وجهة نظر حول قانون الأحزاب المنتظر

من جملة القوانين المرتقبة التي يجري الحديث عنها هي قانون الأحزاب...... وما هو بديهي إن إصدار هذا القانون أصبح من الضرورات الملحة انطلاقا من حجم التحديات الماثلة أمام البلاد والعباد فالمواطن السوري الذي يعيش بين مطرقة التهديدات الخارجية وسندان النهب والاستبداد ونتائجهما في الداخل يفتقد حتى الآن ذلك الإطار القانوني الذي يعبر من خلاله عن حقه في وطن حر وشعب سعيد.

.... أريد القول إن القانون أصبح ضرورة موضوعية لاتقبل التأجيل من جهة المصالح الإستراتيجية العليا للبلاد، ومن جهة المصالح الآنية اليومية للمواطن ، ومن نافل القول أن هذا القانون حتى يلعب الدور المفروض أن يلعبه أي استنهاض الحركة السياسية المهمشة والمهشمة منذ عقود كي تعود السياسة إلى المجتمع وتخرج أغلبية الشعب السوري من دائرة الصمت والموقف السلبي المفروض عليه إلى دائرة الفعل الوطني بمعناه الواسع، حتى يلعب القانون المرتقب مثل هذا الدور يجب أن يراعي حركة الواقع بكل تناقضاتها والعوامل المكونة لهذا الواقع بما يعزز الانتماء الوطني، وإلا سيكون قانونا كسيحاً وأعرج بل ربما يلعب دوراً عكسياً تماماً لدوره المفترض الآنف الذكر.

- يجب ألا يكون قانوناً ترقيعياً ، أي لابد أن يكون جزء من برنامج إصلاح وطني شامل ومتكامل ، يضع الخطوات الضرورية باتجاه انعطاف تاريخي في حياة البلاد بحيث يكون قادرا على أن يحافظ على الكيان الوطني في ظل استهدافه من قبل أعداء الخارج ونقاط ارتكازهم في الداخل ( مراكز الفساد).

- من المفروض أن القانون هو كسر لحلقة الاستبداد واحتكار القرار السياسي ، ومن هنا ولكي لا يكون القانون المرتقب استبدال هذا الشكل من الاستبداد باستبداد من نوع آخر يعتمد على قوة النفوذ وسطوة رأس المال، وبالتالي التحكم بنتائج عملية (ديمقراطية) شكلانية، عبر «ري مونت كنترول» المال والإعلام لكي لايتم كل ذلك، يجب أن يترافق قانون الأحزاب مع قانون انتخابي جديد ، يعتمد الدائرة الصغيرة التي يصعب التحكم بها (محافظة _ منطقة) الأمر الذي يسهل وصول أناس من قلب الشعب معروفين في وسطهم الاجتماعي إلى الهيئات التمثيلية، شريطة أن تكون في إطار كتل انتخابية على المستوى الوطني للحد من تفشي النزعات المحلية.

- قانون الأحزاب هو إحدى المقدمات الضرورية لبناء وحدة وطنية حقيقية وشاملة ولكي يكون كذلك قولاً وفعلاً يجب أن يكون الاتجاه العام فيه متجهاً نحو تجاوز البنى التفتيتية (عشائرية، مذهبية، طائفية، دينية)....

فتشكيل أحزاب على أساس هذه البنى هي قوننة لها، وبالتالي هي عودة إلي الوراء بمعنى التطور التاريخي ، ولايمت بصلة إلى الفكر الديمقراطي والعملية الديمقراطية، ويساهم في تشويه طبيعة الصراع الدائر في البلاد من حيث كونه صراع قوى اجتماعية لها مصالح متناقضة في المحصلة إلى صراع مشوه ذي صبغة مذهبية أو طائفية أو عشائرية...

وفي هذا السياق تنتصب أمام الجميع وبالأخص أصحاب القرار مهمة التعامل مع واقع موجود وان كان مرفوضا ساهمت في ترسيخه جملة سياسات اقتصادية اجتماعية من جهة وتخلف وخمول الحركة السياسية من جهة أخرى......

- تقول الوقائع الملموسة التي لايمكن التغاضي عنها بوجود أقليات قومية ( كرد، كلدان أشور...) لها خصوصيتها على صعيد المعاناة بالإضافة إلى المعاناة العامة ، ومع تفهمنا للخوف المشروع من النزعات الانعزالية لدى البعض نقول من حق هذه الأقليات تشكيل الأحزاب والأطر السياسية المعبرة عن مصالحها مع تأكيدنا إن أولى هذه المصالح تتجسد في الحفاظ على الوحدة الوطنية ، الأمر الذي يستحيل تحقيقه على ارض الواقع دون الكف عن ممارسات التمييز القومي، ولما كان التمييز القومي موجودا فإن وجود قوى سياسية على أساس قومي يصبح أمرا واقعا وأية ممانعة لذلك في ظل وجود مبرر موضوعي، ما هو إلا قفز من فوق الواقع و دخول إلى حقل ألغام، لاسيما في الظرف السياسي الراهن الذي تسوق فيه مشاريع التفتيت وإثارة القلاقل في عموم المنطقة، ومن هنا فإن المصلحة الوطنية السورية قبل أي شيء آخر تتطلب التعامل مع هذا الملف ضمن إستراتيجية وطنية ترسخ العمل بمبدأ المواطنة بمعنى التساوي في الحقوق والواجبات الأمر الذي يحقق أرقى درجات الاندماج المجتمعي واقعيا الأمر الذي يقطع الطريق على بعض العناصر التي تتحدث باسم هذه الأقليات وتتكئ على نتائج سياسة التمييز القومي – جاهلة أو متجاهلة- لتوجيه الوعي الاجتماعي إلى مسارات لاوطنية.....

 

عند تحقيق ذلك الاندماج فقط تسقط كل مبررات وجود أحزاب على أسس قومية، ولا داعي وقتها لإصدار فرمانات أو فتاوى تفتح معارك هامشية وتشطب من جدول الأعمال المعركة الرئيسية مع المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف الكيان الوطني .