البيان الوزاري.. بيان قديم لحكومة جديدة! بيان عمومي..وعود كثيرة..ونمو مؤجل مابين إعادة الاصلاح وبناء الهياكل.. واللحاق بالنمو السكاني

تجدد التفاؤل بخطوات مدروسة و ملموسة,بعد إعلان تشكيل الحكومة الجديدة (الحالية), و بالفعل جاء البيان الوزاري لهذه الحكومة ملبيا للطموحات ... لا طموحات المواطن السوري فحسب بل طموحات مواطن إفريقيا جنوب الصحراء و المواطن الكندي على حد سواء.. إذ أن عمومية هذا البيان تجعله صالحا لكل الإقتصادات و في كل الأزمنة،  فكثرت فيه الوعود بالدراسة و التحسين و التطوير لدرجة أن البعض وصفه بالبرنامج الانتخابي!!..

و بالطبع فان مناقشتنا هذه تقتصر على الجانب الاقتصادي منه، و أقل ما يمكن قوله في هذا المجال أنه بيان قديم لحكومة جديدة فهو يتشابه بشكل شبه تام مع بيان الحكومة السابقة التي لم تقدم حتى كشف حساب عما أنجزته, الأمر الذي يجيب على سؤال طرح في صحيفتنا: هل تغيير الوجوه يعني تغيير السياسات.

مقدمات غير مرتبطة بالنتائج

في الوقت الذي بدت فيه الحكومة متفائلة جدا: فهي تريد تطبيق الخطة الخمسية التاسعة (التي علّق أحد أعضاء مجلس الشعب أنه سمع عنها للمرة الأولى)، بالإضافة إلى تنفيذ المشروع الوطني لمكافحة البطالة و هذا يعني تأمين مائة ألف فرصة عمل حتى عام 2005, مع تأهيل العاملين في الدولة و «زج الطاقات المؤهلة في العمليات الإنتاجية و الخدمية» وبالطبع فان تحقيق ذلك ليس بالأمر المستحيل في حال توفرت الإرادة و حشدت الطاقات وتحققت معدلات نمو كبيرة محددة، و هذا يتطلب قبل كل شيء معالجة إشكالية إعادة توزيع الدخل و آليات النهب و الشفط المتبعة، وهي الأمور التي أهملت تماما سواء على مستوى البيان أو على مستوى الممارسة الفعلية وما طرح في البيان من عناوين عريضة حول تشجيع الاستثمار وزيادة حجم التصدير بدون بيان أدوات ذلك أو باستخدام مسميات فقط كإقامة «هيئة تنمية الصادرات» بدلاً عن مركز ترويج الصادرات في مديرية التجارة الخارجية وهو المركز المعروف بنشاطه و دراساته الجدية في مجال تنمية الصادرات، فإن ذلك لا يغني ولا يسمن بل و يزاد على تلك الضبابية تعليق أية خطوة ستتخذ على نتائج الدراسات التي ستجري لاحقا.... تلك الدراسات غير المحددة ببرنامج زمني مما يجعل الحكومة غير ملزمة وفق هذا البيان بشيء و كأن الواقع ليس معروفا وغير مشبع بالدراسات مما يعني أيضا أنه ليس للحكومة برنامج واضح و محدد..

فكيف يمكن الوصول إلى تلك النتائج من دون المرور بمقدمات صحيحة.

نمو مؤجل!

وفي كل الأحوال فان تحقيق الأهداف الكبرى التي وضعتها الحكومة في بيانها يتطلب تحقيق معدلات نمو تتجاوز وفق الحساب الوسطي للخبراء الـ 9% سنويا .

 وحتى لو أهملنا وسائل تحقيق معدل النمو هذا و التي هي تحقيق معدلات تراكم عالية و قفزة في معدلات الاستثمار تحتاج إلى ظروف اقتصادية خاصة لتحقيقها .. فان البيان بطبيعته يؤجل النمو المطروح بمعدلات تقل كثيرا عن تلك التي تحدثنا عنها، إذ تقسم الخطة الخمسية التاسعة حسب البيان إلى مرحلتين: الأولى هي مرحلة الإصلاح و إعادة بناء الهياكل، و الثانية مرحلة الانتقال إلى نمو «يوازي أو يزيد عن النمو السكاني» أي بمعدلات تساوي 3% أو تزيد عنه، مع ربط تحسين الوضع المعاشي للمواطنين بالتوازي مع زيادة الإنتاج، الأمر الذي يقفز عن واقع وجود مخازين كبيرة لدى المعامل و المنشات الإنتاجية تحتاج إلى تصريف حتى تتم دفع عجلة الإنتاج من جديد مما يعطي الأولوية لإصلاح السياسة الأجرية في القطاعين العام و الخاص.

إصلاح القطاع العام:

بالنسبة لإصلاح القطاع العام فان البيان يتضمن إعطاء «صلاحيات أوسع للقطاع العام الاقتصادي في الإدارة و الإنتاج و التسويق و التوزيع استنادا إلى أهداف و أرقام توجيهية ونموذجية» و يدعو إلى «اعتماد أسس الإدارة الاقتصادية لمؤسسات القطاع العام» الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن طبيعة أسس إدارة القطاع العام سابقاً؟؟ ثم يضيف البيان في فقرة أخرى ضرورة «فصل إدارة القطاع العام عن ملكيته» و قد ناقشنا ذلك مراراً و تكراراً باعتباره نوعا من خصخصة الإدارة تمهيداً لخطوة أكبر.

السياسة النقدية و المالية

كان البيان غامضا في تحديد مفردات السياسة النقدية و المالية فقد طرح مجموعة أهداف عامة «كتطوير أنظمة المصارف و جذب الادخارات» و«تطوير دور المصرف المركزي«و تحقيق التوازن الاقتصادي و المالي« و «الحفاظ على سعر العملة السورية مقابل العملات الأخرى» و بالإضافة إلى تلك الأهداف الفضفاضة فان البيان يطرح مسألة «تطوير التشريع الضريبي و التركيز على الوظيفة الاقتصادية و الاجتماعية للنظام الضريبي» و هي عبارة مأخوذة حرفيا من البيان السابق؟!        

ملاحظات مجلس الشعب

طرح أعضاء مجلس الشعب مجموعة ملاحظات تركزت على النقاط التالية:

فيما يتعلق بمسألة السكن وما جاء في البيان حول متابعة إعداد المخططات التنظيمية فقد أبدى بعض الأعضاء قلقهم حيال موضوع الاستملاك وانتقدوا الكيفية التي يجري من خلال التعويض للعائلات المستقرة في المناطق المستملكة.

في موضوع الزراعة طرح البعض انتقادات حول قرار خفض المساحات المزروعة لمنتجات مثل القطن والقمح واعتبروا أن ذلك القرار دون وجود خطة زراعية واضحة يفقد الفلاح ثقته بالدولة.

في مجال السياحة عبّر البعض عن ضرورة إنهاء الاستملاك السياحي للشاطئ السوري ومعالجة التلوث الناتج عن الصرف الصحي.

ونضيف إلى تلك الملاحظات التأكيد على ما جاء في البيان حول «اتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية لمنع استنزاف المياه الجوفية» وهو الأمر الذي لم يُطبق حتى اليوم رغم كل القرارات، و بالنسبة « لإنشاء مصفاة تكرير جديدة » نرجو أن تتم دراسة الموضوع بتأن و دقة لأن المصفاتين القائمتين حالياً تسببتا بتلوث مدن بكاملها و دمار قسم كبير من الغطاء النباتي.

أما عن ضرورة « تطوير وسائل النقل الداخلي و استخدام الحافلات الكبيرة » فإن ذلك يعني وفق الوضع القائم نسبة تلوث كبيرة مما يثير ضرورة استيراد حافلات جديدة  و لا نعلم لمصلحة من ستكون الصفقة هذه المرة!!

وعن الرعاية الصحية يطرح البيان « جعل المشافي وحدات إدارية و مالية مستقلة » أي أن أسعار الطبابة فيها ستصبح مضاعفة، الأمر الذي سيؤدي لنتائج اجتماعية وخيمة في حال بقي الدخل الفردي على حاله، خاصة في ظل عدم وجود ضمان صحي!

وزارة الثقافة تقترح من جهتها وضع تسعيرة جديدة للتأليف و الترجمة نرجو ألا تؤثر على أسعار الكتب كما أن الوزارة تدعو إلى النهوض بالحركة المسرحية و دعم الفرق الحكومية و الخاصة و دعم السينما و الفنون التشكيلية و العمل على إنشاء المسارح و لدينا تجربة قريبة غير ناجحة في تلك الأخيرة هدرت الكثير من الأموال نرجو ألا تتكرر.

ووزارة الإعلام طالبت بـ«الارتقاء بالأداء الإعلامي و تطوير العمل الصحفي و توسيع أهدافه» و يعتقد البعض أن أهداف العمل الصحفي واسعة و لكنها بحاجة إلى آليات و ربما يمكن التفاؤل بما أقرته الوزارة من «مواصلة العمل لإفساح المحال لإصدار صحف و دوريات جديدة تعبر عن توجهات النظام الديمقراطي».

البيان و مناهضة العولمة

بالرغم مما ذكر، والذي يمكن اختصاره بضرورة تحديد مؤشرات كمية رقمية تعبر عن الأهداف المرحلية وبعيدة المدى وضرورة الالتزام بحدود زمنية معينة للإنجاز و تحمل مسؤولية ذلك عن طريق ما يسمى بـ «كشف حساب» أو مراجعة ما تم إنجازه.

 فان البيان كان واضحا تجاه موضوع «الاستماع» للرأي الآخر إذ أنه أكد بأن  «شرح المصاعب الموجودة للمواطنين يساعد على تفعيل دور المواطن في معالجة هذا الواقع».

وتحدث البيان في بدايته أيضا عن «مظاهر العولمة التي تتخطى الحدود الدولية و تهدد الهويات القومية و تكشف سعي الدول المتقدمة نحو جعل العالم سوقا تجارية كبرى حيث يكفل لها تفوقها السياسي والاقتصادي و العلمي والتكنولوجي، الاستئثار بميزات التجارة العالمية و السيطرة عليها» و حدد طرق مناهضة العولمة الرأسمالية بقوله: «هذا يتطلب من البلدان النامية تحقيق مزيد من التعاون...لتحقيق أهداف التطوير .. بهدف دخول العصر من باب العلم».

كما أكد البيان على الشفافية في المعلومات من خلال «إقامة شبكة تبادل المعلومات والبيانات تعتمد على تقنيات الأتمتة و تصل ما بين المؤسسات و الشركات و مديريات التموين و الإدارة المركزية» علّ ذلك يساهم في حل مشكلة سرية البيانات و الأرقام الأمر الذي يئد العديد من الدراسات حتى قبل صدورها.

 

* جهينة

معلومات إضافية

العدد رقم:
171