عامودا تصرخ!!!!

بعيدا عن الأحداث التي وقعت في مدينة عامودا في 12 آذار المنصرم والمدن الأخرى في الجزيرة، وبعيداً عن دوافع وغايات مدبريها والتي حاول البعض استغلالها لزرع الفتنة الأهلية وتقويض دعائم الوحدة الوطنية، تلك الأحداث الدامية التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المواطنين الأبرياء واعتقال المئات منهم على خلفيتها بالإضافة إلى تدمير بعض المنشآت الاقتصادية والمباني الحكومية والخدمية وبعض الآليات التابعة لها.

واليوم وبعد مضي أكثر من ستة أشهر مازالت آثارها المادية مشاهد مزرية تذكر المواطنين بما يجب أن ينسوه والتي طالت:

1 ـ المحكمة الصلحية: حيث يضطر المواطنون والمحامون التقاضي في المدن الأخرى حتى أن بعض المحاكم في هذه المدن ترد الدعاوى بحجة عدم الاختصاص المكاني، كما أن كتاب العدل ومدراء التنفيذ يرفضون تصديق صور الوثائق بحجة إتلاف أو حرق نسختها الأصلية.

2 ـ مؤسسة العمران: فأصحاب رخص البناء وكذلك المواطنون الذين يحتاجون إلى بضعة أكياس من الأسمنت لترميمات بيوتهم يلجؤون إلى القامشلي للحصول على هذه المادة، وأحياناً بدون جدوى مثلهم في ذلك مثل رجل أعمى يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة لاوجود لها فيها، بينما تعج أسواق ومستودعات تجار السوق السوداء بهذه المادة المفقودة والتي بلغ سعرها الرسمي ـ مجازاً ـ 400 ل.س.

3 ـ المصرف الزراعي التعاوني: حيث يرغم الفلاحون الفقراء لقبض أثمان منتجاتهم الزراعية والحصول على القروض الموسمية والبذار والسماد من القامشلي أو الحسكة وكثيراً مايقابلون بمواقف استهجانية استهزائية من قبل بعض عديمي الضمير (ليس لكم حصة ، حصتكم في عامودا..) بالإضافة إلى رداءة الموسم الزراعي الفائت وشح الأمطار وسوء الأحوال الجوية هذا العام زادت من معاناتهم وازداد الطين بلة كما يقال.

مجلس المدينة والمركز الثقافي فحدث ولاحرج فخدماتها ونشاطاتها معدومة ينطبق عليها المثل الألماني «من كان عارياً لايستطيع أن يضع يده في جيبه»

إن المواطنين في هذه المدينة العريقة التي تعرضت بيوتهم وممتلكاتهم لقصف طيران الاستعمار الفرنسي في عام 1937 انتقاماً لصمودها ومقاومتها للاحتلال ولازالت آثار الدمار باقية في أذهان من هم أحياء، هذه المدينة التي شكلت فرقاً طوعية من المقاومة الشعبية ضد المؤامرات الأطلسية ـ التركية على حدودنا الشمالية في أعوام 1957 ـ 1958. هذه المدينة التي قدمت أكثر من 152 طفلاً شهيداً من تلاميذ المدارس الابتدائية في حريق سينما عامودا عام 1960 وهم يشاهدون فيلماً سينمائياً رصد ريعه للثورة الجزائرية وعلى رأس هؤلاء الشهداء «محمد سعيد الدقوري» ابن المجاهد الوطني سعيد دقوري الذي حاول إنقاذ العشرات منهم فسقط هو الآخر شهيداً ليخلد اسمه في ذاكرة التاريخ منقذاً ومضحياً. هذه المدينة وسكانها اليوم يدفعون ضريبة غير مستحقة، مثلما دفعت قبل عشر سنوات حينما ألغي فيها مركز امتحانات الشهادة الثانوية تحت حجج وذرائع وهمية لاتمت إلى الحقيقة والواقع بصلة.

وهنا يتساءل المواطنون: لماذا لاتبادر الجهات الرسمية والسلطات المعنية إلى إصلاح ماجرى؟ وإلى متى؟ وهل تنتظر هذه الجهات أن يقوم المواطنون بهذه الإصلاحات وبالتالي يتحملون وزر غيرهم. لاسيما أن السواد الأعظم منهم يعيشون تحت خط الفقر بكثير أو فوق خط الفقر بقليل، ثم ماحجم هذه الأضرار وكلفتها من الناحية المادية وهل تساوي كلفة تزفيت طريق بطول 10 كم على أبعد تقدير؟ وهل تضاهي هذه الأضرار الأرواح التي زهقت والممتلكات التي نهبت من قبل ضعاف النفوس؟ 

إننا ننتظر من الجهات ذات العلاقة موقفاً إيجابياً وحلاً مناسباً لإعادة الأمور إلى ماكانت عليه سابقاً، وإطلاق سراح الموقوفين وأن يشملوا بالعفو الرئاسي الذي صدر بعد هذه الأحداث وبانتظار ما يحمله الغد من آمال وآذان صاغية من المسؤولين نردد ونقول: «لتكن مدينتنا ووطننا رمزاً للوحدة الوطنية والإخاء القومي»

فهل من مستجيب؟

 

■ عامودا ـ عبد الحليم قجو

معلومات إضافية

العدد رقم:
232