعة لهذه الوزارة وجهاتها التابعة إليها، وقد لقي هذا التوجه الدعم الحكومي المطلوب، وتم التنسيق مع وزارة العدل من أجل اعتماد الصيغ القانونية اللازمة من أجل تنفيذه وإيصاله لغاياته، وبالفعل تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وجرى الحديث عن صدور العديد من القرارات التي تتضمن استعادة ملكية العديد من العقارات والفنادق والصالات، وغيرها من الملكيات العقارية الأخرى، والبالغ عددها المئات، التي كانت بتصرف جهات القطاع الخاص منذ سنين، ومن ضمنها القرار المتعلق بمول قاسيون.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإجراءات المتبعة من أجل استعادة هذه الملكيات اتبعت الوسائل القانونية، بما في ذلك توجيه الكتب الرسمية المتضمنة وجوب الإخلاء خلال الفترة القانونية حسب الأصول، وما تبعها من إجراءات قانونية مقابلة عبر القضاء منعاً من التنفيذ، وغير ذلك من الإجراءات الكثيرة الأخرى.
تعبئة مضادة؟
العديد من القرارات صدرت ومضت بالتنفيذ بسلاسة وفق الأطر القانونية، بعيداً عن نموذج التعبئة الإعلامية المضادة، باستثناء ما جرى بما يتعلق بقرار مول قاسيون، والإجراءات التنفيذية المتعلقة به، حيث جرت التعبئة المضادة لإجراءات التنفيذ إعلامياً، مع الكثير من التشويش عليها، عبر مساعي خلط الأوراق بعناوين بعيدة عن جوهر القضية، منها ما يتعلق بما كان عليه حال العقار قبل دخول الاستثمار فيه، ومنها ما يتعلق بالخدمات التي يقدمها المول وتنشيط المنطقة على المستوى التسويقي والخدمي، ومنها ما يتعلق بالعاملين في هذا المول وما سيترتب عليهم جراء إغلاقه، وغيرها من القضايا الأخرى.
لعل إثارة تلك القضايا لم يجانبها الصواب، بل لابد من طرحها وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهي عبء ومسؤولية يجب أن تناط بمن ستؤول إليه ملكية العقار وإدارته من الجهات التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتحديداً السورية للتجارة، ويجب أن تنجح بها، ولكن أن يتم استثمار هذه القضايا من أجل التعبئة لإعاقة التنفيذ، ومنع الدولة من أن تستعيد ملكياتها، فهذا أمر آخر تماماً.
حسن الاستثمار بعيداً عن الخاص!
المقصود بنجاح الوزارة، والسورية للتجارة، في هذا الصدد، لا يعني الجانب الحقوقي والقانوني بهذا الأمر فقط، بل لعل الأكثر أهمية هو الجانب الاقتصادي والخدمي الذي يجب أن يترافق مع استعادة الملكيات، فمن غير المقبول مثلاً أن تتم استعادة إحدى الملكيات من أحد المستثمرين، ليتم وضعها بتصرف مستثمر آخر، كما يشاع عما يمكن أن تتصرف به السورية للتجارة بملكياتها، ليظهر الأمر بالنتيجة وكأن الأمر فيه محاباة لأحد هؤلاء على حساب الآخر، عبر ذرائع الريع الأكثر مثلاً، رغم أهميته، أو عبر ممرات الفساد تلاعباً بالصيغ القانونية مجدداً لمصلحة هذا أو ذاك من المستثمرين والتجار.
بل من الواجب والضروري أن تسخر الإمكانات كافة من أجل حسن استثمار هذه العقارات والصالات والمولات، وغيرها، عبر الجهة العامة نفسها وبشكل مباشر، لتأمين الخدمات المباشرة للمواطنين، سلعاً وبضائعاً وتسويقاً وترويجاً وخدمات، بالسعر المناسب والمنافس، وبالجودة والمواصفة الجيدة والمعتمدة، وبأسلوب حضاري وعصري مستقطب، وبما يحقق التشغيل الأمثل للكفاءات والطاقات والإمكانات المتوفرة، وتوفير فرص عمل إضافية من أجل استقطاب أيدٍ عاملة جديدة وتدريبها، وتحقيق الريع الاقتصادي والتشغيلي المناسب بعيداً عن أوجه الاستغلال والاحتكار والتحكم بآليات العرض والطلب، كي يلمس المواطن إيجابية دور مؤسسات الدولة بالنتيجة، وكي تنعكس إجراءات استعادة الدولة لملكياتها بشكل إيجابي لمصلحة المواطن، كما وللمصلحة العامة والاقتصاد الوطني عموماً، خاصة وأن السورية للتجارة باتت مؤسسة اقتصادية كبيرة، تشريعاً وقانوناً، بالإضافة للإمكانات المتوفرة لديها، وما يجب أن تؤمنه مستقبلاً، من أجل حسن استثمار وإدارة صالاتها ومجمعاتها وعقاراتها، بعيداً عن الاستثمار والمستثمرين من القطاع الخاص، سواء بالشكل المباشر، أو بالشكل غير المباشر، ولمصلحة المواطن، وهو واجبها ودورها حسب مرسوم إحداثها.

معركة استعادة الملكيات العامة
ما من شك بأن نجاح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك باستعادتها لملكياتها وفق الأطر القانونية، مع حسن إدارة واستثمار هذه الملكيات من قبلها وبكادراتها وإمكاناتها، مع الانعكاسات الإيجابية لذلك على مستوى مصلحة المواطنين والاقتصاد الوطني عموماً، سوف يفتح الكثير من ملفات الملكيات العقارية العامة الموضوعة بتصرف القطاع الخاص، مثل: ملكيات وزارة الأوقاف، أو ملكيات مؤسسة الخط الحديدي الحجازي، وغيرها من الملكيات التابعة للوزارات والجهات العامة الأخرى، وهي لا شك تعد بآلاف مؤلفة من العقارات في جميع المحافظات والمدن السورية، والتي استنفذت استثماراً واهتلاكاً خلال سنين طويلة، دون بحث إمكانية استعادتها، أو عرقلة هذا التوجه، إن وجد!.
على ذلك فليس مستغرباً أن تجري العديد من محاولات العرقلة والاعاقة لأي توجه بهذا المضمار، والتي سيتحالف فيها المتضررون كافة من القطاع الخاص وحلفائهم، مع كل أدواتهم ووسائلهم المتاحة، بما في ذلك الحملات الإعلامية المضادة، ولكن ذلك يجب ألا يغيب حقيقة وجوب استعادة الدولة لملكياتها، واتباع كافة الوسائل من أجل تحقيق ذلك، ولعل سعي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالعمل على استعادة ملكياتها، يجب أن يتم العمل على تعميمه على الوزارات كافةً والجهات العامة الأخرى.
ولن نبالغ بالقول: أن تعميم هذا الإجراء سيكون بمثابة فتح بوابات لمعارك مع القطاع الخاص والمستثمرين والتجار والفاسدين، وهو أمر لا بد أن يتم إن عاجلاً أو آجلاً، كون الحديث يتعلق بحقوق وملكيات شبه مغيبة، وباستثمارات مهدورة لمصلحة هؤلاء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
816