الفراريج والأسماك فاسدة أم من سمح بدخولها؟!

الفراريج والأسماك فاسدة أم من سمح بدخولها؟!

بين الحين والآخر، تخرج وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر وسائل الإعلام الرسمية أو المقربة منها، لتعلن عن آخر ضبوطاتها  بحق المخالفين، ومؤخراً، كثر حديثها عن اللحوم «غير الصالحة للاستهلاك البشري»، والتي قدرت كمياتها بعشرات الأطنان في كل عملية ضبط.

 

أغلب ضبوط اللحوم غير الصالحة للاستهلاك البشري، هي للحوم مجهولة المصدر على حد تعبير الوزارة، أي أنها لحوم مهربة، دخلت إلى الأسواق بطريقة تثير الشكوك، فالسؤال هنا، ليس عن كيفية دخول هذه اللحوم عبر الحدود المفتوحة، بل كيفية دخولها إلى أسواق المدن «الآمنة» على حد تعبير الحكومة وبهذه الكميات الضخمة؟.

وثائق مزورة من السهل كشفها!

يقول مدير حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية حسام النصر الله، إن هذه اللحوم دخلت المدن عبر وثائق مزورة، وهذه الوثائق تتيح للمهربين التنقل بين المحافظات والدخول إلى الأسواق، حيث لا يملك خبرة الكشف عنها، سوى موظفو الوزارة عند قيامهم بجولات ميدانية.

الغريب في تصريحات النصر الله، هو اعتماد المهربين على وثائق مزورة تتيح لهم إدخال شحنات من الفروج المجمد أو السمك المجمد، رغم أن هاتين المادتين لايتم استيرادهما عبر التجار السوريين على الأقل خلال الأزمة، ما يطرح تساؤلاً عن عدم تعميم ذلك على المسؤولين عن تمرير وإدخال هذه الشحنات الكبيرة أمام أعين الجميع!.

وأيضاً، الكشف عن هذه الوثائق المزورة سهل جداً وليس بحاجة إلى خبراء نظراً لعدم وجود إجازات استيراد من هذا النوع، وبالتالي سيكون ضبط رتل شاحنات محمل بهذه المادة، سهل جداً، إن لم تمنح أذناً بالدخول!.

النصر الله ذاته يؤكد عبر حديث إذاعي، أنه «لايوجد في الأسواق السورية فروج مثلج، وأينما وجد الفروج المثلج هذا يعني أنه مهرب»، بينما ينوه رئيس الجمعية الحرفية للّحامين، أدمون قطيش، إلى أنه: «لا يوجد سمك مجمد مستورد بشكل نظامي في الأسواق السورية، وكل ماهو موجود من هذه الفئة مهرب أيضاً».

حديث «النصر الله» و«قطيش» يؤكد حجم التهريب المنتشر في الأسواق من هذه الأنواع، وخاصة الأسماك المثلجة «مقطوعة الرأس» أو «الفيليه»، ويضيف هنا رئيس جمعية اللحامين بقوله:  إن «جميع الأسماك المجمدة في الأسواق مهربة عبر لبنان، وأيضاً، كل الفروج المجمد مهرب عبر تركيا».

السمك المثلج مهرب كله!

وعن سبب انتعاش تهريب الأسماك، يضيف: «عدم وجود مصادر للسمك تكفي الحاجة يشجع على التهريب، إضافة إلى عدم استيراد السمك بشكل نظامي، بالتزامن مع ارتفاع أسعار لحم السمك المحلي وخاصة البحري، حيث وصل سعر كيلو سمك (اللؤز) إلى 12 الف ليرة سورية، وسمك المشط إلى 1200».

من وجهة نظر قطيش، فإن السماح باستيراد لحم السمك المثلج بشكل نظامي، يحد من التهريب، طارحاً مثالاً عن «لحم الجاموس» الذي كان يدخل إلى الأسواق عن طريق التهريب بشكل كبير، وعندما فتح باب الاستيراد انخفضت نسبة اللحوم المهربة بشكل واضح على حد تعبيره.

ويقول رئيس جمعية اللحامين: إن «لحم الجاموس يستورد حالياً بشكل نظامي من الهند، ويتم ذبح الجواميس أمام لجنة سورية مؤلفة من 7 أشخاص، ثم يتم صعق اللحم بـ 40 درجة تحت الصفر»، مشيراً إلى أنه «يمكن للمواطنين التأكد من سلامة هذه اللحوم في الأسواق عبر قراءة عبارة (مستورد خصيصاً للجمهورية العربية السورية)».

بدوره، أكد رئيس جمعية اللحامين السابق محمد بسام درويش، وجود مخالفات كثيرة في أسواق اللحوم وخاصة لحوم الأسماك، مشيراً إلى أنه يتم بيع هذه المادة خارج البرادات والثلاجات الخاصة دون معرفة منشئها، وأضاف: «يتم استخدام العديد من الملونات والمواد المختلفة لمنح هذه اللحوم ألواناً توحي بجودتها».

مؤخراً، انتشرت سيارات جوالة وبسطات لبيع لحم السمك، دون معرفة المصدر الحقيقي لها، وهنا يشير درويش إلى وجود «تلاعبات سعرية بين بسطة وأخرى مجاورة لها، كما أن هناك كميات كبيرة من الماء المجمد في أسماك الهامور تصل إلى 50% من وزن هذه الأسماك».

وأوضح أن «حركة البيع والإقبال على لحوم الأسماك ضعيفة، حيث أن نسبة 20% من السوريين فقط يستهلكون لحوم الأسماك.

مدير حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية حسام النصر الله، أعلن عن حملة على الأسماك المخالفة بكل أسواق سورية، مشيراً إلى أنه يتم حالياً سحب عينات وإخضاعها للفحص، ومتابعة مصادر هذه اللحوم بموجب الفواتير»، لكن عند سؤاله عبر حديث إذاعي عن حقيقة «وجود أسماك مثلجة مستوردة بشكل نظامي في سورية والمصدر المسموح لهذا النوع من اللحوم إن وجد»، لم يجب على السؤال، مكتفياً بالقول: «نحن نتابع القضية وسنضعكم بالتفاصيل لاحقاً».

أطنان من الفروج المهرب جاءت من حماة!

وعن الفروج المجمد، أكد النصر الله ضبط أطنان من الفروج المثلج في دمشق، محملة بسيارات قادمة من حماة، وقد فكَّ ما عليها من الثلج نتيجة السير لمسافة طويلة، وتمَّ ضعها في صناديق غير صحية، حتى باتت غير صالحة للاستهلاك البشري.

وأضاف «ضبطنا منذ أيام  24 طن من مادة الفروج المثلج غير صالحة للاستهلاك البشري، تم نقلها من مسلخ النبهان ومسلخ الخطيب في محافظة حماة إلى مستودع في منطقة باب شرقي، ليتم بيعها في محلات الفروج في مناطق متعددة بمدينة دمشق (نهر عيشة– شارع الأمين– الشاغور وغيرها)»، دون توضيح إن كانت هناك تحقيقات فعلية حول آلية دخول هذه الكميات إلى داخل دمشق.

وتابع: «لم نستطع الدخول إلى أحد المستودعات في دمشق نتيجة الرائحة الكريهة للفروج التالف، والذي لا يملك صاحب المستودع فاتورة توضح المنشأ».

يكافحون الصغار!

أسعار الفروج التي باتت ترتفع وتنخفض كالبورصة، وسط تحكم واضح من قبل التجار، ودون أية آلية للضبط من قبل وزارة التجارة الداخلية، ساهمت  بانتعاش التهريب بشكل أو بآخر، إضافة إلى تواطؤ كبار التجار مع بعض أصحاب القرار لتمرير هذه المهربات على حساب حصة المواطنين أولاً، والاقتصاد الوطني ثانياً، وسط ضعف الجهاز الرقابي الحكومي، الذي بات يحاول مكافحة هذه اللحوم عبر صغار التجار في أسواق المفرق، دون التفتيش عن منفذ دخولها، ومن هو المسؤول الحقيقي عن ذلك.

وتشير حجوم الضبوط التي تنظمها وزارة التجارة الداخلية بين الحين والآخر، إلى أن كميات اللحوم الفاسدة والمهربة، التي بيعت في الأسواق دون أن تستطيع دوريات الوزارة ضبطها، أكثر بكثير من الأرقام المعلنة، وخاصة مع اعتراف الوزارة مراراً بعدم قدرتها على تغطية الأسواق جميعها وضبط أغلب المخالفات نتيجة قلة عدد  عناصر الدوريات التموينية.