حلقات معادة من جلسات الحكومة: في الإجراءات.. وأعباء المعيشة.. وذوي الدخل المحدود

مسخ الدولار علبة البسكويت، وأبو قاسم يصر على أن البسكويت بسعر خمس ليرات صار في ذمة التاريخ، وأما السائق العجوز فيقول بوضوح: عندما يعود المازوت إلى سعره الطبيعي تعود الخمس ليرات صالحة للوصول إلى آخر الخط.

الأسعار وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة صارا هاجس السوريين، ويتندرون فيما بينهم في ألم (حتى بائع الخضار صار يفهم بالدولار).

وفي نفس الوقت لا تدع الحكومة جهداً إلا وتبذله في سبيل سعادة المواطن ورضاه، وتتحدث عن إجراءات قريبة لزيادة مخازين السلع الأساسية ينما المواطن لا يملك القدرة الشرائية لأساسيات عيشه بعد أن قفزت الأسعار في أيام قليلة إلى عتبة اللامعقول.

أين يقف السوري اليوم في ظل أوضاع اقتصادية غير مسبوقة، وأين تقف الحكومة من هذه الأوضاع ومن المواطن؟.

أسطوانة مشروخة

هذه الحلقة معادة في محاضر اجتماعات رئاسة الوزراء، وسبق أن حضرتها في الأخبار واستبشرت خيراً، ومن ثم يئست ببعد أن صعدت الأسعار وهبطت همتي.. هذه كلمات تحمل رأي مواطن عادي يدعى أبو خالد يعمل في مطعم عندما سمع بنتائج جلسة رئاسة الوزراء الأخير.

أبو نعيم سائق سيارة هوندا يقول: يا أخي بلا سياسة، أنا أعيش على ما يرزقني الله، وصحيح أن الأرزاق قليلة لكنها لا تعتمد على الحكومة، وهذه الاسطوانة مشروخة، وهذا الموال (ملينا منو).

خبر الحكومة التي استنفرت لتناقش أوضاع مواطنيها بحسب تقرير وزير الاقتصاد تحدث عن نقاش حكومي للوضع الاقتصادي والتمويني في ضوء العرض الذي قدمه وزير الاقتصاد والتجارة، وأسباب التضخم وارتفاع الأسعار، وإجراءات التدخل الفاعلة والمؤثرة على صعيد رقابة الأسواق وضبط الأسعار.

وكالعادة حفل الخبر بتأكيد رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة تولي الوضع الاقتصادي والتمويني كل الاهتمام، وتتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لزيادة مخازين المواد والسلع الاستراتيجية، وتأمين المواد والاحتياجات الأساسية للمواطنين، والتدخل الإيجابي المباشر لمعالجة ظاهرة ارتفاع الأسعار، وتوفير السلع والمواد التموينية في الأسواق المحلية.

وهنا يسأل أبو إبراهيم حارس ليلي في فزن آلي: يعني هذا يعني أننا سنستيقظ باكراً على صوت (زمامير) سيارات المازوت وهي تنادي علينا ولا نعيرها اهتمامنا، وهل سيكون بمقدوري أن أجلب لأمة ابراهيم حاجيات وجبة الغداء بـ 200 ليرة، وهل سيعود سعر كيلو السكر 35 ليرة؟.

حكومة بقلب أم!

لم ينس الخبر الحكومي تطلعات الحكومة في مواطن سعيد لا يعاني، ويأتي على توضيحات رئيس المجلس حول نيتها دراسة مجموعة من الإجراءات والمقترحات التي من شأنها تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، وذوي الدخل المحدود بشكل خاص، وستعمل على تعزيز الرقابة التموينية على الأسواق من خلال دعم وزارة الاقتصاد والتجارة بالكوادر البشرية التي تحتاجها لأداء دورها في هذا المجال.

الحكومة ذات القلب الطيب والنظرة الشفافة تدرس حالياً؟، وتفكر بجملة إجراءات ومقترحات ونحن ندخل في عنق زجاجة الأزمة، وفي وقت بات المواطن غير قادر على إكمال اليوم الأول من الشهر بعد أن عاش سنوات حكومة العطري يحيا لليوم العاشر منه؟.

أبو الياس موزع وقود: لا أحد ينكر أن للحكومة نوايا طيبة اتجاهنا، ولكن لماذا تأتي كل قراراتها ضدنا، أليس من المفزع أن تقول الحكومة أنها لن ترفع سعر المحروقات وفي (نص) الليل تصدر قرارات على مستوى خطير، وترفع الدعم، وتزيد الأسعار.. ربما تصدرها في الليل من طيبة قلبها حتى لا تصدمنا في النهار فلا ننام؟.

فصام حكومي.. واقتصادي

هل حقاً أن الحكومة تعيش في حالة فصام مع الفعاليات الاقتصادية التي تحكمها، والتي تأتمر بأمرها، أو على الأقل أن قنوات الاتصال غير فعالة، وهناك أزمة في التخاطب والتفاهم.

يبدو أن الأمر غاية في الصحة عندما تكون الحكومة في واد والتاجر في واد آخر، وأن التاجر يفكر بمصلحته أولاً وبمواطن يلبي هذه المصلحة بينما الحكومة تفكر بالمواطن الذي له مصلحة مع التاجر، وهذا يعني أن المشكلة في الحكومة التي لا تقدم للمواطن ما يحميه من فم التاجر المفتوح لالتهامه.

الحكومة تتحدث عن تعزيز الرقابة التموينية على الأسواق فيما يسعّر التاجر على هواه، ويتحدث عن أزمة سيولة، ومحاصرة بضاعته في السوق المحلية والخارجية، وحالة ركود، ومواطن لا قدرة شرائية لديه، ومنافسة غير عادلة مع البضائع الصينية الرخيصة.

الحكومة تتحدث عن دعم وزارة الاقتصاد والتجارة بالكوادر البشرية التي تحتاجها لأداء دورها، وفي الوقت نفسه هي عاجزة عن تعيين أصحاب الشهادات العليا والخبراء.

أما أزمة الأسعار فتكشف مدى الفصام الذي يعكس طبيعة العلاقة بين الحكومة والفعاليات الاقتصادية، وأن الدعم والتدخل ما هو إلا خطاب يتكرر لا يقدم ولا يؤخر.

الخزن والتسويق

مؤسسة التدخل التي تعتبر ذراع الحكومة في سوق هادئة متوازنة، وترى فيها الحكومة يدها الممدودة لأصحاب الدخل المحدود، وتجعل المواطن في مأمن من غيلان السوق؟.

ولكن على الأرض يقف المواطن أمام مؤسسة التدخل وفي أحد فروعها سعر كيلو السكر 65 ليرة، ومتعهد يستثمر الصالة، ويدخل ما يشاء من بضائع الخاص، ويبيع منتجات ما هب ودب، وحتى بطاقات الموبايل، وخبز (قمرين وشمسين)، والخبز السياحي يعني .. استثمار تدخلي؟.

 مدير المؤسسة العامة للخزن والتسويق يقول: إن المؤسسة تراقب الأسعار على مدار الساعة، وتسعى لتكون أسعارها وموادها هي الأنسب للمستهلك خصوصا المواد الرئيسية التي تحتاجها الأسرة يومياً، إضافة إلى توفير المواد الكمالية الأخرى لإرضاء أذواق جميع المواطنين.

أم عادل ترى أن (خضرة) أبو عبدو أفضل وأرخص من الخضار التي تبيعها المؤسسة الحكومية، وحتى السكر صحيح بـ 65 ولكنه غير متوفر.

الكلام الأخطر يردده مواطن: المؤسسة تبيع السكر بالجملة للتجار، وهذا أفضل من وجع الرأس للمستثمر في البيع بالكيلو، وتحتفظ بكمية قليلة حتى لا تكذب.

موقف سيارة الخزن

في البرامكة بشكل ليس يومياً تقف سيارة الخزن مع عاملين ويبدو أحدهم السائق، ويفتح بابها الخلفي على مجموعة من أكياس البقول، وبعض عبوات الزيوت من ماركات غير شعبية، واللافت للنظر أن لا زحام حولها مع أنها تبيع بأرخص من السوق.

مدير المؤسسة يقول إن  مؤسسته حرصت على زيادة عدد سياراتها الجوالة خلال السنوات الماضية لاسيما في المناطق التي لا تتوافر فيها صالات أو منافذ خاصة، والتي تشهد ازدحام بالسكان، وعملت على تعزيز هذه التجربة وتطويرها من خلال تحديث السيارات لتكون قادرة على الجمع بين جميع المنتجات.

30% الرقم السحري

الرقم الذي تعرضه المؤسسة منذ سنوات ثابت بين 10-30% كفارق عن السوق المحلية، ولكن المواطنون يتحدثون عن فروق زهيدة لا تتجاوز الخمس ليرات مع عدم توفر في السلع التي تعلن عنها المؤسسة كمواد ثابتة التواجد في مناف البيع التابعة لها.

يقول مدير الخزن المؤسسة ملتزمة بتقديم المنتجات الغذائية الأساسية مثل البرغل والرز والزيوت والسمون والمعكرونة والبيض واللحمة وغيرها بسعر التكلفة دون ربح، إضافة إلى أن أسعار باقي المواد أقل من الأسعار المتداولة في الأسواق بنسبة 10 إلى 30 بالمئة، وهو ما يؤكد الدور الإيجابي الذي تقوم فيه بالسوق المحلية لدعم أصحاب الدخل المحدود.

البض باعتباره من السلة اليومية لغذاء السوريين لا يوقف ارتفاع أحد، وأسعار المؤسسة ترتفع مع أسعار السوق حتى لو بالفارق النسبوي الذي تضعه، فماذا يعني التدخل عندما يصبح سعر صحن البض 350 ليرة، وفي صالة المؤسسة بـ 335 ليرة هل هذا تدخل؟.

مربون خارج السوق

البيض يبدو أنه صار مقياساً للغلاء الذي يعصف بالسوق، فعندما يحدثك مواطن عن الغلاء يقول:  هل هذا معقول البيضة صارت بـ 15 ليرة.

لماذا أزمة البيض بمعزل عن واقع السوق المحلية التي تتعرض لأسوأ مراحل الاحتكار والكساد، ويرافقها ضعف في القوة الشرائية، ودخل بالكاد يصلح لشراء الخبز.

رئيس لجنة مربي الدواجن يقول: إن عدد المداجن في سورية يصل إلى 11 ألف مدجنة، وأن الأزمة الحالية أخرجت 60% من المربين من السوق، وأن ما يتم تصديره من البيض هو 50% من الإنتاج وفقاً لموافقة الحكومة، وأن كل مئة صندوق مصدر يذهب مقابلها عشرة صناديق لمصلحة المؤسسة العامة للخزن والتسويق بسعر يقل عن سعر صحن البيض في السوق بـ18 ليرة.

إذن المشكلة في إدارة الإنتاج، وأن مؤسسة الخزن تتدخل بنسبة 10% مما هو مطروح في السوق المحلية، وبنسبة ربح معقولة أي أن حديثها عن عدم الربح يشك فيه، وأن تدخلها هذا رابح.

وقد وصل سعر صحن البيض إلى 350 ليرة سورية ويرى رئيس لجنة المربين أن إيقاف تصديره سيرفع الأسعار إلى 500 ليرة سورية أي أننا ربما نكون مقبلين على ارتفاعات جديدة.

التصدير يعود بالفائدة على المربي من حيث تأمينه للقطع الأجنبي الذي يشتري به مستلزمات العملية الإنتاجية.

المشكلة الكبرى يراها رئيس لجنة المربين في ارتفاع أسعار الدجاج البياض من 225 ليرة إلى 425 ليرة، وهنا تأتي الرواية عن سوق البيض مشكلات متراكمة تتحمل الحكومة فيها القسم الأكبر من المسؤولية فالضحية المواطن في وجهيه: المستهلك والمربي، وأما الحكومة فتقف عاجزة عن تقديم حلول حقيقة لاقتصاد يدخل في سلة غذاء المواطن لا في كمالياته.

تجارب معها

من تجارب المواطن مع الحكومة تبدو النتيجة ليست ف يصالحها فمنذ أن انتقلت الحكومة إلى اقتصاد السوق وفطمت مواطنها، وتركته في مهب التاجر سقطت هي في فخ السوق، وخرجت من أبسط أدوارها في الرقابة والإشراف.

الحكومة لم تمنع سلعة من الارتفاع، ولم تستطع إعادتها إلى سعرها السابق بعد تجاوز أسباب ارتفاعها، والحكومة لم تقدر على تقديم ما يحمي المواطن في الأزمات من رفع دخله، وإخراجه إلى السوق مواطناً بساقين قادرتين على التجول والتسوق.

 

من تجاربنا معها.. الحكومة لن تمنع عاصفة الغلاء من بلوغ ذروتها؟.. والأيام شهود.

معلومات إضافية

العدد رقم:
544
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 13:21