خواطر على هامش انتخابات فلاحي القامشلي

قد يستغرب المرء حينما يقف على سوء ومحاولة الآخرين زيادة حجمه وتكريس خرابه، فالفلاح السوري المنتهك تماماً والمتهالك على نفسه، تخترقه القرارات، وما بقي له إلا الريح تحمله وتطرحه جفافاً إلى درك يضعه له القائمون على القرار معتمدين على البساطة والثقة التي يضعها الفلاح في غير أهلها، ففي الوقت الذي يحتاج فيه إلى من ينهض به، نجد من يدفع به إلى أسفل وأسفل.

إن بساطة المجتمع الفلاحي لا سذاجته، هي التي تقيم أولئك الناس، وإن استغلال تلك البساطة هو انتهاك سافر لأبسط حقوق أولئك البسّط، مما يدفع بأي عاقل أن يعتبر أولي الأمر من القيادات مسؤولين عن ذلك الاستغلال.

إن ما جرى في الانتخابات الفلاحية في مدينة القامشلي لهو الصورة الناصعة لمدى استهزاء أولي الأمر بالفلاح وقيمه وفكره، فقد دفعوا به لاختيار إجباري لأسماء وشخصيات في مجملها لم تحقق ولن تحقق ما يطمح إليه، لأن المجرب لا يجرب. إن مرض القيادة تقاطع مع مرض العشائرية ليكون أساساً انتقائياً فاسداً، لا على أساس معرفي بحقوق ومشاكل وهموم  الفلاح، بل ليدفع الفلاح إلى أن يزداد نزولا نحو هاوية رسمتها له قيادة فلاحية لا تنظر أبعد من أرنبة أنفها ومصالحها الضيقة. كل هذا يزيد من حدية الانطباع السائد حول صورة الدولة وتطلعاتها، في زمن أصبح الجميع ينهش في لحمها ليعلن إخلاصه وولاءه لأولئك الذين أطلقوا رصاصاً نحو صدرها وهربوا إلى الأعداء، ليعلنوا أنفسهم أوصياء على مصالح وفكر وطموحات هذا الشعب النبيل الذي أكلوه حياً وميتاً.

إن ما قام به البعض من قيادة شعبة ريف القامشلي (ولا ندري إن كان بضوء أخضر ممن هم فوق) من انتهاك صارخ لإنسانية الفلاح وطموحه في المشاركة، هو نموذج للصور الجديدة لبعض الممارسات القديمة، وهو طعنة لإحساسه وطموحه في رؤية شيء يمكن أن يسمى بالديمقراطية البدائية، ثم قتلها بيد فئة من أولي الأمر اعتمدت المحاصصة بين أعضائها بأمر دبر بليل حالك، وفي النهار مارست دورها القمعي في طرد الفلاح من قاعة الانتخابات أو باستدعاء رجال الشرطة ليقمعوا ممارسة ممنوحة لبدائية الحياة الأولى.. إن ذلك إسفاف بالعقل الإنساني والوعي الإنساني والكرامة الإنسانية.

هكذا فان ساحة ما يسمى بالديمقراطية التي فتحت للجميع أغلقتها القيادة في القامشلي، لأن طابع الأنانية المفرطة للشخصية القيادية المتخلفة التي تتصور نفسها مسؤولة عن عقول البشر طغت، وكشرت عن أنيابها، ومارست ساديتها على مشاعر الفلاحين البسطاء، وأبت إلا أن ترجع الفلاحين إلى مخفر الشرطة يمارسون فيه حقهم الديمقراطي المتخيل، وأن يكونوا قبل دخولهم إلى حرم المخفر مفرغين تماماً من كل فكر اختياري، ومن القائمة المكتوبة في جيبهم الذي فرغ فيه حصيلة فكرهم المفروض ... ولم يكن للسماء إلا أن تمطر أكثر، وللغيم أن يتجمع أكثر لأنه يمر من جيوب الفلاحين إلى أيديهم، إلى حسابات غيرهم وأرصدتهم ...

اللهم اسقنا الديمقراطية ولا تجعلنا من القانطين..

 

■ القامشلي - مكتب قاسيون