قانون التأمين الصحي.. المقدمات الصحيحة أولاً
سمير علي سمير علي

قانون التأمين الصحي.. المقدمات الصحيحة أولاً

فتحت رئاسة الحكومة، عبر موقعها الالكتروني، باب النقاش حول مشروع التأمين الصحي للعاملين في الدولة، من أجل معالجة الثغرات التي تؤثر على هذا المشروع الوطني والاجتماعي.

 

وقد افتتحت باب النقاش المطلوب عبر عرض مجموعة من التساؤلات التي ارتأت أنه لابد من طرحها، وفق المحاور التالية: حول استمرار المشروع بالشكل والآلية نفسهما - وحول الاستمرار بالنسق الاداري والمؤسساتي نفسه - وحول إدخال المشافي العامة في التأمين الصحي- وحول ارتباط القسط المقتطع بتحسين الخدمة- وحول دور النقابات الطبية.

في الشكل

بداية، لابد من الإشارة إلى إيجابية فتح باب النقاش حول الموضوع، من قبل طالب الخدمة خاصة، والأكاديمي والدارس وصاحب القرار، حسب ما تم تبيانه على موقع الرئاسة.

وفي الوقت نفسه لابد من التنويه إلى الشكل في عرض الموضوع للنقاش العام عبر مجموعة التساؤلات السابقة، التي رأت الحكومة أنه لابد من طرحها، خاصة، مع خاتمة الأمل بالاستفادة من الآراء ووجهات النظر... وفق المحاور والطروحات السابقة، مع عبارة أخيرة «أو أية طروحات أخرى».

بالمحصلة كانت المحاور أعلاه توجيهية، باتجاه محدد للنقاش وإبداء الآراء، وهو أسلوب يتم اتباعه عادة في النقاشات السياسية، أو عبر الإعلام مع المسؤولين وأصحاب القرار والسياسيين وغيرهم، وهو نمط من التذاكي بغاية حصر الانتباه وتوجيهه بالاتجاه المطلوب دون سواه، في تغييب متعمد لقضايا ومحاور أخرى، قد تكون بالأهمية نفسها، أو ربما أكثر.

ولا يمكننا أن نجزم، بأن الحكومة تتعمد هذا النمط من التذاكي مع رواد موقعها، عبر فتحها باب النقاش حول هذا الموضوع الهام، وفق عدد محدد وموجه من المحاور من قبلها، دون سواها.

في المضمون

التأمين الصحي، هو أحد أشكال التكافل الاجتماعي، ويصبح نظاماً اجتماعياً، قائما على التعاون والتكامل في الكفالة تلك، عندما يتم تأطيره بقوانين وتعليمات ومرجعيات، وهو على ذلك يعتبر واحداً من أهم نظم التكافل الاجتماعي التي عمل عليها وتم تطويرها عبر عقود من الزمن، على الرغم من تأخرنا عن غيرنا بهذا المجال.

ولعل سبب ذلك هو الكثير من العقبات والمشاكل التي اعترضت مسيرة هذا النظام الاجتماعي، بظل السياسات الليبرالية الممنهجة المعتمدة والمتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة، والتي تضع مصلحة رأس المال والاستثمار في أولويات توجهاتها، التي تصاغ ويتم تشريعها عبر القوانين والتعليمات التنفيذية وغيرها، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الفساد وتَغوّلها في الكثير من مفاصل العمل الإداري والتنفيذي، والأهم من ذلك كله هو التراجع المستمر عن الدور الاجتماعي للدولة، في رعاية مواطنيها عموماً، وهي المحصلة والنتيجة لمجمل السياسات الليبرالية المعتمدة.

محاور غائبة

وهنا لابد من الإشارة إلى الغياب الواضح لأحد أهم المحاور من حيز النقاش، الذي تم فتحه من قبل رئاسة الحكومة، حول موضوع التأمين الصحي، وهو أين يبدأ دور الدولة في هذا الموضوع، وأين ينتهي، وخاصة على مستوى التمويل الحكومي، لجعل هذا التأمين نظاماً تكافلياً اجتماعياً حقيقياً، قابلاً للتعميم على بقية الشرائح الاجتماعية برعاية ودعم حكومي، تمويلي وإداري ورقابي، خاصة وقد طرح موضوع الاشتراكات المقتطعة من أجل تحسين الخدمة، فيما غابت حصة الدولة من بند الاشتراكات، وما سيطرأ عليها، عن حيز المحاور والنقاشات.

لا دور للنقابات

محور آخر كان من الغائبين على محاور النقاش، هو دور نقابات العمال على مستوى حسن تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع شركات التأمين الخاصة، التي سمّتها الحكومة «شركات الخدمات الطبية»، وهي بالواقع العملي شركات استثمارية أولاً وآخراً، باعتبار أن المشروع المطروح يخص شريحة العاملين في الدولة، ومن الواجب أن يكون للنقابات العمالية دور هام على مستوى صيانة حقوق العاملين وتوسيعها، على الرغم من إدراج دور النقابات الصحية في معرض التساؤلات والمحاور.

كما هناك محور لا يقل أهمية وقد كان غائباً أيضاً، ما هو مصير المؤمن عليه صحياً بعد خروجه على المعاش وفق السن القانونية، أو بموجب استقالة وغيرها، وهذه شريحة واسعة لم يتم تظليلها بالمظلة التأمينية، على الرغم من أنها بأمس الحاجة لهذه المظلة، بعد استنفاذ سني عمرها في الخدمة العامة، وأصبحت بأمس الحاجة للرعاية والاهتمام، وخاصة على المستوى الصحي.

ولعل هناك الكثير من المحاور الأخرى الضرورية والهامة على مستوى النقاش العام والخاص، بالنسبة لمشروع الضمان الصحي المعروض من قبل الحكومة.

هل الدولة راع؟

أخيراً، نقول: أن المقدمات الصحيحة، تؤدي إلى النتائج الصحيحة، والحال كذلك فإن طرح مشروع وطني اجتماعي بهذا الحجم، لا يجب أن يتم اقتصاره على عدد محدد من المحاور عبر مجموعة محددة من التساؤلات التوجيهية، خاصة مع إمكانية توسيعه وتعميمه على الشرائح الاجتماعية كافة، لنصل إلى نظام اجتماعي تكافلي حقيقي، من الواجب أن تكون الدولة هي الراعية الأساسية فيه، تمويلاً وإدارة ورقابة، وهو ما لا يمكن الوصول إليه بحال استمرت الحكومة بسياساتها الليبرالية الممالئة لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين على حساب بقية الشرائح الاجتماعية، وخاصة أصحاب الدخل المحدود، والفقراء والمعدمين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
789