حزام المدينة......!

منذ سنوات،عندما كنت طالبا في سنوات الدراسة الأولى ، جرى حديث عن قيام الجهات المعنية بتطويق مدينة القامشلي بحزام، ولا أعرف لم أنني وعلى ضوء ما تكوّن لدي آنذاك من مفاهيم صرت أنفر من  كلمة «حزام»... ربما أن ذلك كان يعود لاعتبارات عديدة، أولها المعاني السيئة لكلمة الحزام في منطقة الجزيرة، انطلاقا من بعض الممارسات تجاه الكرد، ثم إنّ كلمة الحزام تعني الطوق أو الزّنار، وهو ما كنت أنفر منه، لان الطفل بطبيعته يتوق إلى العوالم الرحبة، وإن كل طوق من حوله يضيق عليه المجال...!

بل ربما ان السبب المباشر لنفوري «كما أخمن الآن» من هذه الكلمة بعيداً عن خلفية مدلولها السابق، هو معرفتي بالمصير الذي ينتظر مئات الأسر الفقيرة التي تعيش ضمن «حزام الفقر» حيث تم هدم بيوت عدد كبير من الناس وتشريد أسرهم  في أحد الشتاءات الباردة، ووضع كل من وما في داخلها تحت رحمة الطبيعة أياما ً طويلة جدا ً في صورة أقشعر لها وأنا أتذكرها الآن، دون أن يتم تأمين «سقف بيت بديل»، كما تم إقرار ذلك منذ عقود في البرلمان السوري، وهو ما جعل الكثير من هذه الأسر تنتكب، وقد ودعنا زملاء لنا في المدرسة، لينتقلوا إلى مدارس أخرى بعيدة، تاركين في قلوبنا ألما حين نتذكرهم، حيث قطنوا في أحياء جديدة أشبه بأحياء الصفيح التي وردت في الروايات التي كنت أقرؤها، أو التي رأيتها في بعض الأفلام العالمية أو العربية.، أولئك الفقراء المنكوبون لم يعطوا إمكانات بناء بيوت بديلة عن تلك التي بنوها خلال سنوات طويلة جدا، فسكنوا بيوتاً لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة، في أحياء طينية يستحيل الوصول إليها طوال أيام الشتاء، وراحوا يعيشون شبه منقطعين عن المدينة، حيث لا مواصلات جيدة أو معقولة، ولا خطوط هاتفية عاجلة، ولا أي شيء من ضرورات الحياة اليومية !..

ثم ما حدث بعد ذلك هو أنه بعد سنوات تم إنجاز حزام المدينة، ووجدت فيه ملمحا ً حضاريا ً للمدينة، ولكن هذه البيوت المرمية على أطرافه ظلت تخبئ في دواخلها أسراراً، وإن كانت ملامحها تفصح أصلاً عما بها، وإلى الآن لم يتم تقديم يد العون لقاطنيها بالشكل المطلوب، كما يحدث في المدن الكبيرة التي يمنح معظم ساكنيها القروض العقارية للسكن في بيوت نظيفة مريحة.

مؤكد أنني لا أستطيع في عجالة كهذه إعطاء أولئك المتضررين حقهم، ومن يريد من مسؤولينا أن يعرف تفاصيل حياتهم، فإني أدعوهم ليتركوا مكاتبهم الفارهة ويعيشوا يوماً واحدا ً بينهم في أحد أيام شتائنا الجزراوي البارد ليروا بعضاً من معاناتهم مباشرة.

 

■ فائق اليوسف