عن ملف استيراد السيارات السياحية: قرارات في خدمة كبار التجار

 بدأت دوريات شرطة المرور في جميع المدن السورية منذ الصباح الأول من السنة الجديدة بحجز ومصادرة السيارات السياحية الخاصة بشركات الإيجار المرخص لها وفقاً لقانون الاستثمار رقم /10/ وتعديلاته، وقد شهدت الكثير من الشوارع عمليات مطاردة للسيارات ذات اللوحات الزرقاء والبيضاء وذلك تطبيقاً للقرار القاضي بوقف عقود تأجير السيارات السياحية ابتداءً من مطلع العام الجديد.
لقد شهد ملف استيراد السيارات، منذ أن فتح في أوائل تموز 2000، الكثير من الفوضى والقرارات المتناقضة، والأهم أن هذه القرارات جميعاً كانت تصب في مصلحة هذه الجهة أو تلك من الشركات أو الوكلاء متجاهلة المواطن في كل الأحوال.

 الخيارات الثلاثة

كانت البداية مع صدور القرار (3412) عن مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/7/2000 (أو ما يسمى بالقانون 14 لعام 2000)، والذي سمح باستيراد السيارات السياحية بمختلف أنواعها وأوزانها، كما نص على ضرورة تسوية أوضاع السيارات المستوردة من قبل مشاريع النقل والتسويق السياحي المشمولة بأحكام قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991 وتعديلاته والشركات المشتركة للنقل والتسويق السياحي، والتي ذكرت بالاسم: (ترانستور، شام تورز، أورينت تورز) لأوضاعها. وضع القرار هذه الشركات أمام خيارات ثلاثة: فإما أن ترسّم سياراتها لتصبح في سوق السيارات المحلي خاضعةً أسعارها للعرض والطلب، أو إعادة تصديرها إلى الخارج، أو الاحتفاظ بها على ما هي عليه شرط التقيد بالتعليمات الصادرة عن وزارة النقل بشأن استثمارها في النشاط المرخص لهابه.
ولما كانت الرسوم الجمركية مرتفعة (كما سنأتي على ذكره لاحقاً) مما يحمِل السيارة القديمة تكاليف إضافية تجعلها أغلى ثمناً من مثيلاتها الموجودة في السوق، ولما كانت إعادة التصدير ستتم بحالة واحدة تتلخص في إتمام أصحاب مشاريع النقل صفقات تتعلق بخردة السيارات، فقد كان من الواضح أن الخيار الأخير هو الأوفر حظاً، إذ أن هذه الشركات ستفضل مضايقات بسيطة ستتجاوزها بعد فترة وجيزة على دفع ملايين الليرات لتسوية أوضاع سياراتها ووضعها في الاستهلاك المحلي.. لاسيما أنها تعلمت جيداً كيف تخالف القوانين وتتجاوزها!
ومن الجلي أن قرار السماح باستيراد السيارات لم يحقق (الهدف الشعبي) المرجو، ولم يهدف أصلاً إلى ملء شوارع سورية بالسيارات الحديثة، كما تشدَّق البعض، لأن السيارات الجديدة لم تنقطع عن شوارع البلد، وكانت تدخل باستمرار بطرق ملتوية يعرفها الجميع، ولأن القرار بصيغته التي صدر بها لم يتمكن من توفير السيارات (لأوسع شريحة ممكنة)، وأفضل ما قد يقال عنه إنه جاء لإضفاء صبغة شرعية على دخول السيارات إلى سورية دون تغيير فعلي لواقع سوق السيارات.
فبحسب المادة السادسة من القرار، تم احتساب الدولار الجمركي بـ(46.5)، مما يعني ارتفاع الرسوم الجمركية إلى الضعف تقريبا،ً والتسبب في زيادة قدرها 30% من سعر السيارة للمستهلك. هذا عدا الزيادة الناجمة عن إدراج الفقرة (3) من البند (أ) من المادة (1) والقاضية بأن يتم تسديد قيمة السيارات من حصيلة القطع الناجم عن التصدير وفي حدود نسبة لا تتجاوز 10% من أرصدة القطع المحتفظ به من قبل المصدرين لدى المصرف التجاري السوري أصولاً.

ضمان مصالح الشركات
ورغم أن جميع المؤشرات تدل على أن القرار جاء في مصلحة وكلاء السيارات، فإن سيناريو انخفاض أسعار السيارات في سورية بسبب زيادة الطلب أمر مشكوك فيه،ّ وذلك نتيجة حذر الشركات الكبرى من دخول السوق السورية، أولاً بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية بشكل غير عادي، وثانياً بسبب انخفاض دخل المواطن السوري مما يعني صغر حجم سوق السيارات في سورية مقارنة مع الأسواق الأخرى.
ومن المعلوم أن الرسوم الجمركية على السيارات السياحية تبلغ 194% للسيارات التي تزن 1000كغ فما دون، و258% للسيارات التي تزن أكثر من 1000كغ، مما يجعل الرسوم الجمركية المستوفاة على استيراد هذه السلعة يوازي مرتين على الأقل سعر السيارة الأصلي.
وقد كان التهديد الحقيقي لمصالح شركات النقل السياحي متمثلاً بصدور القرار 17 لعام 2000 المعدّل للقرار 14 والذي عدل بموجبه سعر صرف الدولار الجمركي بـ 23 ل.س، وهو ما خفض الرسوم الجمركية إلى النصف، وكان من شان هذا القرار أن يهبط بأسعار السيارات إلى 60% من سعرها الحالي، مما يجعل هذا السعر قريباً من الأسعار التي تسوِقها هذه الشركات في عمليات البيع المبطن. ومن حقنا أن نشك في أن التأخير الذي حصل في تنفيذ القانون 17 ثم العودة عنه وصدور التعليمات التنفيذية لمديرية الجمارك العامة بعد ستة أشهر من صدوره، والتي رفعت الرسوم الجمركية (الدولار الجمركي) إلى ما كانت عليه، وكذلك تمييع تنفيذ القانون 14 الذي أعطى مهلة خمسة أشهر فقط، أي بنهاية عام 2000 لهذه الشركات لتسوية أوضاعها وتمديد المهلة إلى بداية الشهر السابع، ثم صدور قرار جديد من مجلس الوزراء يقضي بإنهاء عقود الإيجار لهذه الشركات بنهاية عام 2001، كل ذلك إنما كان لخدمة مصالح الشركات وأنها كانت وراء إصدار تلك القرارات!
وصلنا إذاً إلى قرار مجلس الوزراء رقم (2157) بتاريخ 7/6/2001 القاضي بأن عقود تأجير السيارات السياحية منتهية حكماً بتاريخ 31/12/2001. هذا القرار الذي جاء مفاجئاً للبعض، لكن سير الأمور وتتابع القرارات وتخبطها كان يشير إلى أنه سيصدر حتماً.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن عدد السيارات التي قامت بتسوية أوضاعها لا يتجاوز الـ (70) سيارة مع العلم أنه تم سحب أكثر من 16 ألف سيارة سياحية من التداول. والمتضرر الأكبر هو بالطبع الناس الذين اشتروا سيارات سياحية من شركات النقل المشترك فيما يسمى (ظاهرة البيع المبطن لسيارات الأجرة)، دون أن يكون لديهم أي إثبات بأنهم اشتروها. وفي احسن الأحوال سوف يُترَك لهؤلاء الذين قاموا بعمليات الشراء خيار دفع الرسوم الباهظة للسيارات التي بحوزتهم ونقلها إلى ملكيتهم، مع وجود احتمال بأن تطالب الشركات باستعادة سياراتها دون أن يكون لدى من دفع قيمة هذه السيارات أية حجج أو وثائق تحميه من إجراء كهذا.
وإن ما يقال عن تضرر شركات النقل المشترك من القرار بسبب حرمانها من عمليات البيع غير النظامية ليس صحيحاً على الإطلاق، حيث أنها استثمرت سياراتها (حتى العظم) واستوفت ثمنها منذ السنة الأولى مضافاً إليها أرباح (معقولة) من الذين اشتروها.
ولو أن القرار أراد فعلاً معالجة هذه الظاهرة بشكل فعال، لكان خفض الرسوم الجمركية، بحيث تقترب أسعار السيارات من الأسعار التي تطرحها الشركات في عمليات البيع غير النظامية، وبالتالي ستضطر مشاريع النقل إلى استخدام سياراتها ضمن ما هو مرخص لها أو وضعها في الاستهلاك المحلي حيث أن تسوية أوضاعها لن يكون مكلفاً في هذه الحالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
167