«أمركة» الحب على الطريقة «الخليوية»!! «الثورة»: «فالنتاين».. بدلاً من الخواء.. «الرمادي يصنع الأحمر» «فلتنة» الحب.. ترسم القلوب بعد أن تفرغها.. ميزان التجار: يزن «الحب في زمن الكوليرا».. هل سمع شبَّان «أحزمة الفقر».. بعيد الحب؟! قلوب وعشَّاق «

في عالم اليوم الذي يسوده اللون الرمادي ،لون الخوف و الحرب و الاستغلال، بات اللون الأحمر لوناً استثنائياً! فكيف إذا تزينت به مدينة بكاملها،  فتلونت به واجهات محالها التجارية و زين الشارع الذي تقع فيه تلك المحال ببالونات حمراء وورود حمراء عرضها باعة الورود أمام محالهم. هكذا كان وضع دمشق طوال أسبوع مضى مثلها مثل الكثير من مدن العالم، أما الحدث الذي تمت كل هذه التحضيرات من أجله فهو عيد الفالانتاين الذي ظن الكثيرون أنهم عرَّبوه من خلال تسميته عيد الحب و الذي يصادف 14 شباط. و قد تميز هذا اليوم بامتداد اكبر للون الأحمر من البضائع و الورود و الهدايا إلى الناس الذين لبسوا اللون الأحمر و تجولوا في الشوارع و الأسواق الكبرى و كأنه إعلان عن الحب «أنا أحب إذا أنا موجود»

الاندماج المنفصل

في إطار ما سماهلغرب «بالعولمة» و الذي يسعون من خلاله إلى نشر النمط الرأسمالي و تعميمه على العالم كله عن طريق تصدير تفاصيل الحياة اليومية و الاستهلاكية التي  تحول الجميع إلى نسخ عن بعضهم مندمجين  بذلك النمط المصدَّر و مكرسين في الوقت نفسه فرديتهم: عائلتي، وردتي و بضعة أحباء لي، حيث لا تمارس طقوس هذه المناسبة من خلال مجموعة كبيرة من الأشخاص كما هو الحال بالنسبة للمناسبات الأخرى و إن كان ذلك يحمل إيجابية ابتعاده عن الطائفية فإنه يحمل سلبية أكبر هي تكريسه للفردية.
ثورة..

و إذا كان اللون الأحمر يرتبط في ذهن البعض بالثورة و البعض الآخر بالحب فان هذا اللون قد حمل عندنا كلا المعنيين:
الحب  بغض النظر عن ثنائية «أنثى - ذكر»..
أما معنى الثورة فهو مرتبط بتلك الثنائية إذ يعتبر «الشباب» عيد الحب هذا  ثورة على المفاهيم و التقاليد السائدة  الناظمة للعلاقة بين الشاب والفتاة حيث أنه رغم التحرر الذي شهده مجتمعنا فإن العديد من الأوساط ما زالت تعاني حتى من مجرد ظهور الفتاة مع الشاب الأمر الذي يعتبر «إساءة للسمعة»!! إذ تحاك حول هذا الحدث الأقاويل الكثيرة التي تصل أحيانا إلى تزويجهما و هذه ليست مبالغة بل هي حقيقة ما زالت موجودة حتى الآن و الثورة الأكبر هي فيما يخص «البوح» فما زال التعبير أو البوح عما في النفس خاصة في قضايا حساسة كالسياسة و الدين، و كذلك الحب، أمر غير مقبول! و مجرد وجود هذا الاحتفال بهذه المناسبة بشكل علني يبرر هذا البوح و يضعه في نطاق الأمر «الطبيعي» الذي انتشر منذ فترة ليصبح معروفا و من ثم متعارَفاً عليه.

الأسواق و الحب

إن لم تتجول في الأسواق في فترة عيد الحب فأنت لن ترى شيئا! إذ أن أعدادا من الشبان والشابات بل وحتى الأكبر عمراً ومن كل الفئات والطوائف والانتماءات نزلت إلى الأسواق لتتحول إلى مستهلكين، ومن ثم إلى نقود بنظر التجار الذين استخدموا كل أساليب الجذب  والترغيب لاصطياد الزبائن المحتملين، بل الأكيدين.  فكيف يمكن لك أن تقاوم قلباً يمد لك ذراعيه المفتوحتين ويقول لك بالكلمات العربية «هل أد بحبك»... يستعمل الكلمات نفسها التي تخشى أنت أن تبوح بها وتماما بالطريقة نفسها التي كنت ستستخدمها لذلك إن تجرأت وفعلت!
وربما هذا ما ميز الأسواق هذا العام. فهناك إنتاج وطني يلائم الأذواق المستوردة! و لكن حالات الابتكار والإبداع مثل «هل أد بحبك» قليلة و أغلب المنتجات مقلدة عن أصل أجنبي فما زلت مثلا ترى الأرنوب الأحمر يرقص الديسكو أو الدبدوب يشرب «البيبسي»، و لكنك لا تجد دبدوباً يرقص «الدبكة» أو دبدوبة تصنع القهوة لدبدوبها! .
وللورود قصة أخرى فقد ارتفعت مبيعاتها بشكل كبير بالرغم من أسعارها المرتفعة 100 ل س للوردة الجورية و 50 ل س للقرنفل مع أن الوردتين تصنيع محلي و ليس استيراداً!، بل تفنن الباعة في صنع تشكيلات متعددة للورود تصل أسعارها إلى آلاف الليرات !! و بهذا تحولت الورود من رمز للتعبير إلى وسيلة للقياس (قياس الحب بحسب سعر السلعة!!).
و كما هي العادة بالنسبة لشركات الخليوي فإنها لاتفوت مناسبة إلالتستفيد منها وتنشّط مبيعاتها، و هكذا استغلت هذا العيد لتعلن عن سحب سيجري لمشتركيها و الجائزة في هذا السحب هي سيارتان من النوع الفخم جدا عُرِضتا في إحدى الساحات الرئيسية في دمشق تحت شعار «عبّر عن حبك»! فهل يستطيع الملايين من السوريين أن يعبروا عن حبهم على الطريقة الخليوية؟؟ أم سيبقى حلمهم بامتلاك سيارة تماماً كحلمهم بامتلاك خليوي.. تماماً كامتلاك غرفة للسكن.. تماماً كامتلاك كرسي ورغيف خبز و.. و.. و...!؟؟؟

الخواء

ووفقا لما ذكر و بما أن كل سلعة مستهلكة تشبع حاجة معينة كذلك كان استيراد هذه  المناسبة لتملأ الفراغ الذي تركه الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والذي يمكن التعبير عنه «بالخواء»
هذا الخواء المخجل الذي حرم الإنسان من التعبير عن مشاعره لأسباب إن كان أهمها في سورية والمنطقة العربية هو الكبت فإنها تشمل العالم كله الذي تحول فيه الناس إلى آلات خالية من كل مشاعر مما يبرز الحاجة إلى يوم يحيا فيه الحب.
فلماذا نعاني من هذا الخواء مع أنه في تاريخنا الكثير من قصص الحب الرائعة مثل قصة قيس بن الملوح و حبيبته ليلى العامرية وقصة عنترة وعبلة وقصة كُثيّر عزه وغيرها من قصص الغرام التي خُطت أجمل الأشعار من أجلها فلماذا لم نحي ذكرى لقاء قيس وليلى بدلاً من أن نستورد فالانتاينهم؟
لماذا لا نتعظ ونضفي لمسة الحب هذه على حياتنا؟
لماذا ننكر أهمية هذا الموضوع ونضعه في المرتبة الأخيرة سامحين بذلك للكثيرين بأن يستغلوا الفراغ ويبثوا رموزهم وإشاراتهم. أهكذا نحن في كل شيء نتأخر فيأخذ الآخرون مقاعدنا.....

معلومات إضافية

العدد رقم:
169