كمي الملحم كمي الملحم

كارثة زيزون: المواطن يدفع، المواطن يخسر!

لم يكن انهيار سد زيزون الذي تناولته الصحف ووسائل الإعلام تحت اسم «كارثة 4 حزيران»، الكارثة اليتيمة التي ألقت بأحمالها على مواطني هذا البلد، وإن كانت المباشرة، والأوضح  فطاقة البحيرة التخزينية في استيعاب المياه تجاوزت طاقة أهالي المنطقة على احتمال الوضع الخطر، قبل أن ينفجر السد، وتنفجر معه حكايات الفساد والهدر، وهناك من يعد الضحايا والخسائر من أبقار وأغنام و... أرواح!

السد الذي يعد رابع أكبر سد في سورية، بين سدودها المئتين نفذ من قبل شركة الإنشاء والتعمير (ريما) الحكومية وفق تصميم مؤسسة الدراسات المائية، وقد أنجز المشروع في عام 1996 بكلفة تبلغ حوالي 90 مليون دولار أمريكي، وتزامنت صيحات التحذير مع الفترة التي بدأ فيها المشروع بالاكتمال، إذ أن حجم الارتكابات والمخالفات التي جرت لم تكن خافية على أهالي منطقة الغاب، وكثير من الفلاحين كان قد حذر من وجود تسربات وتشققات في جسم السد تنذر بانهياره وتدمير ما حوله، فالتشققات كانت شبيهة بالفوالق الأرضية وقد عزز وجودها عدم وجود نظام مراقبة فيه، وقد اعتقدت الإدارة المسؤولة في مديرية حوض العاصي أن الفلاحين كانوا يريدون سقي أراضيهم، فطالبوا بالحد من منسوب المخزون المائي، وهذا ليس مبرراً في كل حال...

أين المفر!!
ولم تكن التحذيرات  للإدارة المذكورة من قبل الفلاحين فقط، فالمهندسون وطلاب كلية الهندسة الذين زاروا الموقع، وبعض الصحفيين المحليين توقعوا انهيار السد في أي لحظة، نتيجة لمخالفة شروط البناء للمواصفات المطلوبة، فطاقة السد على استيعاب المياه لا تتجاوز الـ 71 مليون متر مكعب كحد أقصى، وهناك مشكلة إنشائية في القسم العلوي من السد، بحيث لا يستطيع تحمل المياه التي تجاوزت قدرته على احتجازها.
الناس الذين أبدوا تعاطفاً وتضامناً مع أهالي المنطقة، وانتقدوا بنفس الوقت مؤسسات القطاع العام الحالية دون التشكيك بقدرتها على النهوض بمشاريع البنى التحتية إذا ما تم الإصلاح فيها، وتناول انتقادهم بالدرجة الأولى ما يجري تحت سراديبها من نهب وهدر  وضعف رقابة ومسؤولية، مطالبين بضرورة الإصلاح الإداري في القطاع العام، وإعادة الاعتبار له، كصمام أمان في اقتصادنا الوطني.

«المتبقي»!!
وبالرغم من المشكلات التي كان يعاني منها السد، وبالتالي الأهالي، من تشققات وتسربات وغيرها، إلا أن الانهيار كان مفاجئاً للجميع، فقد انهار السد في نصف ساعة بعد أن تشكلت فيه فجوة كبيرة تدفقت منها المياه، لتسحق محطة ضخ زيزون ومن ثم قرية زيزون بأكملها، وقد امتدت المياه لتغطي المساحات الكبيرة من الأراضي الزراعية، حيث بلغ ارتفاع المياه فيها قرابة الأربعة أمتار، ثم انحسر إلى عشرات السنتمترات ووصلت المياه إلى جسر الشغور لتدمر سداً رومانياً قديماً يبعد ثلاثين كيلومتراً عن زيزون.

تفضلوا.. شرفونا!!!..
وعدد الضحايا لم يكتمل إحصاؤه بعد، والإحصاءات الرسمية تتحدث عن عشرين قتيلاً حتى الآن، إضافة لعشرات المفقودين الذين لم يعثر لهم على أي أثر، وأما عن الخسائر، فهناك 319 رأس بقر و121212 رأس غنم و2180 خلية نحل، إضافة لتضرر وغمر حوالي 5503 هكتارات من محصول القمح، و952 هكتاراً من الخضار، وفيما يخص الآليات والتجهيزات الزراعية، والمنازل المحطمة فلم يتم إحصاؤها بالكامل إلا أنها بالمئات...

أطفال يبحثون عن أغراضهم تحت الأنقاض..
قد شكلت لجنة عليا للطوارئ، برئاسة رئيس الحكومة، و15 لجنة لإغاثة المصابين والفلاحين،و تم تعويض أهالي الضحايا بمبلغ 50000 ل.س لكل ضحية، وعشرة آلاف ليرة سورية لكل متضرر، وهذا رقم قليل بالنسبة إلى حجم الخسائر وأهميتها والتحقيقات بالكارثة شملت شركة ريما ومؤسسة الدراسات المائية.
المتضررون لا يربطون الأحداث بضعف الكوادر المنفذة، كما تتناول القضية بعض وسائل الإعلام بل بتفشي الفساد والهدر في المؤسسات العامة التي أدت إلى تعيين مدراء ومشرفين، يعيشون على حساب الناس وعرقهم، فتكاليف بناء السد كانت بأموال المواطن، وحجم الخسائر سينعكس على المواطن، ولاسيما مواطني منطقة الغاب، وإذا ما كانت المحاسبة ستتم، فلتنظر الحكومة إلى القضية باعتبارها أزمة عامة لا تقتصر على كارثة زيزون فقط. ولا على معاقبة بعض المفسدين تتحدث الصحف عن هربهم أو تواريهم، فانهيار هذا السد الذي يفترض أن يكون عمره الفني مئة عام على أقل تقدير، يستوجب إعادة النظر في آلية عمل القطاع العام على وجه اشمل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
177