عبد العزيز حسين عبد العزيز حسين

منطقة الجزيرة المعطاء.. وأخطار التصحر والفقر

من المعروف لكل الجهات المسؤولة أن منطقة الجزيرة السورية من المناطق الأساسية التي تنتج الحبوب والقطن, وتؤكد مصادر وزارة الزراعة لعام 2005 (أي قبل بروز مشكلة الجفاف وقبل قرارات الحكومة برفع سعر المازوت والسماد), أن مجموع المساحة التي زرعت قمحاً في سورية كلها وصل إلى 1,903,826 هكتاراً, وكان الإنتاج 4,669,000، وفي العام نفسه كانت المساحة المزروعة قمحاً في منطقة الجزيرة 820,746 هكتار، وكان الإنتاج 1,602,751 طن من القمح, مما يدل أن نصف المساحة التي زرعت قمحاً في سورية هي في الجزيرة, بما يعادل ثلث إنتاج سورية الكلي من القمح .

أما القطن، فإن مجموع المساحة التي زرعت في سورية في عام 2005 كانت 237,768 هكتاراً, وكان الإنتاج 1,021,969طن. وفي منطقة الجزيرة وحدها زرع 85,412 هكتاراً، وكان الإنتاج 287,337 ألف طن, وهذا يعني أن هذه المنطقة الاستراتيجية تنتج ثلث الإنتاج الكلي في سورية.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن الأراضي الصالحة للزراعة في الجزيرة هي في تراجع الأن، فقد كانت 1,566,000 هكتار عام 2007, وتراجعت هذه المساحة فأصبحت 1,557,000 هكتار في عام 2008.. وفي العام نفسه كانت الأراضي المستثمرة في المحافظة 1,553,330 هكتاراً، بينما كانت المساحة في عام 2007 هي 1,561,345 هكتاراً، والمساحة المروية 417,494 هكتاراً عام 2007، وأصبحت في عام 2008 بحدود 391,415 هكتاراً.. وهذا يؤكد أن كل المساحات تراجعت إلا البعلية منها, فكانت مساحتها في عام 2007 هي 792,503 هكتاراً, وأصبحت في عام 2008 بحدود 799,681.. إن هذه الإحصائيات التي نشرتها الكثير من الدوريات المحلية نقلاً عن مصادر رسمية تؤكد أمرين، الأول هو خطأ السياسة الزراعية التي اعتمدت في السنوات الأربع الأخيرة، وخاصة رفع سعر المازوت وبعض المستلزمات الزراعية الأخرى. والأمر الثاني هو خطورة التصحر.

بالإضافة لذلك تظهر هناك خطورة بعض المشاريع التي جمدتها القيادة السياسية حالياً كقانون العلاقات الزراعية 56، والقانون الأخير في رفع سقف الملكية, فهذه المشاريع إن طبقت ستصب بعيداً عن مصلحة الفلاحين والتطور الزراعي .
هذا الوضع المتردي الناشئ، وهذه التوجيهات الخاطئة، دفعت الكثير من فلاحي البلاد عموماً، والجزيرة خصوصاً إلى التوقف عن زراعة المحاصيل المروية، وساعد في زيادة الزراعات البعلية، وهي زراعات خاسرة على الأغلب لقلة الأمطار وتزايد التصحر وخاصة في السنين الأخيرة, فقد كانت الكميات التي وردت إلى مكتب الحبوب عام 2007 هي 1,5 مليون طن بدلاً من 5 ملايين طن كما في الأعوام السابقة, وفي عام 2008 وصل توريد الحبوب إلى 975 ألف طن فقط.

هذه الأخطاء الكبرى في السياسة الزراعية، أدت وما تزال تؤدي إلى ازدياد الهجرة إلى المحافظات الأخرى، وخارج الوطن، وإلى ازدياد الفقر والتسول والسرقات والأوبئة الاجتماعية المختلفة .
لقد زار المحافظة الكثير من الوفود الوزارية بتوجيه من رئيس الجمهورية مباشرة, وصدر عنها العديد من القرارات والإجراءات الايجابية, إلا أن هذه القرارات لم تقدم حلولاً جذرية، بل كانت مجرد إجراءات جزئية, ورغم ذلك فإن الكثير من توصياتها وإيعازاتها لم تنفذ .
إن المناطق الشرقية، وخاصة منطقة الجزيرة، بحاجة إلى عناية واهتمام أكثر من الحكومة، وإلى مشاريع إستراتيجية لا إجراءات وقتية.. فهناك ضرورة لإقامة الكثير من المصانع والمنشآت الحكومية التي تعتمد على إنتاج المنطقة, كمعامل الألبان والكونسروة والمعكرونة والنسيج ومناحل العسل.. ومعامل صناعة الأدوية من الأعشاب البرية المحلية، ومعامل صناعة الألبسة من الأقطان الموجودة وصناعة الأعلاف والإكثار من المداجن وتربية الأبقار... الخ..

وهذا يتطلب تشجيعاً ممنهجاً ومستمراً من الدولة، وأسعاراً خاصة للمازوت الذي تحتاج إليه الزراعة وهذه المشاريع، وتتطلب أيضاً قروضاً مسهلة تحت إشراف لجان موثوقة, حيث لا تذهب هذه الأموال هدراً كما حدث ويحدث.. إن مثل هذه المشاريع ستوفر الكثير من المواد الغذائية للمحافظة وللبلاد، وستحد من البطالة المنتشرة، وستخفف من الهجرة، وستوفر على الدولة أموالاً طائلة, وتحسن من الأوضاع المعاشية للفلاحين

معلومات إضافية

العدد رقم:
430