عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

أحداث من الذاكرة.. الرجعية المخادعة!

جاءت الأديان السماوية جميعها بهدف نشر الإصلاح والعدل الاجتماعي بين الناس، لكن بعض الكهنوت في هذه الأديان سخروها بشكل عام لمصلحة الحكام والطبقات المستغلة التي تنهب الشعب. وعلى سبيل المثال، على أثر فشل إحدى الثورات العمالية في فرنسا في القرن التاسع عشر، قال أحد الكونتات في البرلمان ما معناه: «يجب أن نعمل على تقوية مشاعر الدين في نفوس العمال والفلاحين وكل الفقراء، كي يمنعهم الخوف من الله والآخرة من التفكير بالاستيلاء على أموال وأملاك الأغنياء!».

وبالمقابل لم يخل الأمر من أمثلة مضيئة في التاريخ لرجال دين انحازوا لجهة الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحق، ودفعوا نتيجة إيمانهم وقناعاتهم الراسخة بحقوق المظلومين حياتهم.

وبالانتقال إلى بلادنا نورد الحادثة التالية:
في عام 1950 على ما أذكر، سنة اكتشاف ما عرف بـ«معجزات القديس شربل» في لبنان، توجه قس ماروني لبناني إلى بلدة الدرباسية، وراح يخطب في حشد من الناس مسيحيين ومسلمين، ملؤوا كنيسة السريان كاثوليك وباحتها الواسعة.. معدداً هذه العجائب والمعجزات... لكنه في اليوم الثاني والثالث، وكانت الأفكار الاشتراكية والتقدمية تتوسع وتنتشر بين الجماهير السورية، كشف عن وجهه وهدف تجواله، إذ شن هجوماً عنيفاً على الاتحاد السوفيتي وعلى الشيوعية التي وصفها بالفقر وبالإلحاد، ودعا الجماهير المؤمنة إلى الابتعاد عنها وعدم تصديق دعاياتها الكاذبة المضللة.. فما كان من الرفيق جوزيف كلزي، وكان مسؤول الحزب في الدرباسية، وهو شاب حلبي افتتح حانوتاً، ومعه الرفيق الشيوعي غير المنظم عبد المسيح قاووع المزارع (لأنه يوجد شخص آخر بنفس الاسم)، إلا أن كتبا رسالة إلى القس، ذكراه فيها بأن مهمته دينية، وليست سياسية لخدمة الإمبريالية الأميركية ونظامها الرأسمالي، منددين بتهجمه على الاتحاد السوفيتي والمبادئ الاشتراكية، مؤكدين أن عليه التقيد بأهداف مهمته وضرورة عدم خروجه عنها..
وأرسلا الرسالة إليه مع فتى يافع اسمه فريد جرجور، أصبح شيوعياً فيما بعد، وهو الآن في السويد.
عندما قرأ القس الرسالة، جن جنونه، وسلمها إلى رئيس مخفر الدرك الذي عرف من الفتى اليافع اسمي مرسلي الرسالة، فاستدعاهما، وحقق معهما، فلم يتوانيا عن التأكيد بأنهما مرسلا الرسالة، وشرحا لرئيس المخفر بأن هذا القس يستغل قضية القديس شربل، ليتهجم على الاتحاد السوفيتي الصديق وعلى المبادئ الاشتراكية خدمة للإمبريالية الأمريكية والنظام الرأسمالي...
فاكتفى رئيس المخفر بأن أخذ منهما تعهداً خطياً بعدم الاعتداء على القس، وفي اليوم التالي كان القس قد غادر الدرباسية...
فتحية طيبة لذكراكم العطرة أيها الرفاق الثلاثة: جوزيف كلزي، وعبد المسيح قاووع وفريد جرجور..

معلومات إضافية

العدد رقم:
413