البيضاء لتثقيفه: القوائم السوداء لحماية المستهلك السوري

قالها صديق إعلامي ذات يوم (للمستهلك رب يحميه)، ولا أحد من السوريين المستهلكين يوقن بقدرة الحكومة على حمايته بعد أن كانت هي أول من رفع الحماية عنه حينما أخلت بمعادلة التوازن بينه وبين التاجر، وفتحت السوق للتاجر وأغلقت في وجهه مصادر الدخل والرزق، ومنعت عنه الدعم على أساسيات حياته.
اليوم يضع التجار الصغار أسعارهم وفق بورصة الأحداث في سورية، والأدهى أنهم صاروا يسعّرون البقدونس بالدولار، وتصيح امرأة في شارع الثورة على تاجر أجهزة كهربائية وبدائل إنارة: حتى الشمع له علاقة بارتفاع الدولار خافوا الله.
أما وزارة الاقتصاد فلا تجد من أجل المستهلك السوري إلا أن تبتكر ألهية جديدة اسمها القوائم البيضاء والسوداء، وأنها ستكون الفارق الذي سيصب في مصلحة المستهلك.

تعديل دون التباس
وزير الاقتصاد الدكتور محمد الشعار تحدث في مؤتمر صحفي عن جديد قانون حماية المستهلك الذي سيوسع من حجم التي ستفرض على المخالفين، ,ان جوهر هذه التعديلات سيكون في ضرورة الإفصاح عن طبيعة المنتج وميزاته ومواصفاته بشكل صريح وعلني وبشكل لا يقبل الالتباس، وهذا على حد رأي الوزير يعود لسبب أكثر جوهرية وهو أن يكون المستهلك على علم تام بطبيعة المنتج الذي يستهلكه.
الوزير الشعار أشار إلى أن القانون في تعديلاته الجديدة وتتعلق بوضع قوائم بيضاء وسوداء، الأولى للمستهلك والثانية لمن يحتكره.

 

عزف منفرد استهلاكي
غاية القوائم البيضاء كما يراها الوزير في مهمتها التي ستكون توعية وتثقيف المستهلك بنوعية المنتجات التي يستهلكها من حيث المواصفات والجودة والسعر.
وفي شرحه لماهية هذه القوائم التي ستكون ذراعاً مهمة لوزارة الاقتصاد، وللمستهلك أولاً من أجل تقييم عملية الاستهلاك التي يقوم بها سواء للمنتجات المستوردة أم المصنعة محلياً.
العزف المنفرد لن ينتهي قريباً فالسيد الوزير يتحدث عن أن هذه الذراع الضاربة ستنظم لاحقاً لأنها بحاجة لاستعدادات كي لا يكون فيها تفضيل شخص على شخص آخر، وسيكون هناك ترتيب لقائمة من المنتجات بمعايير محددة وواضحة.
القوائم البيضاء التي دخلت قانون حماية المستهلك هي حسب الوزير قوائم تثقيفية تأخذ المنتجات في قطاع معين، وترتبها حسب الجودة والسعر والقيمة الاقتصادية والمنفعة الصحية.
ولا ينسى الوزير أن يضع اللائمة على المواطن العاجز، ويطالبه بالدفاع عن نفسه، وأنه يجب عليه أن يقوم بدور رئيسي في حماية المستهلك، وذلك بوعيه بمواد القانون، وبمسؤولية التاجر والوزارة وبحقه الشخصي.

الكوادر..حلقة معادة
لا يمكن لأية وزارة عندما يكون الحديث عن جداول زمنية، أو لجان متخصصة إلا وتدخل في سباق مفردات عن الكوادر المتخصة والفنية التي تعوزها، وبالتالي هذا العجز سينعكس على النتائج التي تقررها، والسبر والإحصاءات، ومن الممكن أن ندخل في تقييمات جديدة، وإعادة تقييم لنتائج خاطئة.
الوزير الشعار يدخل هذه المفردات عندما يتحدث عن أن مشكلة الكوادر الموجودة مشكلة قائمة، وأن وزارته ليس فيها الكادر الكافي لإدارة موضوع حماية المستهلك بالشكل المرضي، لأن الكادر الموجود حالياً متواضع ولن يستكمل ذلك بين يوم وليلة.

3 بـ 1
القانون الجديد سيحمل عقوبات مضاعفة كما يقول السيد الوزير قد تصل إلى ثلاثة أضعاف العقوبة السابقة، بل أن بعضها من الممكن أن يتضاعف 10 مرات، وكذلك تمت إطالة مدة الحبس، وكل بحسب طبيعة المخالفة.
الوزير لم ينسَ في كل ما يقول المواطن، وأكد أنه عندما تكون المخالفة بحق المواطن جسيمة يجب أن تكون عقوبة المخالف بحجمها وأكثر.

الحكومة تنتقد
بواقعية وصراحة ينتقد الوزير من يرفع الأسعار بشكل مجحف، ويرى أن هذه الارتفاعات تعود إلى أمر واقع وثمن للأزمة التي نمر بها اليوم، ويؤكد الوزير أن هذا ليس من باب التبرير؟.
ينتقل الوزير إلى أن الدولة أقرت قوانين تمنع الاحتكار والمنافسة، وهذه القوانين بها نوع  من التماس بينها وبين قانون حماية المستهلك، وهذا التماس تقدره الجهة التي تقوم بعملية المراقبة.
 ويضيف السيد الوزير بديهية جديدة: (نعرف أن عملية الاحتكار ينتج عنها زيادة في الأسعار وهذه مسؤولية حماية المستهلك، والعمليتان مترابطتان مع بعضهما بعضاً، ونحن نستخدم قانون منع الاحتكار عندما يكون هناك فرصة وهي عملية تكاملية).

 

في السوق
كل المقدمة الطويلة عن القوائم البيضاء والسوداء لا تعني أي ربة منزل تنزل إلى السوق لتشتري مونة يومها فقط، وفي كل يوم كما تقول أم علي: تقل البضاعة وتزداد الأسعار، وهذا يعني أن المصروف يكبر، والزوج لن يكفي بيته.
أم راتب تقول: أبو عبدو هو زير الاقتصاد، وهو الذي لا يخاف من أحد، ويقدر الأسعار قبل نزولها، وفي اليوم الذي لا يذهب إلى سوق الهال هذا يعني أننا لن نأكل، وهو الوحيد في السوق الذي لا يتحدث بالدولار، ويسهر طوال الليل ليحمي بضاعته من السرقة والتلف.
في سوق الخضرة بنهر عيشة تشتري أم إبراهيم نصف ما تحتاجه، وتقول: كل شي صار بالنار، وتشير إلى عدة أكياس بلاستيكية سوداء: أترى هذه الأكياس بـ 700 ليرة ولم أشتر كل ما أحتاجه؟.
عند بائع الجملة المحل الأقل سعراً من السوق تشتكي الجارة أم ياسين من زيادة الأسعار، وتتحدث عن فاتورة لا تتجاوز 3000 ليرة كانت تشتري بها حاجيات الخمسة عشر يوماً الأولى من الشهر، والآن نفس الحاجيات تحتاج إلى ما يقارب  5500ليرة هكذا تحسبها أم ياسين.

الدولار..ابن الحرام
الدولار بين هبوط وارتفاع أمام الليرة السورية يشكل حجة حتى لبائعي السلع المنتجة محلياً وهذا ما يجعل المواطن في حيرة من أمر هذا الدولار الذي يتدخل حتى في تسعير البقدونس.
أبو خالد (يتهكم): هو قوي لهذه الدرجة، يا رجل أبو قاسم الذي فتح دكاناً في حارتنا منذ شهور صار يتحدث عن الدولار..ابن حرام هذا الدولار.
عدنان دخاخني مدير جمعية حماية المستهلك يشرح في حديث صحفي الأسباب التي تجعل من الدولار متحكماً بأسعار المنتجات المستوردة والمحلية : (حجة البائع اليوم أنه يشتري بسعر مرتفع وهو مضطر للبيع كذلك بسعر مرتفع والسبب هو ارتفاع سعر الدولار فالفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق السوداء نحو 26 ليرة سورية ولو قسمت فهناك أكثر من 50% فرق وهذه النسبة تنعكس على الأسعار سواء أكانت المواد مستوردة أم منتجة محليا لأن مستلزمات الإنتاج مرتفعة وأصبح المنتج يعدل سعره بما يتناسب مع احتياجاته فأصبح هناك ارتفاع في المواد كافة، وهذه القضية تحتاج إلى إجراء حاسم من الحكومة بالنسبة لسعر الدولار لتعود الأسعار إلى ما كانت عليه).
إذاً ليس الدولار هو السبب إنما فارق السعر بين الرسمي والسوق السوداء، وهنا يدفع المواطن ثمن هذا الفارق.
ما يعني المواطن بالضبط هي السلع التي تدخل في سلة غذائه اليومي، وما تؤثر على أطفاله (كالحليب)، وما يدخل في تربيتهم وحاجاتهم اليومية من مواد مستوردة (فوط الأطفال) التي صارت أسعارها جحيماً لا يقدر عليه مواطن.

دور الحكومة
غاب دور الحكومة منذ أن رفعت يدها عن التسعير وتركت لنفسها دور الرقابة، ومن ثم تخلت عنه بفعل الأمر الواقع الذي يعود إلى عدم كفاءة الكادر الرقابي، والفساد الذي يعشش في مفاصل أجهزة الرقابة، وكذلك عدم محاسبة كل أطراف المخالفة، المخالف والفاسد.
 يرى دخاخني أن على الحكومة أن تقوم بدورها باعتبارها الجهة المسؤولة عن مراقبة الأسعار وتأمين السلع وهناك مواد أساسية على الحكومة أن تعمل على توفيرها بطرقها الخاصة من خلال المؤسسات العامة والجمعيات الاستهلاكية، وضمان وصولها إلى المستهلك ذي الدخل المحدود، وخصوصاً بسعر مقبول يتناسب مع دخله.
في الوقت نفسه يستغرب الوزير الشعار ارتفاع أسعار المواد المنتجة محلياً ففي معرض حديث عن أسباب ارتفاع الأسعار: (هناك مصادر عدة تتسبب بهذا الأمر، كرفع الرسوم الجمركية على المستوردات، ومنع بعض المستوردات، إضافة إلى تغيّرات سعر صرف الدولار، ولكن الشيء الضبابي بالنسبة للمستهلك هو في ارتفاع أسعار بعض المنتجات المحلية، علماً أنه ليس فيها بعد للدولار، و يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المنتج لهذه السلعة هو في الوقت نفسه مستهلك لجزء من السلعة التي ارتفعت أسعارها).

فجوة... من يسدها
أبو علي موظف من الفئة الرابعة في الخمسين من عمره أجره الشهري كما يقول لا يتجاوز 14000 ليرة سورية ويحتاج إلى 35000ليرة تبقيه دون استدانة.
أبو علي المواطن الموظف الذي لا يملك سوى راتبه يرى أن الدولة هي التي يجب أن تحميه بأحد أمرين إما أن تبقي الأسعار على حالها، أو أن ترفع الأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، وغلاء الحياة.
أما عدنان دخاخني فيرى: ( من واجب الحكومة أن تأخذ إجراءات حاسمة وسريعة للحد من ارتفاع الأسعار التي تشكل مشكلة اجتماعية، وأن تبحث في القضايا التي تؤمن السلع الأساسية بأسعار مخفضة تصل ليد المستهلك ذي الدخل المحدود لأنه يتقاضى راتباً ثابتاً، وأصبحت هناك فجوة بين دخله ومصروفه ،ولا بد من سد هذه الفجوة كما لا بد للجميع من المساهمة بحل أزمة الأسعار فهناك استغلال لحاجة الناس للسلعة من ضعاف النفوس).

بين الأبيض والأسود..مواطن
ريثما تتمكن وزارة الاقتصاد من بلورة قوائمها البيضاء والسوداء والتي تحتاج إلى زمن لكي تكون جاهزة، وإلى زمن آخر لكي توضع في التنفيذ يبقى المواطن عالقاً بين لونين الأبيض والأسود، ويحتاج إلى إسعافات أولية تجعله واقفاً على قدميه لا زاحفاً باتجاه السلعة، وذل التاجر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
543