نجوان عيسى نجوان عيسى

«إصلاحات» تشريعية وإدارية.. أم مخالفة لجوهر القانون؟!

تؤكد الوقائع أن أغلب التعديلات التي صدرت على القوانين النافذة، وأغلب القرارات الحكومية «الجريئة» كما يصفها مصدروها، تتجاهل العمق الاجتماعي للقانون بوصفه «مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الأفراد في الجماعة».

فالملاحظ أن معظم القوانين الجديدة والقرارات الحكومية -بصرف النظر عن صوابية توجهاتها العامة-، تهتم بالدرجة الأولى بمساعدة السلطة التنفيذية على تنفيذ مشاريعها، متجاهلة في الوقت ذاته أن القانون مهمته تنظيم الحياة الإنسانية في الجماعة، وليس مساعدة السلطة التنفيذية على القيام بمهمة التنظيم هذه.
وربما يرى البعض أنه لا فارق بين العبارتين، وهذا غير صحيح، فالتدقيق فيهما يبين أن الأولى تعني أن القانون يجب أن يلحظ كيفية التنظيم المثلى للمجتمع بما يحقق مصالح هذا المجتمع ويضمن التطور الدائم له، في حين أن الثانية تنطوي على ليِّ عنق المجتمع وقولبته بما يناسب تسهيل عمل الإدارة وتمكينها من  تنفيذ مشاريعها والقيام بمهمتها بما يتوافق مع بنيتها التي لا تزال بنية متخلفة بحاجة إلى عشرات الإصلاحات والتغييرات في منهجها وأسلوب عملها، بل وبما يتوافق مع مزاج بعض المؤثرين في صنع القرار ومصالحهم الشخصية الضيقة في كثير من الأحيان.

ومن الأمثلة الواقعية التي يمكن سوقها في هذا الصدد، القرار الصادر مؤخراً عن مجلس الوزراء بضرورة حصول المتقدمين للوظائف العامة من الفئتين الأولى والثانية على شهادات تثبت إتقانهم للغة الانكليزية وإمكانية استخدام الحاسب، حيث نجد أن مبرر إصدار هذا القرار يتلخص في أن العمل في الكثير من المفاصل الإدارية بات يتطلب إتقان الانكليزية واستعمال الحاسب، في حين أن أغلب العاملين في الدولة، بمن فيهم عدد كبير العاملين الجدد، لا يجيدون كلتا المهارتين. فرغم أن سياسات الحكومة هي التي كرّست هذا القصور لدى قوة العمل، وما تزال تكرّسهما بأشكال مختلفة، وبدل أن تتجه الحكومة إلى معالجة المسألة من جذورها من خلال عملية معقدة في حقيقتها، وهي ضمان إتقان جميع حملة الشهادة الثانوية للغة الانكليزية والحاسب اعتماداً على التدريس الجدي المنهجي للطلاب منذ سنوات الدراسة الأولى.. بدل ذلك، اتجهت إلى تعقيد المسألة على طالبي التوظيف أكثر فأكثر، من خلال إرباكهم وتحميلهم أعباء الحصول على الشهادات المطلوبة، وهي تعلم أن أغلبهم غير قادرين على ذلك مادياً ومعرفياً.
وهكذا فإن الحكومة لم تعمل على حل مشكلة اجتماعية تتمثل في وجود عشرات الخريجين الجامعيين الذين لا يتقنون اللغة الانكليزية والعمل على الحاسب، وإنما عمدت إلى الحل الأقل كلفة وفائدة، والأكثر تعقيداً بالنسبة لطالبي التوظيف..
وليس هذا المثال سوى غيض من فيض الإجراءات الحكومية والقوانين ومشاريع القوانين المعدة على كل الصعد، والتي تضرب بحاجات المجتمع، وبضرورة ضمان تطوره عرض الحائط، وهذا يصب أولاً وأخيراً في مصلحة فئات معينة وعقليات ضيقة الأفق أوصلتها ظروف عديدة لا مجال لذكرها الآن، لكي تكون قريبة من مواقع صنع القرار.

إن هذا الأسلوب في إصدار القرارات والتشريعات هو أسلوب يتجاهل العمق الاجتماعي للقانون، لأنه يستعمل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية لتسهيل عمل إدارات الدولة، بدلاً من العمل على تسخير كل إمكانيات هذه الإدارات في خدمة المجتمع الذي يعطي هذه الإدارات مبرر وجودها، ويمنحها المشروعية. كما أن هذا الفهم القاصر لمعنى القانون يجعل من سلطات الدولة غاية في ذاتها بصرف النظر عن مدى تلبيتها لحاجات المجتمع، مع أن هذه السلطات ليست في الأصل سوى وسيلة للمحافظة على المجتمع، وضمانة لتطوره وتماسكه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
409