حلب: مدينة العطشى والعروق الجافة

حلب: مدينة العطشى والعروق الجافة

ما زال التداعي الخدمي في مدينة حلب مستمراً، حيث تعاني المدينة منذ 35 يوماً من انقطاع المياه بالرغم من عودة محطة سليمان الحلبي إلى سيطرة الدولة، لكن ذلك لم يحل المشكلة، فما زالت التنظيمات الإرهابية المسلحة «داعش» تسيطر على المصدر الأساسي للمياه وهو الفرات والمحطات الضاخة لمياهه باتجاه المدينة «الخفسة، البابيري،باب النيرب..إلخ»، ما يضع عروق المدينة في أيديهم لابتزاز مواطنيها.

 

أما الفعل الحكومي فظلَّ بائساً، وأقل من المطلوب، رغم الزيارات المتكررة لعدد من الوزراء إليها، التي لم تعد كونها محاولات تنفيس لاحتقان الشارع الحلبي بسبب التناسي غير المفهوم وربما المقصود لها ولمواطنيها، فكانت تأتي بوعود وتذهب بمصائب، ليتم التأكيد على البدائل، دون التعاطي بجدية لبحث حل جذري، فإلى الآن مازالت توضع خططٌ وبدائل بتقديرات تصل إلى مليارات الليرات السورية، لكنها تختفي بلمح البصر دون أن يُرى لها أثر، أو ربما ابتُلعت في مدينة تحولت لغربال بفضل «وزارة الآبار» بحسب أحد المواطنين!! 

بدائل لا تكفي؟

منذ بدء الأزمة في حلب وسيطرة «داعش» على مصادر المياه، كان توجه الحكومة ومسؤولي المدينة لحل مشكلاتها باتجاه «البدائل المؤقتة» التي لم تكف حاجات المدينة المستمرة، وخاصةً بعد تحرر أجزائها الشرقية واتساع رقعتها، بل تحولت فيما بعد إلى واقع استنزف خزان المدينة الجوفي وإجهاده، دون وجود أية نظرة استباقية لقراراتها وإجراءاتها التي زادت من سوء الوضع في كتير من الأحيان، والذي لعب فيها الفساد الدور الأساسي والمحوري.

حيث عمدت بعض الجمعيات العاملة مع منظمة اليونسيف إضافةً للمبادرات الأهلية إلى حفر آبار في مختلف أحياء المدينة لتعويض النقص الحاد في المياه، ليصل عددها إلى ما يزيد عن 200 بئر، تصطف عليها طوابير لا تنتهي من مواطنيها، ممن اختلفت أعمارهم، لكن العطش جمعهم على منهل واحد، بسبب الأسعار الخيالية التي لا تطاق، فوصل سعر ليتر المياه الذي التهب مع أزمة المحروقات- المتفاقمة مؤخراً في المدينة- إلى 3 ليرات سورية بغض النظر أصلاً عن صلاحيته أو عدمها للشرب.

«محسوبيات»

مشكلات المواطنين لم تقف هنا، فالعديد من الآبار التي حفرت بمبادرات أهلية في بعض الأحياء، ولا يتم ضخ المياه بالتساوي إلى قاطنيها كما تم الاتفاق عليه منذ البدء، بل لمن يشرف عليها والمقربون منهم فقط، في حين يبقى قاطنوها غارقين في هاجس تأمينها.

أما ما تم حفره من قبل منظمة اليونسيف، فيتم استنزافه من قبل أصحاب الصهاريج لبيعه للمواطنين بأسعار باهظة، بحجة عدم توافر المحروقات وارتفاع أسعار الضخ، ولذرّ الرماد في العيون، سمح بوضع بعض الصنابير جانباً للسماح لطوابير العطشى بانتهال حاجاتهم التي فاقت قدرات بعضهم على النقل المتواصل، إما لكبر سنه فأعجزه الزمن والأزمة، أو لعضده الغض الذي انهك قبل أن يقسى.

أسئلة ملحة؟

لستّ سنوات من عُمُر الأزمة في حلب، ظلت الوعود الحكومية تُداعب آمال المواطنين وتعلقها بتحرير هنا وتطهير هناك، لكنها بالواقع لم تعد كونها «إبر بنج» تضرب في رؤوس الحلبيين، فعادت المحطة الحرارية ولم تر الكهرباء دقيقةً واحدةً، وعادت محطة سليمان الحلبي ولم ترتح من هاجس قطع المياه وتأمينها.

أين تكمن المشكلة إذن؟؟ إن كان الإرهاب «الشماعة الحاضرة على لسان المسؤولين» هو المسؤول عما تعانيه المدينة، فبعد التحرير من الذي يقف وراء المعاناة اليومية لهذه المدينة دون مبرر للأثمان التي يدفعها مواطنوها! وهل ستكون محطة الخفسة التالية هي الأخرى معطلة كما سابقاتها، ومجرد آمال تستخدم في الخطاب الحكومي لصرف الأنظار عن تلاشي الخدمات، وتراجع دور مؤسسات الدولة، وتنفيس الاحتقان والغضب العام بسبب الإنهاك الذي أصاب المدينة وبسبب الدور المتقدم للفساد.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
798