الحكومة تلتف على الفلاحين وتسترد زيادات أسعار المحاصيل الإستراتيجية

بعد رفع الدعم عن المازوت ومستلزمات الإنتاج الزراعي، وبعد تصفية القطاع العام الصناعي وفتح الأبواب على مصراعيها لدخول البضائع وخروج الأموال.. بعد هذا التراجع و التقهقر الذي قضى على الاقتصاد الوطني المنتج وبعد كل الصفعات التي تلقاها الفلاحون، أبى الليبراليون الجدد في وزارة الزراعة إخفاء مواهبهم، فراحوا يقلبون أوراق المرسوم التشريعي رقم /59/ لعام 2005 المتعلق بمخالفات الخطط الإنتاجية، والذي مازال  ساري المفعول رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد من جفاف متواصل انعكس فقراً على العاملين في القطاع الزراعي، مستعينين بأقسى مواده وبنوده لسحق الفلاحين ودفعهم إلى مزيد من الفقر. 

فوزارة الزراعة ما زالت تصدر خططها الزراعية على أساس الظروف المناخية التي سادت قبل عام 2005 عندما كانت المياه متوفرة والسدود بكامل طاقتها التخزينية، متعامية عن حقيقة أن هذه الخطط أصبحت تفتقد كل مقومات إنتاجها في ظل شح مياه الري التي عجزت الوزارة عن توفيرها بعد أن طالتها يد التخريب التي ما فتئت تعيث فساداً في السدود ما أدى لعدم إنجاز بعضها وانهيار بعضها الآخر.

ومما يدعو للدهشة و الذهول رد وزير الزراعة في كتابه رقم 623/ص ت 3 تاريخ 6/7/2009 الموجه إلى الاتحاد العام للفلاحين الذي ورد فيه: «إشارة لكتابكم رقم 1056/ص د تاريخ 26/5/2009 والمعطوف على كتاب اتحاد فلاحي الحسكة رقم 740/ص ت تاريخ 30/4/2009، وعلى كتاب اتحاد فلاحي حماة رقم 434/ص تاريخ 26/4/2009 والمتضمن إعفاء الأخوة الفلاحين من المخالفات بسبب ارتفاع أسعار المحروقات ونقص المستلزمات، نبين لكم بأنه استناداً للمرسوم التشريعي رقم /59/ لعام 2005 فإن أي تعديل في أرقام الخطة الإنتاجية الزراعية هو من مهام لجنة الخطة المشكلة برئاستنا، وأنه من المتعذر إعفاء الفلاحين المخالفين للخطة الإنتاجية من العقوبات المحددة بالمرسوم مما يقتضي تنظيم الضبوط اللازمة بحقهم أصولاً».

فلماذا يتعذر إعفاء الفلاحين من العقوبات إن كان وزير الزراعة هو رئيس اللجنة  وأعضاؤها ليسوا من المريخ، وجميعهم على علم بمدى الظلم الذي لحق بالزراعة والمزارعين نتيجة غلاء مستلزمات الإنتاج وعدم توفير مياه الري؟ فهل وفرت وزارة الزراعة المياه لإرواء ما خططت لزراعته حتى تنزل العقوبات على الفلاحين المخالفين لاستثمار هذه المياه.

بدوره المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، وجه كتاباً إلى رؤساء الأقسام الحقلية يحمل الرقم /4147/ و غ 7/ تاريخ 12/7/2009، يؤكد فيه على تنظيم ضبوط مخالفة بحق الفلاحين المخالفين للخطة الزراعية.

مدير تطوير الغاب هو الآخر بصورة أحوال الفلاحين، ويعلم أن المساحات المروية في الغاب لم تتجاوز 5% من المساحة الإجمالية, فهل هذا الإجراء التي تقوم به وزارة الزراعة هو اعتذار من جهة ما على  زيادة أسعار المحاصيل الإستراتيجية، أم أنه إعادة لتحصيل فرق أسعار هذه المحاصيل وسلبها من جيوب  الفلاحين لتفقد الزيادة على الأسعار قيمتها ومضمونها؟ فما أعطته الحكومة بيمينها تأخذه بشمالها، وان كانت خطة زراعة القمح في الموسم المنصرم قد أضرت بالفلاحين وأجبرتهم على شراء البذار من السوق السوداء و بأسعار مضاعفة، فإن الخطة الزراعية للموسم الصيفي 2009 جاءت  لتعاقب الفلاحين على ما ارتكبته الوزارة من أخطاء, فالوزارة تأكل الحصرم والفلاح يضرس، فقد تضمنت الخطة الصيفية لإحدى إرشاديات الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب زراعة 2365 دونماً من محصول القطن، في حين أن المساحة التي استطاع الفلاحون زراعتها  هي 200 دونم فقط، وذلك لعجز الوزارة عن توفير مياه الري، فما توفّر من مياه لزراعة تلك المساحة بالقطن جرى تأمينه من فوائض مياه المسامك الخاصة وبجهود فردية للفلاحين، وإن كانت الوزارة قد خصصت مساحة قدرها 15 دونماً لزراعة القمح لكل حيازة زراعية مساحتها 25 دونماً، فإن المساحة المتبقية هي 10دونمات، تصبح بحكم المخالفة للخطة الزراعية، وعندما تكون قيمة الغرامة المالية لكل دونم مخالف للخطة الزراعية يتراوح بين 2000 و5000 ل.س، وفي حال أصرت الوزارة على ضبوطها بحق الفلاحين، فإننا نعلم أن الكارثة لابد متحققة متسببة باضطرابات اجتماعية لا قدرة لأحد على تحمل عواقبها!.

ومن خلال الاطلاع على جداول المخالفات المنظمة في إحدى إرشاديات هيئة تطوير الغاب البالغ عددها /58/ إرشادية، تبين أن عدد الدونمات المخالفة للخطة الزراعية من محصول القطن فيها هو 2165 دونماً، يضاف 1000 دونم قمحاً، ليكون مجموع الدونمات هو:

3165 دونم مضروبة بـ3000ل.س غرامة = 9,495000 مليون × 58 ارشادية ليساوي 550,710000، وهو المبلغ التي تنوي الوزارة تحصيله من فلاحي منطقة الغاب!! وقس على ذلك باقي المناطق والمحافظات, وإذا ما علمنا أن إنتاج منطقة الغاب وجوارها هو أقل من مائتي ألف طن من القمح، نتأكد أن الحكومة لم تقم بزيادة أسعار المحاصيل الزراعية الإستراتيجية قرشاً واحداً، بل أرادت تطبيق المقولة الشعبية «من دهنه إقله».. هذه آخر إنجازات حكومة: «حسبنا الله ونعم الوكيل».

 

■ يامن طوبر