كمي الملحم كمي الملحم

بين الأحمر والأشد احمراراً.. فالنتاين في عيد الحب: أكرهكم!

كل شيء أحمر، والأصح أن نقول «أشد احمرارا»..

إذاً لنُعِد صياغة العبارة:
كل شيء أشد احمراراً من السابق وفق تعبير اللغويين، أو «أحمر» من السابق وفق رأي العارفين بما تسهل معرفته.. قبعات حمراء، ورود حمراء، أحذية حمراء، والرؤوس «أحمر».. وبين الأحمر، والأشد احمراراً يقف السوق ليجذب طرفي اللعبة، فهو الوحيد الخارج من لعبة الأحمر، كما هو الوحيد الذي لا يحمر خجلاً.
وإذا كان لابد من العودة إلى اللغة، فلنقل إن السوق هو «الفاعل»، والبقية هم «المفعول به» إذا جاز التعبير أو لم يجز..

توضيح لابد منه
في ثقافة تأخذ شكلاً تجارياً لن نستطيع أن نناقش أية ظاهرة من زاوية أخلاقية فقط، ليقول بعضنا أن عيد الحب لم يشكل موروثاً ثقافياً لمجتمعنا في يوم ما مثلاً، أو لنقول إن الحب قيمة سامية تستحق التكريس والاحتفال في عالم يحتفل بالهزيمة كما يحتفل بالنصر دون أن يعير القيم الأخلاقية أي انتباه..
فالمسألة تأخذ طابعاً مغايراً، والتعبير عن الحب بات قيمة مساوية لقيمة الهدية المشتراة من تاجر يهنئ أخاه التاجر في عيد التجار، والحب بضاعة تخضع لشروط التبادل عينها، التي تخضع لها بقية السلع في سوق التجارة، ولو بُعث صديقنا «فالنتينو» من قبره المفترض لما قال لنا سوى: «أكرهكم!!»..

عيد الحب، من أين أتى؟
هناك روايات عديدة عن أصل هذا اليوم، ولعل أكثرها شيوعاً هو أن فالنتين كان راهباً يدعو إلى المحبة في القرن الثالث للميلاد في روما، وقد منع الإمبراطور «كلوديوس» في ذلك الوقت جنوده من الزواج حيث اعتقد أن الزواج يشغل المقاتلين عن خوض الحروب، فأصبح القديس فالنتين يجري عقود الزواج سراً للجند إلى أن افتضح أمره وأعدمه الإمبراطور في 14 شباط عام 296 م، وقد جاء في قصة الحضارة أن الكنيسة وضعت تقويماً كنيسياً جعلت فيه كل يوم من السنة عيداً لأحد القديسين، فكان اليوم المذكور عيداً للقديس فالنتين الذي سمي «شفيع العشاق» فيما بعد.
ثم انتقل طقس الاحتفال بذلك العيد إلى إنكلترا ومن ثم إلى فرنسا في عصر الملك شارل أورليان؟ في القرن الخامس عشر، أما الولايات المتحدة فوصلها العيد في القرن التاسع عشر، حيث تولت تسويقه كما سوقت الكثير من قبله، فصبغت الحب على طريقتها الخاصة بلون علبة الـ «مارلبورو» وزجاجة «الكوكا كولا».

بورصة فالنتين
البضاعة الأكثر رواجاً في منتصف شهر شباط هي الورود الحمراء، ومن ثم تأتي بعدها الهدايا الأخرى التي تتخذ أشكالاً عدة كالقلوب الحمراء والورود البلاستيكية والشموع إلخ…ويكتب على جميع تلك الهدايا عبارات الحب على طريقة الوجبات السريعة.. والتحضير لعيد الحب في المحلات التجارية يبدأ قبل يوم العيد بحوالي ثلاثة أسابيع، حيث تبدل الواجهات شكلها لتأخذ شكلاً يتناسب مع الوضع الجديد..
محلات الورود هي الأكثر سعادة. فالوردة الحمراء يصل سعرها إلى 100 ل.س في بعض المناطق، وبعض الأنواع من الورود يتجاوز سعرها ذلك المبلغ، حيث يتم تحضير مئات الورود الحمراء قبل 24 ساعة من يوم العيد، وأما الأزهار البلاستيكية فإعدادها يتم في وقت مبكر.
المتاجر تذهب إلى إعداد آخر الصرعات والابتكارات ولفها وتزيينها.. فهناك دمى تغني أغاني رومانسية، بينما يرقص «تجار الكواليس» في الخلف، ودمى أخرى تبوح بعبارات الحب، وقلوب أخرى تفتح وتغلق «على البطارية» تُشترى غالباً من عشاق يعملون على البطارية..
وكلما ازدادت قيمة الهدية ازدادت معها قيمة أسهمك في بورصة «فالنتين»!

* رزان طالبة علم اجتماع تقول لنا:
لو أولى الناس عيد الشجرة مثلاً اهتماماً يماثل اهتمامهم بعيد الحب لكنا بألف خير، أنا لست ضد الحب بالمعنى الجميل لكلمة حب، أنا فقط ضد مفهوم التسليع الذي بات يطال كل شيء، فَلِمَ التستر خلف أقنعة المثل والقيم الإنسانية لنسوق لظاهرة جديدة تحتمل الكثير من احتمالات النهب للمواطن الذي نسميه «عاشقا» في هذا اليوم بالذات؟.
هل نفدت جميع السلع ولم يتبق سوى الحب؟.
* صالح الحلبي صاحب متجر، يقول:
تتزايد الطلبات على الهدايا كثيراً في النصف الأول من شباط، ونحن نلبي رغبات جميع الزبائن، وأسعار الهدايا تتفاوت، فمنها ما نسعره بـ 200 ل.س، ومنها ما يتجاوز الثلاثة آلاف ليرة، والزبون هو الذي يحدد طلبه، وأعمار الزبائن تتفاوت أيضاً بين 12 سنة والأربعين سنة تقريباً.

* ماذا أهديت لحبيبتك؟
* * أنا متزوج، ولم أهد زوجتي شيئاً.

* لماذا؟
* * عندما تزوجنا لم تكن هذه العادة دارجة، ذلك كل ما في الأمر..

* خالد صاحب محل زهور، رأى أن الناس يقبلون على شراء الزهور وجلب الهدايا والتحضير لهذا اليوم من باب التغيير والتجديد، ويقول لنا:
قبل عشرة أعوام لم يكن عيد الحب عيداً معروفاً بالنسبة لأغلب الناس، ربما لعبت وسائل الإعلام دوراً في الترويج له في آخر فترة، ونحن نلاحظ ذلك من تزايد مبيعاتنا في كل سنة عن السنة التي سبقتها.

* رأي طالب في كلية الاقتصاد:
* كيف ترى الحب في هذه الأيام؟
* * الله يرحمه.

* لماذا؟
* * اليوم أصبح اسمه «أدرينالين».

* من شاركك الأدرينالين في 14 شباط؟
* * بصراحة، أنا أشعر بالغربة عن الناس الذين حولي، فأنا أخجل من فكرة أن أتعامل مع 14 شباط على أنه يوم الحب بالنسبة لي، وهناك أناس في أحزمة البؤس لم تسمع بكلمة (حب) حتى تسمع بعيد الحب أو تحتفل بطقوسه.. ثم إن الحب لا يقترن بقيمة مادية، وهذا هو وجه الاختلاف بينه وبين المشمش..

حب على الطريقة الأمريكية
ماذا لو أعدنا صياغة التاريخ على قياس الأمريكان؟
لنفترض ذلك ولنبدأ:
قيس بن الملوح يجلس في المقعد الخلفي لسيارة فيراري حمراء اللون، يقودها «مايكل بن شوماخر».
قيس يحمل في يده وردة حمراء وينتظر ليلى أمام «مدرسة البنات» فالـ (Rende ذvous) لا يحتمل الخلل، وخاصة في 14 شباط.
تهرب ليلى من آخر حصة في يومها الدراسي الحافل، تركض نحو سيارة قيس، تجلس بجانبه في المقعد الخلفي، تنطلق السيارة، ونسمع من بعيد أغنية «عشاق آخر زمن»..
أيها الشباب، تحسسوا جيوبكم، ولا داعي لارتداء النظارات الحمراء، فكل شيء «أحمر»!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
169