مداجن وثعالب

مع تحول قسم كبير من الأراضي المروية إلى بعلية في محافظة حمص بعد تعاقب سنوات الجفاف، أخذ عدد من الفلاحين يهتمون بالدواجن وتربية الطيور، فحولوا حظائرهم إلى مداجن صغيرة لاتستوعب أكثر من 500 طائر، وراحوا يعتنون بها ويجتهدون في تحسينها وتطويرها، فحققوا بعض الربح والنجاح، مما دفعهم للتفكير ببناء مداجن نظامية بعيداً عن مناطق السكن.

 وقد تم ذلك من خلال اتفاق واشتراك عدد منهم في تشكيل مجموعات، كل مجموعة سعت لامتلاك مدجنة تتألف من هنكار واحد، وساعدت قروض المصرف الزراعي في تحويل الحلم إلى حقيقة، ليصار بعدها إلى تشكيل جمعيات تعاونية (جمعيات مداجن) تضم العشرات من هؤلاء المربين. وكانت الأعلاف و «الصيصان» تؤمن عن طريق مؤسسات الدولة، مما ساهم في ازدياد أعداد المداجن التي وفرت فرص العمل لعدد لابأس به من أبناء الفلاحين، وحقق بعض الانتعاش الاقتصادي للعديد من القرى في ريف حمص.

لكن هذه الحالة لم تدم طويلاً، إذ سرعان مالفتت  المداجن انتباه الطبقة البرجوازية، وراح أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة يشيدون مداجن حديثة وضخمة تضم في هنكاراتها عشرات الآلاف من الفراريج، ومئات الآلاف من الدجاج البياض، ومئات الفقاسات، فغمروا الأسواق بالصيصان الرخيصة (أرخص من مفاقس الدولة)، ثم التفتوا إلى الأعلاف فحصلوا على رخص استيرادها بكميات كبيرة جداً، وطرحوها في الأسواق بأسعار مضاربة (6ل.س/كغ) ثم احتكروها فجأة، بعد أن تسيدوا السوق، وضاعفوا سعرها ليصل حتى

(16ل.س/كغ)، وما ينطبق على الأعلاف ينطبق أيضاً على الفروج، مما أدى إلى إفلاس معظم أصحاب المداجن الصغيرة، وهم ألوف من المنتجين والمربين (الصغار)، فاضطروا لبيع مداجنهم لتسديد ديونهم، وتأجيرها لأصحاب المداجن الكبيرة الذين راحوا يستولون على معظم المداجن، وهم ماضون للسيطرة عليها برمتها، ليتحكموا بشكل نهائي بهذه السلعة الاستهلاكية الهامة (الفروج والبيض) من دون أية منافسة أو مزاحمة.

من هنا تأتي أهمية وضرورة تدخل الدولة للعمل على مايلي:

1. إحصاء عدد المداجن ومعرفة سعتها لتزويدها بحاجتها (فقط) من المواد، وذلك لحماية المربي والمستهلك معاً.

2. تقديم القروض لأصحاب المداجن الصغيرة بشروط سهلة وغير معقدة وذلك لإنهاء دور الممولين الكبار والحد من أطماعهم.

3. تأمين الأعلاف والصيصان عن طريق مؤسسات الدولة وبسعر ثابت بعيداً عن مضاربات السوق.

إن إنجاز هذه المتطلبات يحمي العاملين في هذا القطاع من الفقر والضياع ويساهم في تأمين فرص عمل دائمة وثابتة للآلاف من أبناء الفلاحين العاطلين عن العمل.

 

٭ حمص ـ ياسر الكاشي

معلومات إضافية

العدد رقم:
225