ما هذا الكرم الحاتمي يا وزارة المالية؟!

تعد الضرائب والرسوم من الموارد الأساسية الدائمة في الاقتصاديات غير الريعية لكافة دول العالم، حيث تضطر هذه الدول إلى فرض ضرائب عالية على المكلفين لديها (موظفين، شركات، شركات مساهمة). في حين تلجأ الدول متعددة الموارد (زراعة، صناعة، قطاع عام منتج، سياحة) فعلياً إلى تخفيف هذا العبء الضريبي، وذلك لتوفر البدائل القادرة على تغطية احتياجات الموازنة العامة بين إنفاق جارٍ واستثماري،

 لكن الدول النامية تقوم عموماً بفرض ضرائب عالية على مستورداتها لحماية منتجها الوطني بالدرجة الأولى، والاعتماد عليه كمورد ضريبي أساسي للخزينة، كما تلجأ إلى تحصيل الوارد الضريبي الأساسي من الطبقة الأغنى في المجتمع، لأنها الأقدر على تحمل هذا النوع من الأعباء.
 لقد أحدث قرار تخفيض الضرائب المفروضة على رواتب العاملين في القطاع العام، من حيث تأثيره الفعلي على أرض الواقع، ردة فعل سلبية أو غير مبالية في أحسن الأحوال لدى الغالبية الساحقة من الموظفين العاملين في سورية، لأنه بحسب قولهم: «لا يقدم ولا يؤخر»، فهو لم يساهم في رفع مستوى الرواتب بالطريقة التي حاول وزير المالية د. محمد الحسين تصويرها، ولم يخفف أعباءهم المعيشية.. وبناء عليه ندعو السيد وزير المالية ليقرأ معنا هذه الحسبة البسيطة:
كان حجم الضريبة المفروضة على الراتب قبل التعديل وفق مايلي:
الـ5000  آلاف الأولى معفاة من الضريبة.

الشريحة الأولى: 5000  -  8000 /  5%  = 150 ل.س.
الشريحة الثانية: 8000– 12000 / 7%    = 280 ل.س.
الشريحة الثالثة: 12000 – 16000/  9% = 360 ل.س..
الشريحة الرابعة: 16000– 20000 / 11% = 440 ل.س.
الشريحة الخامسة: 20000-300000 / 13% = 1300 ل.س.
 
أما بعد التعديل الضريبي فأصبحت على الشكل التالي:
الـ6000  الأولى معفاة من الضريبة.
الشريحة الأولى: 6000 – 12000 / 5%  = 300 ل.س.
الشريحة الثانية: 12000 – 16000 / 7% = 280 ل.س.
الشريحة الثالثة: 16000 – 20000 / 9% = 360 ل.س.
الشريحة الرابعة: 20000 – 24000 / 11% = 440 ل.س.
الشريحة الخامسة: 24000 – 30000 / 13% = 780 ل.س.

وبالاعتماد على مؤشر رواتب عام 2006، حسب الدراسة التي أعدتها هيئة تخطيط الدولة، بلغ متوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع العام 9668 ل.س، بينما كان متوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص 7532 ليرة، أي أنه وبعد إضافة زيادة عام 2008 والمقدرة بـ25% على رواتب الموظفين والعاملين في الدولة والقطاع المشترك يصبح متوسط رواتب القطاع العام حوالي 12ألف ليرة، أي أن التعديل الجديد أتاح  لغالبية الموظفين السوريين الآن توفير430 -300 = 130 ل.س، أي ما يعادل 1,083% من الراتب الإجمالي لهذا الموظف.
أما إذا كان الراتب بحدود 16 ألف، فإن التخفيض سيكون: 790 – 580 = 210 ليرة سورية، أي بنسبة تخفيض تصل إلى 1,31 % من الراتب الأساسي، أما إذا كان نحو عشرين ألفاً، فإن التخفيض سيكون 1230 – 940 = 290 ليرة، التي تعني 1,45 % من الراتب الذي يتقاضاه الموظف، أي أن هذه الزيادة المتحققة من تخفيض الضريبة غير قادرة في أحسن الأحوال على تغطية تكلفة السرافيس (600 ليرة)، التي توصل هذا الموظف إلى عمله يومياً، في حدها الأدنى، وتوضح عملية المقارنة أيضاً، أن الشرائح العليا التي تتقاضى رواتب مرتفعة تبقى هي المستفيدة الأكبر من هذا التخفيض، لأنه كلما ارتفع الراتب ازدادت نسبة الاستفادة، والسؤال يبقى: لماذا الكبار دائماًَ هم المستفيدون من أي قرار وأي (إصلاح)؟؟ ولماذا تفصّل القرارات على مقاس مصالحهم؟؟
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه حتى لو تم إلغاء الضريبة كاملة على رواتب ذوي الدخل المحدود، فلن يكون هذا الإلغاء قادراً على تحسين سوية الراتب، وبالتالي رفع القدرة الشرائية لهذا الموظف، والتي هي حق تقتضيه ضرورة الواقع السيئ الذي يعيشه هذا الراتب المنهك وغير القادر على تحمل الضرائب.
وهذا يدفعنا للسؤال: لماذا تقدم الإعفاءات بالجملة للمستثمرين (أصحاب المليارات) سوريين، عرباً وأجانب، كما يتم إعفاء التجار من رسوم استيراد أكثر من 20 ألف مادة في الوقت الذي يمنون بهذا التخفيض على أصحاب ذوي الدخل المحدود؟!
لماذا تأخذ الدولة الضريبة من شركات القطاع الخاص بناءً على أرباحها لا على إيراداتها كما تفعل مع الموظفين لديها، علماً أن هذا القطاع الخاص يعاني من تهرب ضريبي كبير يقدر بعشرات المليارات، حيث تراوحت نسبة مساهمته من الناتج المحلي بين 63% ــ 78%، ما عدا القطاعات الاستخراجية، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه حجم التحصيل الضريبي لهذا القطاع نسبة 20%؟؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
405