امتحانات «التربية» هذا العام.. الطلابُ والمعلمون وأولياءُ الأمور مُدانون حتّى تثبُتَ براءتهم!؟

في سابقة هي الأولى من نوعها في سورية، وفي اجتماع رسمي وأمام الموجهين ورؤساء الدوائر يوم الخميس الموافق 14/5/2009، صرح السيد مدير التربية بدير الزور «رامي الضللي»، مخاطباً الأهالي، بما يلي:

«سوف أفشي لكم سراً.. في هذا العام، وحسب التعليمات، سيشارك فرع مكافحة الإرهاب في الامتحانات العامة»..
بالطبع، فإن أولياء الطلبة استغربوا الأمر، وأصابتهم المفاجأة!! وقد توجهوا للسيد وزير التربية عبر موقع قاسيون يستفسرون عن هذا التوجيه الفريد من نوعه والذي شكل حالة من الرعب والخوف لديهم ولدى أبنائهم. وسرعان ما اتضحت الأمور (نسبياً)، فقد أصدرت وزارة التربية ما يسمى بتعليمات التفتيش الوقائي، حيث سمحت لرئيس المركز الامتحاني بإجراء تفتيش وقائي للطلبة المتقدمين لامتحان الشهادة الثانوية في اليوم الأول للامتحان داخل حرم المركز وقبل دخولهم إلى قاعات الامتحان، من خلال لجنة يكلفها من رؤساء قاعات المركز نفسه، وذلك حرصاً على حسن سير الامتحانات العامة.
وهنا يجب أن نؤكد أن تنظيم وضبط العملية التعليمية مطلوب، لكن بأسلوب تربوي مدروس، وليس بهذا الشكل المبني على الشك المسبق، فتجاهل أسباب التراجع في العملية التعليمية وحصرها بالامتحانات، أمر فيه تسطيح للمسألة، والقضية تتطلب إعادة النظر في سياستنا التعليمية كلها وبالقائمين عليها، ومحاسبة المسؤولين عنها لا الخروج بقرارات وتعاميم الجميع يعلم أن الفساد سرعان ما سينخرها..
 
تراجع مستمر
من يتابع العملية التربوية والتعليمية في السنوات الأخيرة بكافة مراحلها، من الروضة حتّى التعليم الجامعي, يجد أنها تسير من سيء إلى أسوأ، ويجري التراجع عن كثير من المكتسبات بسبب السياسة التعليمية المطبقة، والتي تدفع باتجاه الخصخصة, ووضع العراقيل, وإغلاق فرص التعليم أمام أبناء المواطنين الفقراء من عمال وفلاحين وسائر الكادحين، وبالتالي لا يستطيع متابعتها إلا أبناء من يملكون الذهب والفضة، وأبناء الفاسدين والمفسدين!!
ولنبدأ بالروضات التي أصبح الترخيص فيها يمنح لمن هب ودب ممن يملكون المال ويريدون استثماره، فالروضة من المشاريع المربحة جداً، إضافةً لما يقدم لها من إعفاءات واستثناءات، وأما برامجها والإعلان عنها فيدغدغ مشاعر البسطاء من المواطنين، والمجال لا يتسع للخوض في التفاصيل التي تكثر فيها شياطين الجشع والمتخلفين والمشوهين فكرياً في الغالب.
أما التعليم الابتدائي فقد انخفض فيه المستوى، وارتفعت نسب التسرب والأمية من خلال الإحصاءات الرسمية، وتحول الكثير من الطلاب إلى جامعي ونابشي نفايات وقمامة، وبائعي دخان وماسحي سيارات على المفارق، بل وأغلقت العشرات من مدارس البادية بسبب تشرد أهلها بعد رفع مستلزمات الإنتاج الزراعي من مازوت وسماد وغيرها، ناهيك عن انتشار الدروس الخصوصية بشكل كبير، والمناهج غير المدروسة والحافلة بالأخطاء العلمية والتاريخية والمطبعية، والتناقضات بين الكتب العلمية وما تطرحه عن الحياة البشرية وتطورها، وبين الكتب الدينية، ولا تجد ترابطاً بين المواد لأن كل لجنة تأليف تعمل منفصلة عن غيرها!!
أما التعليم الإعدادي والثانوي فتزيد فيه نسب التخلف والفساد، فالدروس الخصوصية، وخاصة لدى طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، ترهق أولياء الأمور الفقراء وتدفعهم لبيع حتى ممتلكاتهم المنزلية، على حساب كرامتهم ومعيشتهم وأسرهم، على أمل أن يحصل أبناؤهم على مجموع يؤهلهم لمتابعة تحصيلهم الجامعي، الذي يتحطم على صخرة سياسة الاستيعاب ذات المجموع الذي يقارب العلامات التامة، والاستثناءات على حساب الآخرين، وما اخترع من مسميات كالتعليم الموازي ذي التكاليف العالية وغيره، وكلها تدفع باتجاه الجامعات الخاصة، وما فيها من فساد ورشوة وغش وتزوير.

إن أغلب جامعاتنا تفتقد إلى الكثير من وسائل العلم والبحث والإبداع المتطورة، ومنها مثلاً المخابر اللغوية والعلمية!! ويكفينا أن نأخذ جامعة المأمون مثالاً، وقد تناولتها قاسيون في مرات متعددة ملا زال طلابها يعانون ما يعانون!؟
وإذا وصلنا إلى مرحلة ما بعد التخرج بالنسبة لخريجي المعاهد التي ألغي أغلبها، وكذلك خريجي الجامعات، سنجد آخر ما اخترع هو الاختبار الوطني للغات والحاسوب لمن يريدون التقدم إلى المسابقات التي تضاءلت وباتت لذوي النفوذ والمحسوبية، ولمن يدفع أكثر، وحتى التسجيل بالدورات المخصصة لها خضع للابتزاز والمزاجية ونهب أموال المسجلين، بل بات الحصول على فرصة في المسابقات من الأحلام البعيدة المنال لمن يستحقّ، فبعض المسابقات تلغى، وبعضها مخصصة لمحافظة من أجل ما يسمى استقرار العملية التعليمية، فيحرم منها ذووها، ويكسبها ذوو النفوذ والوساطة والسطوة، ناهيك أن الأعداد المخصصة في كل مسابقة لا تتناسب مع الحاجة الفعلية. وعلى سبيل المثال مديرية التربية بدير الزور، يوجد فيها أربعة آلاف شاغر فقط لا غير!! ولا يجري العمل لسد هذا الشاغر رغم وجود الآلاف من الخريجين في كافة الاختصاصات، ويجري تطبيق برامج دون توفير الكادر اللازم لها، ومنها برامج اللغة الفرنسية!!
هذا غيض من فيض، وهو يتطلب إعادة النظر في سياستنا التعليمية كلها وبالقائمين عليها، ومحاسبة المسؤولين عنها لأنها تتنافى مع كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
407