هل سيكون مستقبل مؤسسات التدخل الإيجابي أفضل من ماضيها؟
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

هل سيكون مستقبل مؤسسات التدخل الإيجابي أفضل من ماضيها؟

قرر مجلس الوزراء، في جلسته الأسبوعية بتاريخ 13/12/2016، إعادة هيكلة مؤسسات التدخل الإيجابي «الاستهلاكية والخزن والتسويق وسندس» في مؤسسة واحدة كبيرة، تستطيع المنافسة في السوق وتحقق مبدأ التدخل الإيجابي بمعناه الحقيقي، بهدف توفير السلع والمواد والمستلزمات كافة، للمواطنين بأسعار منافسة في السوق، بعيداً عن الاحتكار.

 

القرار أعلاه، يظهر كأنه يحمل في طياته، إيجابيات كبيرة على مستوى إمكانية تأمين الخدمات والسلع للمواطنين، حسب ما هو مبين بمتنه، ولكن هذه الإمكانية لا يمكن تحقيقها، إلا بحال تم توفير مستلزماتها ومقدماتها، على المستوى القانوني والتمويلي والصلاحيات الممنوحة للمؤسسة المحدثة.

دمج ولكن!

ولعل أهم نقطتين بهذا المجال يمكن تلخيصها بما يلي:

النقطة الأولى: تتجلى بمنح المؤسسة المحدثة صلاحية الاستيراد المباشر للمواد والسلع، وخاصة الأساسية منها، بعيداً عن استمرارها فريسة سهلة المنال من قبل كبار المستوردين من القطاع الخاص لهذه المواد، مع تأمين التمويل اللازم، مع التسهيلات الكافية، من أجل القيام بهذه المهمة.

النقطة الثانية: تتجلى بأهمية استعادة الكثير من الصالات ومنافذ البيع التابعة لهذه المؤسسات وبملكيتها، والتي أصبحت تحت وصاية وإدارة تجار القطاع الخاص ومستثمريه، سواء عبر ما سمي بعقود استثمار، أو عبر نمط التعامل بالمواد والسلع، على مبدأ الأمانة مع القطاع الخاص بهذه الصالات، وهذا يعني ضرورة إيجاد صيغة قانونية تلغي هذا النمط من الاستثمار المجحف، لبعض الصالات العائدة لهذه المؤسسات، من قبل القطاع الخاص، وإيجاد وسائل أفضل لإدارتها، مع توفير موادها وسلعها، بمعزل عن تجار وسماسرة القطاع الخاص، والتركيز على الاستجرار من المصنعين والمنتجين المحليين، عام أو خاص، وهذا أيضاً يتطلب تمويلاً  وحسن إدارة.

مع عدم إغفال أهمية تضمين مشروع الدمج المزمع، آلية مناسبة للرقابة الشفافة، على عمل المؤسسة الكبيرة المحدثة، بما يحقق الغاية منها، مع لحظ دور المواطن الأساسي بهذا المجال، كونه هو المستهدف بالخدمة النهائية.

أما أن تتم علمية الدمج تلك، بمعزل عن النقاط أعلاه، وغيرها من النقاط الأساسية الأخرى، فهذا يعني أن المؤسسة المحدثة، مهما كبرت وتعاظمت، ستكون عاجزة عن القيام بما هو مطلوب منها، حسب القرار أعلاه، وستبقى عاجزة أمام تجار القطاع الخاص ومستورديه، سواء بالمنافسة، أو بالاضطرار للتعامل معه، من أجل توفير التشكيلة السلعية اللازمة للاستهلاك، من قبل المواطنين عبر صالاتها، ولتستمر بالعمل رهينة لمتطلباته وأهوائه وتحكمه، كما هو حالها اليوم بشكلها المنفرد، مع ما يحمله ذلك كله من أوجه منفعة متبادلة، مع ما يشوبها من أوجه فساد، تم كشف بعضها، عبر بعض الصفقات هنا أو هناك سابقاً.

عجز على الطريقة الليبرالية

أما الخشية المشروعة، فهي: أن تقع هذه المؤسسة الكبيرة المستحدثة بالعجز، ليس على مستوى قيامها بمهامها فقط، بل على مستوى الريعية الاقتصادية المطلوبة منها، باعتبارها مؤسسة ذات طابع اقتصادي، وتتعاظم ديونها واستحقاقاتها وتشابكاتها المالية والإدارية، سواء مع الجهات العامة الأخرى، أو على مستوى تأدية التزاماتها تجاه عامليها من رواتب واجور واستحقاقات وغيرها، ما يزيد من عجزها، وبالتالي ستقوم بعرض المزيد من صالاتها للاستثمار من قبل القطاع الخاص، بهذه الذريعة، وبالنتيجة تفقد استثماراتها وملكيتها الكبيرة تباعاً، وبهدوء، وليصبح موضوع الدمج المقترح ليس أكثر من مقدمة لخصخصة مبطنة لهذه المؤسسات القائمة.

ولعل ما يعزز هذه الخشية، هو: أن الحكومة لم تعلن براءتها من سياساتها الليبرالية المحابية للقطاع الخاص، والمستوردين والمستثمرين الكبار، وبالتالي، ما زالت أولويتها قائمة على حماية مصالح هؤلاء، على حساب مصالح قطاع الدولة، بمؤسساته وشركاته الإنتاجية والخدمية، والمواطنين عموماً، فلماذا سيكون المشروع المقترح بعيداً عن ذلك التوجه ومفاعيله ونتائجه السلبية المتوقعة، مهما تم تحميله من عبارات طنانة، تتوج بعبارات مصلحة المواطن والوطن وغيرها؟ فقد عودتنا سياسات الحكومات المتعاقبة، على هذا الشكل من التفريط بمصالحنا، حيث أن المشاكل والصعوبات التي تعترض عمل هذه المؤسسات، وسواها من مؤسسات وشركات، إنتاجية أو خدمية عامة، ليست وليدة اليوم والساعة، بل هي عبارة عن تراكمات نتيجة تلك السياسات السلبية نفسها، وما لم يتم القطع معها، فإن مستقبل هذه المؤسسات والشركات، لن يكون أفضل من ماضيها.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
790